64

هل السيدة مريم (ع) معصومة ؟

الجواب :

الجوابُ: 

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

لا يخفى أنَّ للسيّدةِ مريم (عليها السلام) مقاماتٌ سَنيّةٌ ومكرماتٌ شريفةٌ، وقد وردَت آياتٌ ورواياتٌ كثيرةٌ في بيانِ فضلِها ومنزلتِها، وهيَ تفيدُ أنّها معصومةٌ ومُطهّرةٌ ـ كما صرّحَ بعضُ الأعلام ـ.

مِنها: قولُ اللهِ تعالى: {وَإِذ قَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا مَريَمُ إِنَّ اللَّهَ اصطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ} [سورةُ آلِ عمران: 42]. 

والمستفادُ منَ الآيةِ أمور: أوّلها: أنَّ الملائكةَ خاطبَت السيّدةَ مريم (عليها السلام)، وهذا يُثبِتُ مقامَ (المُحدَّثة) لها، أي: التي تحدّثُها الملائكة. وثانيها: أنَّ اللهَ تعالى اصطفى السيّدةَ مريم (عليها السلام)، واصطفاها على نساءِ العالمين، فهيَ مُصطفاةٌ بسنخينِ ونوعينِ منَ الاصطفاءِ والاختيارِ، وهذا مقامُ (الاصطفاءِ الإلهيّ). وثالثُها: أنَّ اللهَ تعالى طهّرَها، وهذا مقامُ (المُطهَّرة). 

ومِنها: ما رواهُ الشيخُ الصدوقُ في [كمالِ الدين ص18] بالإسنادِ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: « ... وتصديقُ ذلكَ قولُ اللهِ عزَّ وجلّ: {وَجَعَلنَا ابنَ مَريَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} يعني حُجّةً ».

والمستفادُ مِن هذهِ الآيةِ الكريمةِ بمعيّةِ الروايةِ ثبوتُ مقامِ (الحُجّيّةِ) للسيّدةِ مريم (عليها السلام).

ومِنها: ما رواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص459 + ج3 ص159]، والشيخُ الصدوقُ في [عللِ الشرائع ج1 ص184] بالإسنادِ عن المُفضّل، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: « قلتُ لأبي عبدِ الله (عليهِ السلام): مَن غسّلَ فاطمة؟ قالَ: ذاكَ أميرُ المؤمنين - وكأنّي استعظمتُ ذلكَ مِن قولِه - فقالَ: كأنّكَ ضقتَ بما أخبرتُك به؟ قالَ: فقلتُ: قد كانَ ذاكَ جُعلتُ فِداك، قالَ: فقالَ: لا تضيقنَّ، فإنّها صدّيقةٌ، ولم يكُن يغسّلُها إلّا صدّيقٌ، أما علمتَ أنَّ مريمَ لم يُغسّلُها إلّا عيسى ».

والمستفادُ مِن هذهِ الروايةِ ثبوتُ مقامِ (الصدّيقةِ) للسيّدةِ مريم (عليها السلام).

فإنَّ هذهِ المقاماتِ الشامخةَ تدلُّ على عصمتِها عن الأرجاسِ وطهارتِها منَ الأدناسِ بشكلٍ واضح؛ فإنَّ تكليمَ الملائكةِ لها مباشرةٌ، واصطفاءُ الله تعالى لها، وتطهيرُها، وكونُها حُجّةً للهِ تعالى، وكونُها صدّيقةٌ، لا تكونُ لغيرِ المعصوم، فإنَّ الاختيارَ والانتخابَ الإلهيّ لا يكونُ إلّا بصفاءِ جوهرِ الإنسانِ وحقيقتِه، والتطهيرُ الإلهيّ عينُ العِصمة، والحُجيّةُ والصدّيقيّةُ تلازمُ العِصمة.