هل آدم بشر؟

هل آدم بشر؟ إذا كان آدم بشرا كيف كلمه الله ؟

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،

لا شكَّ في أنَّ آدمَ (ع) منَ البشر، ويدلُّ على ذلكَ قولهُ تعالى: {وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن صَلصَالٍ مِن حَمَإٍ مَسنُونٍ} [الحجر: 28]. فهوَ المقصودُ بالآية.

ثمَّ لـمّا ثبتَ أنَّ آدمَ (ع) هوَ نبيٌّ مِن أنبياءِ اللهِ عليهم السلام، فعلى ذلكَ إمّا أنَّ اللهَ تعالى كلّمَه وحياً أو مِن وراءِ حِجاب أو أرسلَ إليهِ رسولاً يوحي إليهِ بإذنِه، طِبقاً لقولِه تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحيًا أَو مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَو يُرسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى : 51].

وهكذا كانَ أمرُ اللهِ عزَّ وجلّ معَ أنبيائِه ورُسلِه عليهم السلام، إذ وردَ في تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيم القُمّيّ (2/279 ): وقوله - عزَّ وجلّ - : « وما كانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحياً أَو مِن وَراءِ حِجابٍ أَو يُرسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذنِهِ ما يَشاءُ » قالَ : وحيَ مُشافهةٍ ، ووحيَ إلهام ، وهوَ الَّذي يقعُ في القلبِ أو مِن وراءِ حِجاب كما كلَّمَ اللَّهُ نبيّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - وكما كلَّمَ اللَّه - عزَّ وجلّ - موسى - عليهِ السّلام - منَ النّار. « أَو يُرسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذنِهِ ما يَشاءُ » قالَ: وحيَ مُشافهةٍ ، يعني : إلى النّاس.

ثمَّ ينبغي التنبيهُ على أنَّ كلامَ اللَّهِ ليسَ بنحوٍ واحد، إذ منهُ ما كلَّمَ اللَّهُ بهِ الرّسلَ ، ومنهُ ما قذفَه في قلوبِهم ، ومنهُ رؤيا يراها الرّسل ، ومنهُ وحيٌ وتنزيلٌ يُتلى ويقرأ فهوَ كلامُ اللَّه - عزَّ وجلّ. ويؤدّي ذلكَ ما وردَ في كتابِ التوحيدِ للصّدوق (ره) (ص264) في حديثٍ طويل : عن الإمامِ عليّ - عليهِ السّلام - يقولُ فيه ، وقد سألَه رجلٌ عمّا اشتبهَ عليهِ منَ الآيات : فأمّا قولهُ : « وما كانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحياً أَو مِن وَراءِ حِجابٍ » ما ينبغي لبشرٍ أن يُكلَّمَه اللَّهُ إلَّا وحياً ، وليسَ بكائنٍ إلَّا مِن وراءِ حجابٍ أو يرسلَ رسولاً فيوحي بإذنِه ما يشاءُ ، كذلكَ قالَ اللَّه - تباركَ وتعالى علوّاً كبيراً . قد كانَ الرّسولُ يُوحى إليهِ مِن رسولِ السّماءِ فتبلَّغُ رسولُ السّماءِ رسلَ الأرض ، وقد كانَ الكلامُ بينَ رسلِ أهلِ الأرضِ وبينَه مِن غيرِ أن يُرسلَ بالكلامِ معَ رسلِ أهلِ السّماء . وقد قالَ رسولُ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - : يا جبرئيل ، هل رأيتَ ربَّك؟ فقالَ جبرئيل : إنَّ ربّي لا يُرى . فقالَ رسولُ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - : فمِن أينَ تأخذُ الوحيَ؟ فقالَ : آخذُه مِن إسرافيل . فقالَ : ومِن أينَ يأخذُه إسرافيل ؟ قالَ : يأخذُه مِن ملكٍ فوقَه منَ الرّوحانيّينَ . قالَ : فمِن أينَ يأخذُه ذلكَ الملك ؟ قالَ : يقذفُ في قلبِه قذفاً . فهذا وحيٌ ، وهوَ كلامُ اللَّه - عزّ وجلّ . وكلامُ اللَّهِ ليسَ بنحوٍ واحد ، منهُ ما كلَّمَ اللَّهُ بهِ الرّسل ، ومنهُ ما قذفَه في قلوبِهم ، ومنهُ رؤيا يراها الرّسل ، ومنهُ وحيٌ وتنزيلٌ يُتلى ويُقرأ فهوَ كلامُ اللَّه - عزّ وجلّ . فاكتفِ بما وصفتُ لكَ مِن كلامِ اللَّه، فإنَّ معنى كلامِ اللَّه ليسَ بنحوٍ واحد، فإنَّ منهُ ما تبلَّغُ به رسلُ السّماءِ رسلَ الأرض.

فإذا عرفتَ ما تقدّمَ، فقوله تعالى: {وَقُلنَا يَا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنهَا رَغَدًا حَيثُ شِئتُمَا وَلَا تَقرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة : 35].

وقوله تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَم أَنهَكُمَا عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُمَا إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف : 22].

وقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ عَنهَا فَأَخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلنَا اهبِطُوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة : 36].

فهذه المواردُ الثلاثةُ (وقُلنَا يَا آدَمُ)، و(وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا)، وَ(قُلنَا اهبِطُوا) تجري مجرى ما بيّناهُ آنفاً. أي أنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى خاطبَ آدمَ (ع) بما خاطبَ به بقيّةَ أنبيائِه (ع) بأن يقذفَ في قلبِ ملكٍ منَ الروحانيّين، الذي هوَ آخرُ السلسلةِ في حديثِ أميرِ المؤمنين (ع)، وهذا الملكُ يُخاطبُ إسرافيل ، وإسرافيلُ يخاطبُ جبرائيل ، وجبرائيلُ هوَ الذي يخاطبُ الأنبياءَ (ع) بما يريدُه اللهُ عزَّ وجلّ. ودمتُم سالِمين.