تفسير سورة البقرة
في هذهِ الآية: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 261]. هل قصدُه في سبيلِ اللهِ جهادُ المالِ والنفس، أو إنفاقُ المالِ على الأيتامِ والفُقراء؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله، يُمهّدُ علماءُ مدرسةِ أهلِ البيت (ع) لهذهِ الآيةِ تمهيداً حسناً قبلَ الدخولِ في تفسيرِها، فيرونَ أنّ هذهِ الآيةَ تتحرّكُ مِن موقعِ التشويقِ والترغيبِ الشديدِ لمسألةِ الإنفاقِ والبذلِ وتُثني على الكُرماءِ والأسخياءِ بتعابيرَ في غايةِ العلوِّ والجمالِ وتقولُ «مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموالَهُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. فلو أنّنا أخَذنا بظاهرِ الآيةِ ولم نرتكِب بعضَ التأويلِ والحذفِ والتقديرِ للمفهومِ مِنها فإنَّ الآيةَ الشريفةَ تدلُّ على أنَّ روحَ المُنفِقِ والمُحسنِ تنمو أو تشتدُّ إلى درجةٍ كبيرةٍ بعمليّةِ البذلِ والإنفاقِ كما أنَّ أموالَهُ تتضاعفُ وتتكاثرُ عدّةَ أضعافٍ بسببِ الإنفاقِ وكذلكَ يتصاعدُ الإنسانُ الكريمُ في مدارجِ الكمالِ بسُرعةٍ كبيرةٍ وحتّى أنَّ الخطواتِ الصغيرةَ في هذا السبيلِ تترتّبُ عليها آثارٌ عظيمةٌ ونتائجُ كبيرة. وعلى هذا الأساسِ فإنّ الإنفاقَ والبذلَ مُضافاً إلى أنّه يُعدُّ قوّةً تصعدُ بالإنسانِ في مدارجِ الرّشدِ والكمالِ المعنويّ والإنسانيّ للمُجتمعِ البشري، فكذلكَ هوَ الحالُ بالنسبةِ إلى الشخصِ نفسِه. [ينظر: كتابُ الأخلاقِ في القرآنِ للشيخِ ناصِر مكارِم الشيرازي (ج ٢/ ص ٣٦٨)]. وأمّا معنى هذهِ الآية، فهناكَ رأيانِ مشهوران، أحدُهما: أنَّ إنفاقَ المالِ في سبيلِ الله عامٌّ، يشملُ الجهادَ وغيرَه مِن أبوابِ البرّ، وهوَ المرويُّ عن أبي عبدِ الله (ع)، والرأيُ الآخر: أنّ الإنفاقَ خاصٌّ بالجهاد. [ينظر: تفسيرُ مجمعِ البيانِ للشيخِ الطبرسي، (ج 2/ ص ١٨٠)]. وعلى كلِّ حالٍ فقَد نبّهَ عُلماءُ الإماميّةِ حينَ عرضوا لهذا الآيةِ على أنَّ المُرادَ مِن سبيلِ الله وإن كانَ لُغةً وعُرفاً هوَ طريقُ الله، لكنّه اشتهرَ وعُرِفَ مِن رواياتِ أهلِ بيتِ العِصمةِ (سلامُ اللهِ عليهم أجمعين) أنَّ سبيلَ اللهِ تعالى هوَ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (ع)، فقد روى ثقةُ الإسلامِ الشيخُ الكُلينيّ (ره) في كتابِه الكافي (1 / 432 ح 91) بإسنادِه إلى أبي الحسنِ الماضي عليهِ السّلام قالَ : سألتُه عن قولِ اللّهِ عزَّ وجل : يُرِيدُون لِيُطفِؤُا نُورَ اللَّه بِأَفواهِهِم. قالَ : يريدونَ ليُطفئوا ولايةَ أميرِ المؤمنينَ بأفواهِهم قلتُ : واللَّهُ مُتِمُ نُورِه ؟ قالَ : واللّهُ متمُّ الإمامةِ كقولِه : الذينَ آمنوا بِاللَّه ورَسُولِه والنُّورِ الَّذِي أَنزَلنا، والنورُ هوَ الإمام. قلتُ : هُوَ الَّذِي أَرسَل رَسُولَه بِالهُدى ودِين الحَق. قالَ: هوَ الذي أرسلَ رسولَه بالولايةِ لوصيّه والولايةُ هيَ دينُ الحقِّ إلى أن قالَ : ولَو كَرِه الكافِرُون بولايةِ عليٍّ قلتُ : هذا تنزيلٌ ؟ قالَ: نعَم أمّا هذا الحرفُ فتنزيلٌ ، وأمّا غيرُه فتأويل ، إلى أن قال : إنّ اللّهَ سمّى مَن لم يتّبِع رسولهُ في ولايةِ وصيّه مُنافقينَ ، وجعلَ مَن جحدَ وصيّتَه وإمامتَه كمَن جحدَ مُحمّداً وأنزلَ بذلكَ قرآناً فقالَ : يا مُحمّدُ إِذا جاءَك المُنافِقُون بولايةِ وصيّك إلى قولِه واللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنافِقِين - بولايةِ عليّ - لَكاذِبُون اتَّخَذُوا أَيمانَهُم جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيل اللَّه - والسبيلُ هوَ الوصي - إِنَّهُم ساءَ ما كانُوا يَعمَلُون ذلِك بِأَنَّهُم آمَنُوا برسالتِك وكفروا بولايةِ وصيّك إلى أن قالَ : وإِذا قِيلَ لَهُم تَعالَوا يَستَغفِر لَكُم رَسُول اللَّه. قالَ : إذا قيلَ لهُم ارجعوا إلى ولايةِ عليٍّ يستغفِر لكم النبيّ لَوَّوا رُؤُسَهُم ورَأَيتَهُم يَصُدُّون - عن ولايةِ عليّ - وهُم مُستَكبِرُون إلى أن قالَ : قلتُ : أَفَمَن يَمشِي مُكِبًّا عَلى وَجهِه أَهدى أَمَّن يَمشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُستَقِيم، والصراطُ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلام قالَ : قلتُ : إِنَّه لَقَول رَسُول كَرِيم * « 2 » قالَ : يعني جبرئيل عن اللّهِ بولايةِ علي. [ينظر أيضاً كتابُ إثباتِ الهُداةِ بالنصوصِ والمُعجزاتِ للحُرِّ العامليّ، (ج ٣/ص ١٣)]. وقد روى ابنُ شهرِ آشوب في كتابِه المناقب (ج3/ ص72) عدّةَ رواياتٍ تؤيّدُ أنَّ السبيلَ هوَ الإمامُ عليّ (ع)، فمِن تلكَ الرواياتِ:عن إِبرَاهِيمَ الثَّقَفِيُ بِإِسنَادِهِ إِلَى أَبِي بَرزَةَ الأَسلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) أَنَّ هذا صِراطِي مُستَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ. سَأَلتُ اللَّهَ أَن يَجعَلَهَا لِعَلِيٍّ فَفَعَلَ . أَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ (ص) فِي خَبَرٍ فِي قَولِهِ وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ يَعنِي عَلِيّاً .ابنُ عَبَّاسٍ فِي قَولِهِ فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً الآيَاتِ أَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ فِي هَذَا المَوضِعِ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ . قَولُهُ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ فِي الخَبَرِ هُوَ الوَصِيُّ بَعدَ النَّبِيِّ . وَفِي الخَبَرِ المَشهُورِ عَنِ النَّبِيِّ سَتَفتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبعِينَ فِرقَةً إِحدَاهَا نَاجِيَةٌ وَسَائِرُهَا هَالِكَة . زَاذَانُ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتَفتَرِقَنَّ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبعِينَ فِرقَةً اثنَتَانِ وَسَبعِينَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ وَمِمَّن خَلَقنا أُمَّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ وَهُم أَنَا وَشِيعَتِي . وَرُوِيَ عَنِ البَاقِرَينِ ع أَنَّهُمَا قَالا نَحنُ هُم . ودمتُم سالمين.
اترك تعليق