لماذا نقول "قل" في سورة الإخلاص؟

"""السلام عليكم ورحمه الله وبركاته من فضلكم الله سبحانه وتعالى خاطب نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بسم الله الرحمن الرحيم قل الله احد. الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد صدق الله العلي العظيم لماذا نقل قل يكفي نقول بسم الله الرحمن الرحيم الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"""

الجوابُ:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين

وصلّى اللهُ على مُحمّدٍ وآله الطيّبينَ الطَّاهرين

وعليكم السَّلام ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

نحنُ مأمورونَ بقراءةِ القرآنِ الكريم كما أُنزلَ, لا نزيدُ حرفاً فيه, ولا نُنقِصُ حرفاً منه, ونقرؤه كما قرأهُ النبيُّ – صلّى اللهُ عليهِ وآله – وكما نقلَتهُ الأجيالُ مُتواتِراً جيلاً عن جيل، ويداً عَن يد.

وفعلُ الأمرِ "قُل" وردَ في القرآن 294 مرّةً, فإذا اجتهدَ كلُّ شخصٍ في حذفِ كلمةٍ منَ القرآنِ الكريم هُنا بحُجَّةٍ ما, وأخرى هناك لعُذرٍ ما، فمعنى ذلكَ أنَّه سيتطرَّقُ التحريفُ إلى الكتابِ العزيزِ بالنقيصة.

على أنَّ في تكرارِ هذا الفعل "قُل" نُكتةً اعتقاديَّةً ينبغي الالتفاتُ إليها, وبيانُها كما يأتي:

جاءَ رسولُ الإسلام – صلّى اللهُ عليهِ وآله – داعياً إلى الإيمانِ باللهِ تعالى ونابذاً لعبادةِ الأصنام فكذَّبَهُ مُشرِكو مكَّةَ وكُفّارُ قريش: (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَد كَذَّبَت قَبلَهُم قَومُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ) وقالوا عنهُ ساحرٌ كذَّاب: (وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُنذِرٌ مِنهُم وَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)، وكانَ دفعُ هذه التّهمةِ عن ساحةِ قُدسِ النبيّ الأعظم – صلّى اللهُ عليهِ وآله – بعدَّةِ طُرق, مِنها هذهِ الطريقة, وهيَ أن يقولَ تعالى "قُل" ويُكرّرَها غيرُ مرّةٍ للتنبيهِ على أنَّ هذا الكلامَ " مقولُ القول" ليسَ منَ النبيّ – صلّى اللهُ عليهِ وآله – بل هوَ منَ اللهِ تعالى حصراً, وهوَ وسيطٌ صادقٌ في تبليغِ النَّاسِ هذه الرّسالة, وليسَ مُدَّعِياً ولا كاذباً.

ويأتي فعلُ الأمر "قُل" إمّا لتلقينِ الحُجَّة: (وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعدُودَةً قُل أَتَّخَذتُم عِندَ اللَّهِ عَهدًا فَلَن يُخلِفَ اللَّهُ عَهدَهُ أَم تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ), كما في الكثيرِ مِن احتجاجاتِه – صلّى اللهُ عليهِ وآله – على اليهود.

وإمّا لبيانِ الحُكمِ الشرعي كما في قولِه تعالى: (يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُل هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجّ), ويأتي قبلَها كلمةُ "يسألونَك" فقد سألوا عَن الإنفاق, وعن القتالِ في الشهرِ الحرام, وعن الخمرِ والمَيسرِ, وعن اليتامى, وعن المَحيض..

(يَسأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُل مَا أَنفَقتُم مِن خَيرٍ فَلِلوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفعَلُوا مِن خَيرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )

(يَسأَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُل قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)

(يَسأَلُونَكَ عَنِ الخَمرِ وَالمَيسِرِ قُل فِيهِمَا إِثمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)

( وَيَسأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُل إِصلَاحٌ لَهُم خَيرٌ)

(وَيَسأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ أَذًى فَاعتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ)

أو لبيانِ بعضِ الحقائقِ الدنيويّةِ والمعنوية: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغلَبُونَ وَتُحشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئسَ المِهَادُ).

وأحياناً يكونُ الجوابُ بعدمِ العِلم (وَيَسأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلَّا قَلِيلًا)

(يَسأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرسَاهَا قُل إِنَّمَا عِلمُهَا عِندَ رَبِّي)

وزُبدةُ المَخض، وخلاصةُ القول أنَّ مجيءَ فعلِ الأمر "قُل" وإن اختلفَت مواردُه الجُزئيَّةُ في سببِ ذكرِه, ولكن يَشدُّ وثاقها جميعاً إلى آصرةٍ واحدةٍ دفعُ تُهمةِ الكذبِ عنه – صلّى اللهُ عليهِ وآله - وإنَّ ما جاءَ به – صلّى اللهُ عليهِ وآله – منَ اللهِ تعالى لا مِنه, وهوَ – صلّى اللهُ عليهِ وآله – وسيطٌ مأمونٌ منَ الكذب, وما هوَ على الغيبِ بضَنين.