لماذا يضرّنا الله إذا لم نتضرع إليه؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

لا ندري على أيّ شيءٍ بنى السّائلُ هذا الافتراض، والمعلومُ بالضّرورةِ لدى جميعِ المؤمنينَ أنَّ التضرّعَ إلى اللهِ هوَ الذي يكشفُ الضرَّ ويدفعُ البلاء، ففي الكافي عن محمّدٍ بنِ يحيى، عن أحمدَ بنِ مُحمّدٍ بنِ عيسى، عن ابنِ محبوب، عن أبي ولاد قالَ: قالَ أبو الحسنِ موسى (عليهِ السلام): "ما مِن بلاءٍ ينزلُ على عبدٍ مؤمنٍ فيلهمُه اللهُ عزَّ وجل الدّعاءَ إلّا كانَ كشفُ ذلكَ البلاءِ وشيكاً وما مِن بلاءٍ ينزلُ على عبدٍ مؤمنٍ فيُمسِكُ عن الدّعاءِ إلّا كانَ ذلكَ البلاءُ طويلاً فإذا نزلَ البلاءُ فعليُكم بالدّعاءِ والتضرّعِ إلى اللهِ عزَّ وجل"

ويبدو أنَّ السائلَ أشكلَ عليهِ تفسيرُ بعضِ الآياتِ مثلَ قولِه تعالى: (وَلَقَد أَرسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ * فَلَولا إِذ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ) فتصوّرُ السائلِ أنَّ عدمَ التضرّعِ هوَ العلّةُ لنزولِ البلاء، والذي يقودُ إلى مثلِ هذا التوهّمِ هوَ التفسيرُ الخاطئُ لقولِه: (فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) وقولِه: (فَلَولا إِذ جَاءَهُم بَأسُنَا)، حيثُ تصوّرَ السائلُ أنَّ الأخذَ أو المجيءَ بالبأساءِ يكونُ على نحوٍ خارجٍ عن إرادةِ الإنسانِ وفعلهِ، أي أنَّ اللهَ يُنزلُ عليهم البأساءَ مِن غيرِ أن يكونَ لهُم يدٌ فيها، وهذا الفهمُ مُخالفٌ لسُننِ اللهِ في خلقِه، فكلُّ ما يصيبُ الإنسانَ مِن شرورٍ فمِن نفسِه قالَ تعالى: (مَّا أَصَابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفسِكَ)، وقالَ تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ)، وقد تمَّ بيانُ هذا الأمرِ وتوضيحُه في كثيرٍ منَ الكتبِ العقائديّة، وعليهِ فإنَّ الإنسانَ هوَ مسؤولٌ عن البأساءِ التي تصيبُه، ولا يمكنُ توجيهُ اللومِ للهِ سُبحانَه وتعالى حتّى لو تركَهم على ذلكَ الحال، إلّا أنَّ اللهَ برحمتِه فتحَ لهم بابَ الدّعاءِ والتضرّعِ ليكشفَ ما وقعَ عليهم مِن بأساء، ولذا قالَ: (فَلَولا إِذ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَت قُلُوبُهُم)، وبذلكَ يكونُ الدّعاءُ والتضرّعُ هوَ الطريق لكشفِ ما يصيبُ الإنسانَ مِن مخاطرَ وأضرار، وقد قدّمَ القرآنُ صورةً عمليّةً لذلكَ في قولِه تعالى: (قُل مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحرِ تَدعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفيَةً لَّئِن أَنجَانَا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنهَا وَمِن كُلِّ كَربٍ ثُمَّ أَنتُم تُشرِكُونَ)، وقولِه: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحرِ ضَلَّ مَن تَدعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُم إِلَى البَرِّ أَعرَضتُم وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُورً)

وفي المُحصّلةِ إنَّ اللهَ لا يضرُّ عبادَهُ وإنّما العبادُ بمعاصيهم هُم مَن يجلبونَ الضّررَ إلى أنفسِهم، ومعَ ذلكَ فإنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى فتحَ اللهُ لهم بابَ الدّعاءِ والتضرّعِ ليكشفَ ما وقعَ بهم مِن ضرر.