هل الشيطان شخصية حقيقية؟

هل الشيطان شخصية حقيقية أم هو من هواجس النفس الإنسانية؟

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

يبدو أنَّ السائلَ يبحثُ عن الفوارقِ بينَ وسوسةِ الشيطانِ وهواجسِ النفس، ولا يقصدُ التشكيكَ في وجودِ الشيطانِ منَ الأساس، لكونِ ذلكَ منَ المُسلّماتِ عندَ جميعِ المُسلمين، فكلُّ مَن يؤمنُ بالقرآنِ وبرسالةِ الإسلام لا يمكنُه التشكيكُ في وجودِ الشيطان، وإذا افترَضنا وجودَ مَن يُشكّكُ في ذلكَ بالفِعل فلا يمكنُ مُناقشتُه في وجودِ الشيطانِ قبلَ مُناقشتِه في أمورٍ أخرى سابقةٍ للإيمانِ بوجودِه، فإثباتُ وجودِ الشيطانِ يأتي في مرتبةٍ مُتأخّرةٍ بعدَ إثباتِ وجودِ الله وإثباتِ نبوّةِ النبيّ مُحمّد وإثباتِ كونِ القرآنِ منَ الله، ولا نظنُّ أنَّ السائلَ يقصدُ كلَّ ذلك، وعليهِ سوفَ نختصرُ الإجابةَ في بيانِ بعضِ الفوارقِ بينَ وسوسةِ الشيطانِ ووسوسةِ النفس. 

منَ الواضحِ أنَّ إثباتَ كونِ الشيطانِ شخصيّةً حقيقيّةً لا ينفي وجودَ هواجسَ نفسيّةٍ والعكسُ صحيحٌ أيضاً، فلكلِّ واحدٍ مِنهما وجودُه الخاصُّ الذي لا ينفي وجودَ الآخر، فليسَ منَ الصحيحِ تفسيرُ وسوسةِ الشيطانِ بالهواجسِ النفسيّةِ أو تفسيرِ الهواجسِ النفسيّةِ بوسوسةِ الشيطان، ويبدو أنَّ التشابهَ بينَهما يعودُ إلى كونِهما يُمثّلانِ شعوراً نفسيّاً واحِداً، فالإنسانُ قد لا يميّزُ بينَ الشعورِ النفسيّ حالَ الوسوسةِ الشيطانيّةِ وبينَ الشعورِ النفسيّ حالَ الهواجسِ النفسيّة، فيخالُ للإنسانِ أنّهما أمرٌ واحدٌ، إلّا أنَّ حقيقةَ الاختلافِ لا تعودُ إلى جهةِ الشعورِ النفسي، وإنّما تعودُ إلى جهةِ المضمونِ والمُحتوى، فالوسوسةُ الشيطانيّةُ لها طابعٌ وغايةٌ تختلفُ عن طابعِ وغايةِ الوساوسِ النفسيّة، وقبلَ بيانِ ذلكَ لابدَّ منَ الإشارةِ إلى أنَّ النصوصَ الإسلاميّةَ تؤكّدُ على وجودِ نوعينِ منَ الوسوسة، الأولى تعودُ إلى النفس، والثانيةُ تعودُ إلى الشيطان.

فبالنسبةِ لوسوسةِ النفسِ قالَ تعالى: (وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ وَنَعلَمُ مَا تُوَسوِسُ بِهِ نَفسُهُ ۖ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَرِيدِ)، وفي الحديثِ عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ: (لكلِّ قلبٍ وسواس، فإذا فتقَ الوسواسُ حجابَ القلبِ نطقَ بهِ اللسانُ وأخذَ بهِ العبد، وإذا لم يفتِق القلبَ ولم ينطِق بهِ اللسانُ فلا حرج)

وبالنسبةِ لوسوسةِ الشيطان قالَ تعالى: (فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لَّا يَبلَىٰ)، وعن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) قالَ: (إذا وسوسَ الشيطانُ لأحدِكم فليتعوَّذ باللهِ، وليقُل بلسانِه وقلبِه آمنتُ باللهِ ورسولِه مُخلصاً لهُ الدين)

وإذا كانَت النصوصُ قد فرّقَت بينَ وسوسةِ النفسِ ووسوسةِ الشيطانِ فمنَ المُمكنِ أن نكتشفَ تلكَ الفوارقَ مِن خلالِ طبيعةِ الشيطانِ ووظيفتِه وطبيعةِ النفسِ ووظيفتِها.

