لماذا نبكي على الحسين ؟

السلام عليكم لدي سؤال جاء في نفسِ قبل مده وهو حديث الحسين عليه السلام ( ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني ) السؤال هو اذا كان الدين قد استقام بقتل الامام الحسين فلماذا نبكي عليه بل يجب ان نعتبر هذه الحادثه فضل للحسين كونه قد استقامَ دين محمد وال بيته

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ: 

یشتملُ السؤالُ على ثلاثة أمورٍ أوّلُها نسبةُ هذهِ المقولةِ للإمامِ الحُسين (عليهِ السلام)، وثانيها معنى هذهِ المقولة، وثالثُها إذا كانَ الدينُ قد استقامَ بقتلِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) فلِماذا نبكي عليه؟ 

أوّلاً: تُنسَبُ هذهِ المقولةُ للإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) بلسانِ الحال وليسَ على نحوِ الحقيقةِ والواقع، أي أنّها لم تثبُت بوثيقةٍ تاريخيّةٍ أنَّ الحُسينَ (عليهِ السلام) هوَ قائلُها، فأصلُ هذهِ المقولةِ يعودُ إلى قصيدةٍ نظمَها الشيخُ والخطيبُ الحُسينيُّ مُحسِن أبو الحَبّ مِن مواليدِ كربلاء سنةَ 1225هـ والمُتوفّى سنةَ 1305 هـ، وهوَ مِن شُعراءِ المِنبرِ الحُسيني الذي أثرى المنبرَ بقصائدِه المُتميّزة، والأبياتُ التي جاءَت قبلَ هذا البيتِ وبعدَه كالتالي:

