لماذا لم يعمَل الإمامُ الحُسين(ع) بوصيّةِ النبي لعدم خروجِه على يزيد؟
سؤالي هوَ هل هناكَ روايةٌ في الكافي صفحة 701 أنَّ النبيَّ أوصى عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحُسين بعدمِ الخروجِ على أيّ شخصٍ حتّى لو هدمَ الكعبةَ وانتهكَ الحُرمة؟ ولماذا لم يعمَل الإمامُ الحُسين بهذه الوصيّةِ في خروجِه على يزيد؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : يبدو أنَّ السائلَ يشيرُ إلى ما جاءَ في الكافي مِن وصيّةِ رسولِ الله لأميرِ المؤمنين، والروايةُ وإن كانَت طويلةً إلّا أنَّ الرجوعَ إليها بتمامِها فيهِ إجابةٌ عن سؤالِ السائل. عن الحُسينِ بنِ محمّد الأشعريّ، عن مُعلّى بنِ مُحمّد عن أحمدَ بنِ محمّد، عن الحارثِ ابنِ جعفر، عن عليٍّ بنِ إسماعيل بنِ يقطين، عن عيسى بنِ المُستفاد أبي موسى الضرير، قالَ: حدّثني موسى بنُ جعفر (عليهِ السلام)، قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله (عليهِ السلام): أليسَ كانَ أميرُ المؤمنين كاتبَ الوصيّةِ ورسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) المُملي عليه، وجبرئيلُ والملائكةُ المُقرّبونَ (عليهم السلام) شهودٌ؟ قالَ: فأطرقَ طويلاً. ثمَّ قال: يا أبا الحسن [كُنيةُ الإمامِ موسى بنِ جعفر (عليهِ السلام)] قد كانَ ما قُلت، ولكن حينَ نزلَ برسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) الأمرُ، نزلَت الوصيّةُ مِن عندِ اللهِ كتاباً مُسجّلاً، نزلَ به جبرئيلُ معَ أمناءِ اللهِ تباركَ وتعالى منَ الملائكة، فقالَ جبرئيل: يا مُحمّد! مُر بإخراجِ مَن عندَك إلاّ وصيّك، ليقبضَها مِنّا وتشهدُنا بدفعكَ إيّاها إليهِ ضامناً لها - يعني عليّاً (عليهِ السلام) - فأمرَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) بإخراجِ مَن كانَ في البيتِ ما خلا عليّاً (عليهِ السلام)، وفاطمةُ فيما بينَ السترِ والباب. فقالَ جبرئيل: يا مُحمّد! ربّكَ يُقرئكَ السلام ويقولُ: هذا كتابُ ما كنتُ عهدتُ إليكَ وشرطتُ عليك، وشهدتُ به عليك، وأشهدتُ به عليكَ ملائكتي، وكفى بي يا محمّدُ شهيداً. قالَ: فارتعدَت مفاصلُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم)، فقالَ: يا جبرئيلُ! ربّي هوَ السلام، ومنهُ السلام، وإليهِ يعودُ السلام، صَدَقَ (عزّ وجلّ) وبرَّ، هاتِ الكتاب. فدفعَه إليه وأمرَه بدفعِه إلى أميرِ المؤمنين (عليهِ السلام)، فقالَ له: اقرأه، فقرأهُ حرفاً حرفاً، فقالَ: يا عليّ! هذا عهدُ ربّي تباركَ وتعالى إليَّ، وشرطُه علَيَّ وأمانتُه، وقد بلّغتُ ونصحتُ وأدّيت. فقالَ عليٌّ (عليهِ السلام): وأنا أشهدُ لكَ (بأبي وأُمّي أنت) بالبلاغِ والنصيحةِ والتصديقِ على ما قلتَ، ويشهدُ لكَ به سمعي وبصري ولحمي ودمي. فقالَ جبرئيلُ (عليهِ السلام): وأنا لكُما على ذلكَ منَ الشاهدين. فقالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم): يا عليّ! أخذتَ وصيّتي وعرفتَها، وضمنتَ للهِ ولي الوفاءَ بما فيها؟ فقالَ عليٌّ (عليهِ السلام): نعم، بأبي أنتَ وأُمّي، علَيَّ ضمانُها، وعلى اللهِ عوني وتوفيقي على أدائِها. فقالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم): يا عليّ! إنّي أُريدُ أن أشهدَ عليكَ بمُوافاتي بها يومَ القيامة. فقالَ عليٌّ (عليهِ السلام): نعم، أشهَد. فقالَ النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم): إنّ جبرئيلَ وميكائيلَ فيما بيني وبينَك الآن وهُما حاضِران، معهما الملائكةُ المُقرّبون لأُشهدَهم عليك. فقالَ: نعم، ليشهدوا وأنا - بأبي أنتَ وأُمّي - أشهدُهم. فأشهدَهم رسولُ الله (صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم)، وكانَ فيما اشترطَ عليهِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) بأمرِ جبرئيلَ (عليهِ السلام) في ما أمرَ اللهُ (عزّ وجلّ) أن قالَ له: يا عليّ تَفي بما فيها من موالاةِ مَن والى اللهَ ورسولَه، والبراءة والعداوة لمَن عادى اللهَ ورسولَه، والبراءة مِنهم، على الصّبرِ مِنك، وعلى كظمِ الغيظ، وعلى ذهابِ حقِّك، وغصبِ خُمسِك، وانتهاكِ حُرمتك؟ فقالَ: نعَم يا رسولَ الله. فقالَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام: والذي فلقَ الحبّةَ وبرأ النسمةَ لقد سمعتُ جبرئيلَ عليهِ السلام يقولُ للنبيّ: يا مُحمّد عرِّفه أنّهُ يُنتهَك الحُرمةَ وهيَ حُرمةُ اللهِ وحُرمةُ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وعلى أن تُخضّبَ لحيتُه مِن رأسِه بدمٍ عبيط، قالَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام: فصعقتُ حينَ فهمتُ الكلمةَ منَ الأمينِ جبرئيل حتّى سقطتُ على وجهي وقلتُ: نعم قبلتُ ورضيتُ وإن انتُهكَتِ الحُرمة وعُطّلَت السّننُ ومُزّقَ الكتابُ وهُدمَت الكعبةُ وخُضّبَت لحيتي مِن رأسي بدمٍ عبيطٍ صابراً مُحتسِباً أبداً حتّى أقدمَ عليك، ثمَّ دعا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله فاطمةَ والحسنَ والحُسين وأعلمَهم مثلما أعلمَ أميرَ المؤمنين، فقالوا مثلَ قولِه فخُتمَت الوصيّةُ بخواتيمَ مِن ذهب، لم تمسَّهُ النار ودُفعَت إلى أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام، فقلتُ لأبي الحسنِ عليهِ السلام: بأبي أنتَ وأمّي ألا تذكرُ ما كانَ في الوصيّة؟ فقالَ: سُننَ اللهِ وسُننَ رسولِه، فقلتَ: أكانَ في الوصيّةِ توثّبُهم وخلافُهم على أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام؟ فقال: نعَم واللهِ شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً، أما سمعتَقولَ اللهِ عزَّ وجل: "إنّا نحنُ نُحيي الموتى ونكتبُ ما قدّموا وآثارَهم وكلَّ شيءٍ أحصيناهُ في إمامٍ مُبين"؟ واللهِ لقد قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله لأميرِ المؤمنينَ وفاطمةَ عليهما السلام: أليسَ قد فهمتُما ما تقدّمتُ به إليكُما وقبلتُماه؟ فقالا: بلى وصبَرنا على ما ساءَنا وغاظَنا." وفي نُسخةِ الصفواني زيادةٌ: عليٌّ بنُ إبراهيم، عن أبيه، عن عبدِ الله بنِ عبدِ الرّحمنِ الأصم، عن أبي عبدِ الله البزّاز، عن حريزٍ قال: قلتُ لأبي عبدِ الله عليهِ السلام: جعلتُ فِداك ما أقلَّ بقاءَكم أهلَ البيت وأقربَ آجالَكم بعضَها مِن بعض معَ حاجةِ الناسِ إليكم؟! فقالَ: إنَّ لكلِّ واحدٍ منّا صحيفةً فيها ما يحتاجُ إليه أن يعملَ به في مُدّتِه، فإذا انقضى ما فيها ممّا أمرَ به عرفَ أنَّ أجلَه قد حضرَ فأتاهُ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ينعى إليهِ نفسَه وأخبرَه بما لهُ عند اللهِ وأنَّ الحُسينَ عليهِ السلام قرأ صحيفتَه التي أعطيها، وفسّرَ له ما يأتي بنعيٍ وبقيَ فيها أشياءُ لم تُقضَ، فخرجَ للقتالِ وكانَت تلكَ الأمورُ التي بقيَت أنَّ الملائكةَ سألَت اللهَ في نُصرتِه فأذنَ لها ومكثَت تستعدُّ للقتالِ وتتأهّبُ لذلكَ حتّى قُتلَ فنزلَت وقد انقطعَت مُدّتُه وقُتلَ عليهِ السلام، فقالَت الملائكةُ: يا ربِّ أذنتَ لنا في الانحدارِ وأذنتَ لنا في نُصرتِه، فانحدَرنا وقد قبضته، فأوحى اللهُ إليهم: أن الزموا قبرَه حتّى ترَوه وقد خرجَ فانصروهُ وابكوا عليهِ وعلى ما فاتَكم مِن نُصرتِه فإنّكم قد خُصِصتُم بنُصرتِه وبالبُكاءِ عليه، فبكَت الملائكةُ تعزيّاً وحُزناً على ما فاتَهم مِن نُصرتِه، فإذا خرجَ يكونونَ أنصارَه". وكما هوَ واضحٌ أنَّ الروايةَ بتمامِها رافِعةٌ للإشكال؛ لأنَّ الروايةَ تُؤكّدُ على ثلاثِ حقائقَ مُهمّةٍ.أوّلاً: إنَّ الإمامةَ هيَ عهدُ اللهِ وميثاقُه الذي جعلَه في عليٍّ والحسنِ والحُسين (عليهم السلام).ثانياً: إنَّ الإمامةَ حملٌ ثقيلٌ وأمانةٌ عُظمى فأمرَهم بالصبرِ والثباتِ مَهما أصابَهم مِن ظُلمٍ وتعدٍّ. ثالثاً: إنَّ كلَّ إمامٍ يقومُ بما عهدَ اللهُ بهِ إليه، فالإمامُ يمضي وفقَ مشيئةِ اللهِ وإرادتِه، وقد عهدَ اللهُ للإمامِ الحُسين الخروجَ والشهادةَ كما نصَّت على ذلكَ الروايةُ، (فقالَ: إنَّ لكلِّ واحدٍ مِنّا صحيفةً فيها ما يحتاجُ إليه أن يعملَ به في مُدّتِه، فإذا انقضى ما فيها ممّا أمرَ به عرفَ أنَّ أجلَه قد حضرَ فأتاهُ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ينعى إليهِ نفسَه وأخبرَه بما له عندَ اللهِ وإنَّ الحُسينَ عليهِ السلام قرأ صحيفتَه التي أعطيها، وفُسّرَ له ما يأتي بنعيٍ وبقيَ فيها أشياءُ لم تُقضَ، فخرجَ للقتال...) ولذلكَ لا يمكنُ تصوّرُ إشكالِ مُخالفةِ الحُسينِ للوصيّة.
اترك تعليق