فإذا نظَرنا للنفسِ نجدُ أنَّ الأهواءَ والشهواتِ والغرائز هيَ التي تتحكّمُ في ميولِها، قالَ تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ)، فالآيةُ تتحدّثُ عن طبيعةِ المَتاعِ في الدّنيا وفي نفسِ الوقتِ تتحدّثُ عن طبيعةِ ما تهواهُ النفسُ الإنسانيّة، وعندَ هذا المُستوى يتساوى جميعُ البشرِ فمطامعُهم واحدةٌ ورغباتُهم مُشتركةٌ، ومنَ الطبيعيّ في هذه المرحلةِ أن تُحدّثَ كلُّ إنسانٍ نفسُه بالحصولِ على مُتعِ الحياة، إلّا أنَّ هناكَ مرحلةً ثانيةً فيها ينقسمُ البشرُ إلى مؤمنٍ وكافر وهيَ المرحلةُ التي أشارَت لها الآيةُ بقوله: (وَاللَّهُ عِندَهُ حُسنُ المَآبِ) في إشارةٍ إلى وجودِ حياةٍ أخرى غيرِ حياةِ الدّنيا، وعندَ هذهِ النقطةِ تأتي وسوسةُ الشيطان، حيثُ تكونُ وظيفتُه صرفَ الإنسانِ عن حياةِ الآخرة وتركيزِ هِمّتِه في الحياةِ الدّنيا، فالشيطانُ يستغلُّ رغبةَ الإنسانِ وميلَه النفسيَّ لملذّاتِ الحياةِ فيحجبُه عن رؤيةِ الآخرة، ومِن هُنا يمكنُنا القولُ أنَّ كلَّ وسوسةٍ في الصدرِ تدعو الإنسانَ لعملٍ فيه مُخالفةٌ لِما أرادَ الله هيَ منَ الشيطان، أمّا ما يجولُ في النفسِ مِن رغباتٍ وتمنّياتٍ دونَ أن تكونَ مدخلاً يستغلُّه الشيطانُ هيَ مِن وساوسِ الصدرِ التي لا يحاسبُ الإنسانُ عليها، وهذا صريحُ كثيرٍ منَ الروايات، فعَن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله أنّه قال: (تجاوزَ اللهُ لأمّتي عمّا حدّثَت بهِ أنفسَها ما لم تنطِق به أو تعمَل). وعنه صلّى اللهُ عليهِ وآله: (إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى عفا لأمّتي عن وساوسِ الصدر) وعن الإمامِ الرّضا (عليهِ السلام) أنّه سُئلَ عن حديثِ النفسِ، فقالَ: مَن يطيقُ ألّا تُحدّثَ نفسُه؟!...

وعليهِ فإنَّ أساسَ وسوسةِ الشيطانِ وغايتَها هيَ إضلالُ الإنسان، بينَما وسوسةُ النفسِ هيَ رغباتُ النفسِ وشهواتُها، فيمكنُ للنّفسِ أن تُوسوسَ بشيءٍ ويمكنُ تحقيقُ ذلكَ الشيءِ بالحلال، إلّا أنَّ وظيفةَ الشيطانِ هيَ ترغيبُها في تحقيقِه بالحرام، وأفضلُ وسيلةٍ لمعرفةِ وسوسةِ الشيطان هيَ معرفةُ ما يريدُه الشيطانُ منَ الإنسان، وقد بيّنَت آياتُ القرآنِ ذلكَ في كثيرٍ منَ الآيات، ومِن خلالِ الوقوفِ على تلكَ الآياتِ يمكنُ التعرّفُ على نوعِ الوسوسةِ الشيطانيّة، قولهُ تعالى: (إِنَّمَا يَأمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالفَحشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ)، وقالَ تعالى: (الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغفِرَةً مِّنهُ وَفَضلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وقالَ تعالى: (وَلَأُضِلَّنَّهُم وَلَأُمَنِّيَنَّهُم وَلَآمُرَنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنعَامِ وَلَآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَد خَسِرَ خُسرَانًا مُّبِينًا)، وقالَ تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ فِي الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَل أَنتُم مُّنتَهُونَ) إلى غيرِ ذلكَ منَ الآياتِ التي تُبيّنُ أهدافَ الشيطانِ وغاياتِه.