لاقى الحُسينُ بكَ المنونَ وإنّني.. لاقيتُ فيكَ عَن الحُسينِ منوني

يا بيضةَ الإسلامِ أنتِ حريّةٌ.. بعدَ الحُسينِ بصفقةِ المَغبون

أعطى الذي ملكَت يداهُ إلَهَهُ.. حتّى الجنينَ فِداهُ كلُّ جنين

في يومٍ ألقى للمهالكِ نفسَهُ.. كي ما تكونَ وقايةً للدّين

وبيومٍ قالَ لنفسِه مِن بعدما.. أدّى بها حقَّ المعالي بيني

أعطيتُ ربّي موثقاً لا ينقضي.. إلّا بقتلي فاصعَدي وذَريني

إن كانَ دينُ مُحمّدٍ لم يستقِم.. إلّا بقتلي يا سيوفُ خُذيني

هذا دمَي فلتروِ صاديةَ الظّبى.. مِنهُ وهذا للرّماحِ وتيني

خُذها إليكَ هديةً ترضى بها.. يا ربِّ أنتَ وليُّها مِن دوني

ثانياً: ممّا لا شكَّ فيه أنَّ هذهِ الكلماتَ تُمثّلُ تعبيراً صادِقاً وحقيقيّاً عن فلسفةِ الثورةِ الحُسينيّة، فلولا تضحيةُ الحُسين (عليهِ السلام) بدمائِه الزكيّةِ لأصبحَ الإسلامُ مطيّةً في يدِ الطواغيتِ والظّلمة، وقد بلغَ انحرافُ الأمّةِ قمّتَهُ بسيطرةِ الحزبِ الأمويّ على مقاليدِ الأمورِ السياسيّة، حيثُ سعى هذا الحزبُ وبكُلِّ جُهدِه على إضعافِ الانتماءِ الديني مِن خلالِ تكريسِ الثقافةِ الجاهليّةِ القائمةِ على العُنصريّةِ والقَبليّة، فتحالفَ تيّارٌ عريضٌ منَ الأرستقراطيّةِ والنفعيّةِ بقيادةِ معاويةَ بنِ أبي سفيان ومِن ثمَّ بدأوا مِن دمشقَ العملَ على تأصيلِ ثقافةٍ جديدةٍ تختلفُ شَكلاً ومضموناً عمّا أرادَ الإسلامُ تثبيتَه، فالقياداتُ الأمويّةُ كانَت تحملُ أولويّاتٍ بعيدةً كلَّ البُعدِ عن الدينِ والرّسالة، وقد باتَ هذا التوجّهُ ظاهِراً ومكشوفاً في خلافةِ يزيد بنِ معاوية، وفي هذه الأجواءِ المُعاديةِ للإسلام جاءَت ثورةُ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) لتضعَ حدّاً فاصِلاً بينَ الإسلامِ في صورتِه المُزيّفةِ التي سُخّرَ فيها الدينُ مِن أجلِ الأنا والمصلحةِ الذاتيّة، وبينَ الإسلامِ الحقيقيّ الذي سَخّرَ الإنسانُ فيهِ كلَّ ما يملكُ مِن أجلِ اللهِ عزَّ وجل، فالثورةُ ضدَّ الظالمِ الذي ينتهِكُ الحُرمات ويعبثُ في دينِ الله هوَ المبدأ الذي تبلورَ بثورةِ الحُسينِ عليهِ السلام، الذي قال: (أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ: مَن رأى مِنكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلّاً لحُرمِ اللهِ ناكِثاً لعهدِ الله مُخالِفاً لسُنّةِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يعملُ في عبادِ الله بالإثمِ والعُدوان فلَم يُغيّر عليهِ بفعلٍ ولا قول كانَ حقّاً على اللهِ أن يُدخِلَه مدخلَه. ألا وإنَّ هؤلاءِ قد لزِموا طاعةَ الشيطانِ وتركوا طاعةَ الرّحمن وأظهروا الفسادَ وعَطّلوا الحدودَ واستأثروا بالفيءِ وأحلّوا حرامَ الله وحرّموا حلالَه وأنا أحقُّ مِن غَيّري)، وبذلكَ أصبحَت عاشوراءُ بكلِّ تفاصيلِها الداميةِ صوراً حيّةً لكلِّ القيمِ التي جاءَ مِن أجلِها الإسلامُ، ولا نريدُ هُنا استعراضَ تلكَ الصورِ المُعبّرةِ عن حقيقةِ الدينِ والتي أصبحَت واضحةً للعيان مِن خلالِ كربلاء، وإنّما نُؤكّدُ على أنَّ الإسلامَ الذي وُلدَ مِن رحمِ السّلطةِ حاولَ أن يُسخّرَ كلَّ الدينِ مِن أجلِ الحاكِم، فكانَت عاشوراء إعادةً للدّينِ إلى مسارِه الطبيعي، وهوَ تسخيرُ كلِّ شيءٍ وجعلهُ يدورُ حولَ اللهِ عزَّ وجل، ولولا تلكَ المُفارقةِ بينَ التوجّهينِ التي أحدثَها الحُسين عليهِ السلام بدمِه في كربلاء لم يبقَ للدّينِ حقيقةٌ، وبذلكَ أصبحَت عاشوراءُ الحُسين عليهِ السلام رمزاً للإسلامِ المُحمّدي الأصيل، يقفُ عندَها المؤمنونَ كلَّ عامٍ ليُعيدوا انتماءَهم للهِ عزَّ وجل عبرَ الحُسين عليهِ السلام.

ثالثاً: اتّضحَ منَ النّقطةِ السابقة أنَّ عاشوراء ليسَت مُجرّدَ ذِكرى لمأساةِ الحُسين عليهِ السلام، وإنّما هيَ أيضاً محاولةٌ لإعادةِ قراءةِ الواقع وتقييمِه بتلكَ المبادئِ التي أرسَتها كربلاء، وبالتالي تُصبِحُ عاشوراء رؤيةً مُتجدّدةً تنطلِقُ منَ التاريخِ لتعيشَ الواقعَ الرّاهنَ بكلِّ تعقيداتِه، صحيحٌ أنَّ الدينَ قد استقامَ بقتلِ الحُسين إلّا أنَّ تلكَ الاستقامةَ ليسَت حالةً مثاليّةً موجودةً في الفراغ وإنّما تنعكسُ في واقعِ المُسلمينَ في كلِّ زمانٍ ومكان، فالانتماءُ للحُسين عليهِ السلام هوَ مِن خلالِ التمسّكِ بتلكَ المبادئِ التي استشهدَ مِن أجلِها، فللحُسينِ في عاشوراء قضيّتان؛ قضيّةُ الجسدِ المُقطّعِ وقضيّةُ الحقِّ المُضيّع، وبذلكَ يُصبِحُ الاحتفاءُ بما صنعَهُ الحسينُ مِن أجلِ الدينِ يترافقُ دائِماً وأبداً معَ الحُزنِ والبُكاءِ عليه، فكونُ الدينِ أصبحَ باقياً بالحُسين لا يُنسينا الدماءَ التي قدّمَها الحُسينُ مِن أجلِ ذلكَ الدين، بل الحزنُ على الحُسين هوَ الذي يُبقينا دوماً وأبداً على ذلكَ الدين الذي استقامَ بقتلِه.