اسأل عن حدود ارض الغري في النجف الاشرف

الجوابُ:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين

وصلّى اللهُ على مُحمّدٍ وآله الطيّبينَ الطاهرين

لم يتّضِح مفهومُ السؤالِ جيّداً؛ ذلكَ أنَّ الغريَّ هوَ النَّجفُ الأشرف غايتُهُ أنَّ الإطلاقَ يُلحَظُ فيهِ المُناسبة، مثالُ ذلكَ أنَّ الجوادَ يُطلَقُ عليهِ الحصانُ إذا تحصَّنَ به الفارسُ مُدافعاً منَ العدو، ويُطلَقُ عليهِ الفرسُ إذا أرادَ افتراسَ العدوِّ مُهاجماً، فهوَ حيوانٌ واحدٌ أطلِقَ عليهِ لفظانِ مُختلفان لاختلافِ مصبِّ النَّظر.

والنَّجفُ هوَ الغريّ، والغريُّ هوَ النَّجف، قالَ الشيخُ جعفر محبوبة – رحمَه الله – تحتَ عنوان "أسماءُ النَّجف" : (وردَت لبقعةِ النَّجفِ عدَّةُ أسماءَ مِنها ما كانَ واقِعاً في أخبارِ أهلِ البيت – عليهم السَّلام – خاصَّةً وهيَ: الطورُ، والظهرُ، والجوديُّ، والرّبوةُ، ووادي السَّلام، وبانيقيا، واللّسان. ومِنها ما كانَ بلسانِ الأئمَّةِ – عليهم السَّلام – وغيرِهم وهيَ أكثرُ استعمالاً كالنَّجفِ والغَري..)

ماضي النَّجفِ وحاضرُها 1/8-9

ومنَ النَّاحيةِ اللُّغويَّة: النَّجفُ هوَ المكانُ أو التلُّ الذي لا يعلوهُ الماء، وفي مجمعِ البحرين للشيخِ الطريحيّ – رحمَه الله – مادّةُ "نجف" : (النَّجَفُ: بفَتحتين، كالمُسنَّاةِ بظاهرِ الكوفة، يمنعُ ماءُ السيلِ أن يبلغَ منازلَها ومقابرَها...)

وقالَ في لسانِ العرب مادَّة "غرا" : (وكلُّ بناءٍ حَسَنٍ غَرِيُّ، والغَرِيَّانِ المَشهورانِ بالكوفةِ مِنه؛ حكاها سيبويه؛ أَنشدَ ثعلبٌ:

لو كانَ شيءٌ لَهُ أَن لا يَبِيدَ على

طُولِ الزَّمانِ، لَمَا بادَ الغَرِيَّانِ

قالَ ابنُ بري: وأَنشد ثعلبٌ:

لو كانَ شيءٌ أَبَى أَن لا يَبِيدَ على

طُولِ الزَّمانِ، لَمَ بادَ الغَرِيَّانِ

قالَ: وهُما بناءَانِ طويلان، يقالُ هُما قَبرُ مالكٍ وعَقِيلٍ نَديمَي

جَذيمَةَ الأَبرش).

فأنتَ إذا لحظتَ حُسنَ البناءِ في الإطلاقِ فهوَ الغريُّ، ويكونُ مِن بابِ إطلاقِ الجُزءِ "الغري" وإرادةِ الكُلِّ "النَّجف" كما في قولِه تعالى (فَتَحرِيرُ رَقَبَةٍ) فأطلقَ الجُزءُ "الرَّقبة" وأرادَ الكلَّ "الإنسان" وإن لحظتَ منعَه الماءَ كونَه تلَّاً فهوَ النَّجف؛ لأنَّه كالمُسنَّاة، والمُسنَّاةُ ما يُبنى في وجهِ السيلِ، فشبَّهوا التلَّ بها.

ومنَ الناحيةِ التاريخيَّةِ ففي الرواياتِ – كما في عِللِ الشرائع - باب 26 - العلّةُ التي مِن أجلِها سُمّيَ النجفُ نجفاً بسندِه عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: إنَّ النجفَ كانَ جبلاً وهوَ الذي قالَ ابنُ نوح: (سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ) ولم يكُن على وجهِ الأرضِ جبلٌ أعظمُ مِنه، فأوحى اللهُ عزَّ وجلَ إليه يا جبل أيعتصمُ بكَ مِنّي فتقطّعَ قطعاً قطعاً إلى بلادِ الشام، وصارَ رملاً دقيقاً، وصارَ بعدَ ذلكَ بحراً عظيماً وكانَ يُسمّى ذلكَ البحرُ بحرَ (ني) ثمَّ (جف) بعدَ ذلكَ فقيلَ ني جف، فسُمّيَ بنجف، ثمَّ صارَ الناسُ بعدَ ذلكَ يُسمّونَه نجف لأنّهُ كانَ أخفَّ على ألسنتِهم).

وقصّةُ الغريينِ – تاريخيَّاً - تتعلَّقُ بالمُنذرِ ابنِ امرئ القيس بنِ ماءِ السَّماء ودفنِه نديميهِ حيّينِ كما هوَ مذكورٌ في كُتبِ التاريخ.