ما الفرقُ بينَ النّاضرةِ والنّاظرة في القران الكريم ؟
ما الفرقُ بينَ النّاضرةِ والنّاظرة في قولِه تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامةُ: 22 - 23].
الجوابُ: السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،
إنَّ الفرقَ بينَ الكَلمتينِ يتّضحُ مِمّا يلي:
أمّا كلمةُ (ناضِرة) التي تُكتَبُ بالضّادِ أختِ الصّاد، فمعناها الحُسنُ والرّونق، وفي هذهِ الآيةِ يُشيرُ معناها إلى حُسنِ الوجهِ وإشراقِه وتهلّلِه وفرحِه، في مُقابلِ قولِه تعالى: {وَوُجُوهٌ يَومَئِذٍ بَاسِرَةٌ} [القيامة: 24]. التي تكونُ فيها الوجوهُ شديدةَ العُبوس.
وأمّا كلمةُ (ناظِرة) التي تُكتَبُ بالظاءِ أختِ الطّاء، فيشيرُ معناها إلى نظرِ العينِ أو الانتظار، أي هيَ ناظرةٌ إلى نعيمِ الجنّةِ حالاً بعدَ حال، فيزدادُ بذلكَ سرورُها، أو ناظرةٌ مُتشوّقةٌ إلى ثوابِ ربِّها. [يُنظر: كتابُ مُفرداتِ ألفاظِ القرآنِ للرّاغبِ الأصفهانيّ، وكتابُ مُختارِ الصّحاح، في مادّةِ (نضرَ)، و(ناظرة)، وتفسيرُ كنزِ الدقائقِ للمشهديّ عندَ تفسيرِ هذهِ الآية].
هذا وقد وردَت عدّةُ رواياتٍ عَن أهلِ بيتِ العِصمة في هذا المقامِ تُؤيّدُ ذلكَ، وفي بعضِها البشارةُ لشيعةِ أهلِ البيت (ع)، نذكرُ مِنها ما يلي:
ففي كتابِ عيونِ أخبارِ الرّضا (ع) للصّدوقِ (ره) في (ج1/ص93 )، في بابِ ما جاءَ عن الرّضا - عليهِ السّلام - منَ الأخبارِ في التّوحيد ، بإسنادِه إلى إبراهيمَ بنِ أبي محمود قالَ : قالَ عليٌّ بنُ موسى الرّضا – عليهِ السّلام - في قولِه - تعالى - : «وُجُوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ » : يعني : مُشرقةً تنتظرُ ثوابَ ربِّها .
وفي كتابِ التّوحيدِ للصّدوقِ أيضاً (262)، في حديثٍ طويل : عن عليٍّ - عليهِ السّلام - يقولُ فيه ، وقد سألَهُ رجلٌ عمّا اشتبهَ عليهِ منَ الآيات : فأمّا قولهُ : « وُجُوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ » فإنَّ ذلكَ في موضعٍ ينتهي فيهِ أولياءُ اللَّه ، بعدَما يفرغُ منَ الحساب ، إلى نهرٍ يُسمّى : الحيوان ، فيغتسلونَ فيه ويشربونَ منه ، فتنضرُ وجوهُهم إشراقاً فيذهبُ عَنهم كلُّ قذىً ووعث ، ثمَّ يُؤمرونَ بدخولِ الجنّة . فمِن هذا المقامِ ينظرونَ إلى ربّهم كيفَ يُثيبُهم ومِنهُ يدخلونَ الجنّة ، فذلكَ قولهُ - عزَّ وجلّ - في تسليمِ الملائكةِ عليهم : سَلامٌ عَلَيكُم طِبتُم فَادخُلُوها خالِدِينَ . فعندَ ذلكَ أيقنوا بدخولِ الجنّةِ والنّظرِ إلى ما وعدَهم ربُّهم، فذلكَ قولهُ : « إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ » . وإنّما يعني بالنّظرِ إليه النظرَ إلى ثوابِه - تباركَ وتعالى - .
وفي كتابِ الاحتجاجِ (243) للطَّبرسي - رحمَه اللَّه – مثلُ الحديثِ أعلاه، إلّا أنَّ فيه بعدَ قولِه : «ناظرة » : و « النّاظرةُ » في بعضِ اللَّغةِ هيَ المُنتظِرة. ألم تسمَع إلى قولِه: فَناظِرَةٌ بِمَ يَرجِعُ المُرسَلُونَ ، أي : مُنتظرةٌ بمَ يرجِعُ المُرسلون .
وفي شرحِ الآياتِ الباهرة (2 / 739 ) : محمّدٌ بنُ العبّاسِ - رحمَه اللَّه - عن أحمدَ بنِ هوذة ، عن إبراهيمَ بنِ إسحاق ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ حمّاد ، عن هاشمٍ الصّيداويّ قالَ: قالَ لي أبو عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - : يا هاشمُ ، حدّثني أبي وهوَ خيرٌ مِنّي عن جدّي، عن رسولِ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - أنّه قالَ : ما مِن رجلٍ مِن فُقراءِ شيعتِنا إلَّا وليسَ عليهِ تَبِعَةٌ . قلتُ : جُعلتُ فِداك ، وما التبعةُ؟ قالَ : منَ الإحدى والخمسينَ ركعةً، ومِن صومِ ثلاثةِ أيّامٍ منَ الشّهر ، فإذا كانَ يومُ القيامةِ خرجوا مِن قبورِهم ووجوهُهم مثلَ القمرِ ليلةَ البَدر ، فيُقالُ للرّجلِ مِنهم : سَل تُعطَ . فيقولُ : أسألُ ربّي النّظرَ إلى وجهِ مُحمّد - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - . قالَ : فيأذنُ اللَّهُ لأهلِ الجنّةِ أن يزوروا مُحمّداً - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - .
قالَ : فينصبُ لرسولِ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - منبراً مِن نورٍ على درنوكٍ مِن درانيكِ الجنّة ، لهُ ألفُ مرقاة ، بينَ المرقاةِ إلى المِرقاةِ ركضةُ الفرس ، فيصعدُ مُحمّدٌ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - وأميرُ المؤمنينَ - عليهِ السّلام - . قالَ: فيحفُّ ذلكَ المنبرَ شيعةُ آلِ مُحمّد - عليهم السّلام - . فينظرُ اللَّهُ إليهم ، وهوَ قولهُ - تعالى - : « وُجُوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ » . قالَ : فيُلقى عليهم منَ النّورِ حتّى أنَّ أحدَهم إذا رجعَ لم تقدِر الحوراءُ تملأ بصرَها منه . ثمَّ قالَ أبو عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - : يا هاشمُ ، لمثلِ هذا فليعمَل العامِلون. ودُمتُم سالِمين.
اترك تعليق