خلقنا الله بإمكانيات محدودة لا نستطيع رؤيته فلماذا لم يخلقنا بهيئة نستطيع النظر إليه والتحدث إليه ؟

بيّنّا في إجابةٍ سابقةٍ على سؤالٍ مُشابهٍ بأنَّ القُدرةَ على الخلقِ تتعلّقُ بالمُمكناتِ ولا علاقةَ لها بالمُستحيلات، فالذي يخرجُ مِن طورِ العدمِ إلى طورِ الوجود هوَ الشيءُ القابلُ للوجود في نفسِه، أمّا مَن كانَ في نفسِه غيرَ قابلٍ للوجودِ فإنّهُ يظلُّ في طورِ العدم ولا يشمُّ رائحةَ الوجود، فعندَما نقولُ أنَّ اللهَ قادرٌ على كلِّ شيء إنّما نقصدُ أنّه قادرٌ على كلِّ المُمكنات، فكلُّ ما هوَ ممكنٌ في نفسِه فهوَ محكومٌ بقُدرتِه تعالى، أمّا المستحيلُ لذاتِه فهوَ ليسَ بشيءٍ حتّى تتعلّقَ به القدرة، وبذلكَ نكتشفُ حجمَ المُغالطةِ في بعضِ الأسئلةِ التي تريدُ أن تختبرَ قُدرةَ اللهِ بخلقِ المُستحيلات، فبدلَ أن ينسبوا العجزَ للشيءِ المُستحيلِ ينسبونهُ للقُدرة، فمثلاً لا يقالُ في حقِّ اللهِ تعالى هل هوَ قادرٌ على أن يخلقَ ذاتَهُ أو يخلقَ إلهاً مثلَه، والاستحالةُ في ذلكَ أنَّ الخلقَ هوَ إيجادُ الشيءِ منَ العدم، واللهُ تعالى لم يكُن مسبوقاً بالعدم حتّى يحتاجَ إلى مَن يخلقُه، وعليه فإنَّ السّؤالَ قائمٌ على التناقضِ والمُحال؛ لأنّه يفرضُ وجودَ الله ويفترضُ عدمَهُ في نفسِ الوقت، والحالُ نفسُه في ما يتعلّقُ بقُدرتِه على خلقِ إلهٍ مثلِه، فحتّى يكونَ الإلهُ مثلَه لابدَّ أن يكونَ غيرَ مخلوق، فكيفَ يكونُ إلهاً ومخلوقاً في نفسِ الوقت؟

وقد وُجّهَ مثلُ هذا السّؤالِ إلى الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) فقيلَ له: هل يقدرُ ربُّكَ أن يُدخلَ الدّنيا في بيضة، مِن غيرِ أن تصغرَ الدّنيا أو تكبرَ البيضة؟ قالَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجل لا يُنسبُ إلى العجز، والذي سألتني لا يكون)

ومِن خلالِ ذلك تتّضحُ الإجابةُ على السّؤالِ الذي يقول: هل اللهُ تعالى قادرٌ على خلقِ إنسانٍ يكونُ قادراً على رؤيةِ ربّه؟ والإجابةُ هُنا هي ذاتُها إجابةُ أميرِ المؤمنين عندَما قالَ: "إنَّ اللهَ عزَّ وجل لا يُنسَبُ إلى العجز، والذي سألتَني لا يكون"؛ وذلكَ لأنَّ تحقّقَ رؤيةِ المخلوقِ لربّهِ منَ الأمورِ المُستحيلةِ في ذاتِها، فمَهما كانَت الإمكاناتُ والهيئةُ التي يفترضُها السائلُ فإن المُحصّلةَ هيَ تحقّقُ الرؤيةِ والنظرِ للخالق، وبالتالي لا يكونُ النقاشُ في طبيعةِ هذه الإمكاناتِ وإنّما يكونُ النقاشُ في طبيعةِ الرؤيةِ التي يفترضُها السائل، والواضحُ أنَّ السائلَ يقصدُ الرؤيةَ التي يكونُ معها الإدراكُ والإحاطة، وهذا مستحيلٌ بذاتِه في حقِّ اللهِ تعالى لأنّهُ سيكونُ خالقاً ومخلوقاً في نفسِ الوقت، فهوَ خالقٌ مِن جهةِ كونِه إلهاً ومخلوقٌ مِن جهةِ كونِه مُحاطاً به ومحدوداً، وكلُّ مُحاطٍ به ومحدودٍ مخلوقٌ بالضّرورة، وعليهِ فإنَّ العجزَ عن رؤيةِ اللهِ ليسَ مِن بابِ ضعفِ الهيئةِ والإمكاناتِ وإنّما مِن بابِ استحالةِ ذلكَ في حقِّ اللهِ تعالى.

أمّا إذا كانَ يقصدُ رؤيةً أخرى غيرَ النظرِ بالعين كرؤيةِ القلوب فإنَّ ذلكَ مُتحقّقٌ للإنسان مِن غيرِ تغيّرٍ في هيئتِه، ففي الحديثِ عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: جاءَ حبرٌ إلى أميرِ المؤمنينَ صلواتُ اللهِ عليه فقال: يا أميرَ المؤمنين هل رأيتَ ربَّك حينَ عبدتَه؟ قالَ: فقال: ويلَك ما كنتُ أعبدُ ربّاً لم أره، قالَ: وكيفَ رأيتًه؟ قالَ: ويلَك لا تدركُه العيونُ بمُشاهدةِ الأبصار ولكن رأتهُ القلوبُ بحقائقِ الإيمان.