كيف نثبت وجود الله علميا؟

عندي سؤال من باب الفضول اني اؤمن بوجود الله العظيم بس سؤالي شنو اللي يثبت وجوده علمياً ودينيا؟ اتمنه الرد واني لست ملحد لان اذا واحد سألني شنو ليثبت وجود الله وماعرف اجاوبه ❤️

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

يبدو أنَّ مقصودَ السائلِ منَ الإثباتِ العِلمي هوَ الإثباتُ القائمُ على العلومِ الطبيعيّةِ والتجريبيّة، لبداهةِ توفّرِ عشراتِ الأدلّةِ العقليّةِ على وجودِ اللهِ تعالى، وقد بيّنّا في إجاباتٍ سابقةٍ أنَّ العلومَ الطبيعيّةَ تهتمُّ بالجانبِ المادّيّ منَ الأشياء، أمّا الجوانبُ الروحيّةُ والمعنويّةُ والأخلاقيّة ومجملُ المعارفِ الدينيّةِ فلا تخضعُ لمناهجِ العلومِ الطبيعيّة، وإنّما تعتمدُ على المناهجِ العقليّةِ القائمةِ على التحليلِ والاستنتاجِ والاستنباطِ، فلكلِّ حقلٍ علميٍّ مناهجُه التي تناسبُه، وبما أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى ليسَ مِن سنخِ المادّةِ فلا يمكنُ التعرّفُ عليهِ مِن خلالِ العلومِ الطبيعيّةِ لكونِه غيرَ خاضعٍ للحواسِّ، وبالتالي يصبحُ الطريقُ إلى معرفتِه تعالى أوّلاً الفطرةُ الدالّةُ على وجودِه تعالى، وثانياً العقلُ الذي يُستدلُّ على وجودِه عبرَ البراهينِ القطعيّة، وقد عَرضَت كتبُ الفلسفةِ والكلامِ عشراتِ الأدلّةِ العقليّةِ في إثباتِ وجودِ اللهِ تعالى وهيَ أدلّةٌ قطعيّةٌ ترتقي بالإنسانِ إلى مستوى اليقينِ الجازمِ بوجودِه تعالى، وقد أشَرنا لبعضِ هذهِ الأدلّةِ في أجوبةٍ سابقة، ويبدو أنَّ الخلطَ الذي يحصلُ عندَ البعضِ - بينَ مناهجِ العلومِ الطبيعيّةِ وغيرِها منَ العلومِ والمعارِف - يتسبّبُ في إحداثِ بعضِ الشّبهاتِ التي يثيرُها المادّيّونَ عندَما يُطالبونَ بالدليلِ الحسّيّ على وجودِه تعالى، في حينِ أنَّ العلومَ الطبيعيّةَ غيرُ مُختصّةٍ بدراسةِ ما هوَ غيرُ مادّيّ، فالبحثُ عن القوانينِ الطبيعيّةِ وربطُ الظواهرِ بأسبابِها المُباشرةِ لا يُغني الإنسانَ عن الارتباطِ بالغيبِ والبحثِ عن المُطلَق، فتفاعلُ الإنسانِ معَ عالمِ المادّةِ وتسخيرُها ضمنَ شروطِها الطبيعيّةِ يعدُّ خطوةً ضروريّةً للتكاملِ المادّي للإنسان، أمّا تكاملهُ الروحيُّ وعروجُه إلى المعاني الساميةِ والقيمِ الكُلّيّةِ لا يكونُ إلّا بانفتاحِه على الغيب، فلا التجربةُ المادّيّةُ تُحقّقُ للإنسانِ ما يصبو لهُ روحيّاً، ولا الغيبُ والتأمّلُ يُحقّقُ لهُ ما يحتاجُه مادّيّاً، وعليهِ فإنَّ الإنسانَ لا يستغني بجانبٍ دونَ الجانبِ الآخر. 

وفي المُحصّلةِ إنَّ المعرفةَ اليقينيّةَ التي يبحثُ عَنها الإنسانُ لها أدواتٌ مُختلفةٌ ومُتعدّدةٌ، ولكلِّ حقلٍ أدواتُه الخاصّة، ومعرفةُ اللهِ تعالى والاعترافُ بوجودِه يحصلُ للإنسانِ عبرَ المناهجِ العقليّةِ التي تورثُه عِلماً يقينيّاً، ومَن كانَ له اهتمامٌ بمُناقشةِ المُلحدينَ يجبُ عليه الرجوعُ إلى الكُتبِ والمصادرِ التي تُفصّلُ الأدلّةَ والبراهينَ على وجودِه تعالى.

ولم نفهم قصدَ السائلِ منَ الإثباتِ الدينيّ لوجودِه تعالى، فإن كانَ يقصدُ إثباتَه عبرَ النصوصِ الدينيّة، فنصوصُ القرآنِ والسنّةِ قائمةٌ بالأساسِ على توحيدِ اللهِ تعالى، وإذا كانَ يقصدُ الدافعَ الدينيَّ للإيمانِ باللهِ تعالى فإنَّ الإنسانَ بفطرتِه مُضطرٌّ للبحثِ عمَّن أوجدَه في هذهِ الحياة، فإحساسُ الإنسانِ بكونِه مخلوقاً إحساسٌ أصيلٌ لازمُ الإنسانيّةِ في جميعِ مراحلِها التاريخيّة، وهذا الإحساسُ ليسَ مُجرّدَ شعورٍ نفسيٍّ وإنّما إحساسٌ وجوديٌّ، يُعبّرُ عن عُمقِ الحاجةِ الوجوديّةِ لدى الإنسان؛ فوجودُه الذي يشعرُ به وفي الوقتِ نفسِه لا يمتلكُه، يجعلُه في حالةٍ منَ الإحساسِ الدائمِ بمدى الحاجةِ والاضطرارِ لذلكَ المُوجدِ المالكِ لوجودِه، فمَهما بلغَ الإنسانُ مِن غرورٍ لا يمكنُه الشعورُ أنّه أوجدَ نفسَه، أو مُمسكٌ بزمامِ وجودِه، فالفقرُ الذي يلازمُه، والحاجةُ التي تُرهقُه، تجعلُه مديناً في أصلِ وجودِه لمَن أوجدَه، وما يمتلكُه الإنسانُ مِن كمالاتٍ مثلَ القُدرة، والعلمِ، والإرادةِ، والسمعِ، والبصرِ، وغيرِها مِن كمالاتٍ، والتي قد تكونُ سبباً لاعتدادِه بذاتِه وفخرِه بنفسِه، هيَ ذاتُها وبالتأمّلِ فيها تجعلُ الإنسانَ في حالةٍ منَ العشقِ الأبديّ والامتنانِ السرمديّ لمَن أوجدَها فيه، فليسَ هناكَ دليلٌ على وجودِه تعالى أكثرَ مِن تلكَ الفطرةِ المُتأصّلةِ في كلِّ إنسان، ومِن هُنا فإنَّ النصوصَ الدينيّةَ لا تقومُ على البرهنةِ والاستدلالِ على وجودِه تعالى، وإنّما تقومُ على كونِ الإيمانِ به ضرورةً فطريّةً لا يمكنُ التشكيكُ فيها، قالَ تعالى: (قالَت رُسُلُهُم أَ فِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالأَرضِ)، أي أنَّ الشكَّ والارتيابَ في وجودِه سبحانَه ممّا لا يمكنُ ولا ينبغي لعاقلٍ ارتكابُه.