هل ترثُ الزوجةَ مِن زوجها أرضاً أو عقاراً عند الشيعة؟

القرآنُ ينصُّ على أنَّ الزوجةَ ترثُ مِن زوجها لكنَّ الشيعةَ لا يورثونَها الأرض، وهوَ مخالفٌ للقرآن حيثُ آياتُ التوريثِ جاءَت مُطلقةً ولم تُخصِّص أرضاً أو عقاراً.

: السيد علي المشعشعي

الجواب:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم.

نجيبُ عن هذا السّؤال مِن شقّين:

الشقّ الأوّل: أجمعَ المسلمونَ قاطبةً أنّ السنّة النبويّةَ الثابتةَ بالقطع (التواتر أو الآحادِ المحفوفِ بالقرائن) لها صلاحيةُ تخصيصِ القرآنِ الكريم، وتقييدهِ، فمن الوضوحِ بمكان أنّ القطعيّ يخصّصُ القطعي.

وذهبَ جمهورُ المسلمينَ إلى جواز تخصيصِ القرآنِ بخبر الآحاد، فالخبرُ مادامَ أنّهُ معتبرٌ واجتمعت فيه شرائط الحُجيّة، فلا مانع من أن يخصّصَ ويقيّدَ ويشرحَ ويبيّن. فأغلبُ السنّة النبويّةِ وصلتنا عن طريق أخبار الآحاد المجرّدة.

بل إنّ السّيرة قائمةٌ بين مشرّعي القانون، أنهم في كتابةِ الدستور يذكرونَ أحكاماً وقوانينَ عامّةً، ثم يخصّصونها ويقيّدونها ويوضّحونها بتشريعاتٍ برلمانية، وبعد التصويت عليها، تنشرُ في الجرائد، لغرضِ إطلاع الناس عليها.

ومنَ الأمثلةِ الواردةِ في القرآنِ لألفاظٍ مُطلقة، قيّدَتها السُّنَّة –على سبيلِ المثال-:

قولهُ تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقطَعُوا أَيدِيَهُمَا} (المائدة:38)، فـ (اليدُ) في الآيةِ مطلقةٌ غيرُ مُقيّدة، بكونِها اليمينَ أو الشمال، فجاءَت السنّةُ النبويّة وقيّدت لفظَ (اليد) المُطلق، بكونِ اليدِ المقطوعة هيَ اليدُ اليُمنى، وبيانُ أنَّ القطعَ منَ أيّ مكان.

وقولهُ تعالى: {مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَو دَينٍ} (النساء:11) فلفظُ الوصيّةِ الواردِ في الآيةِ مطلقٌ غيرُ مُقيّدٍ بمقدارٍ مُعيّن، فبيّنَت السنّةُ النبويّة أنَّ مقدارَ الوصيّةِ هوَ الثلثُ أو أقل، فلا يجوزُ إخراجُ الوصيّةِ بأكثر مِن ثلثِ المال الذي تركَه الميّت، والحديثُ الذي قيّدَ مُطلقَ الوصيّةِ هو قولُ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم لسعدٍ بنِ أبي وقّاص عندَما حضرَته الوفاةُ وسألهُ عن الوصيّة: (الثلثُ، والثلثُ كثير) رواهُ البُخاري.

وقولهُ تعالى: { يوصيكمُ اللهُ في أولادكم للذّكرِ مثلُ حظّ الأنثيين } فالولدُ طبق عموم هذه الآية سواء كان مسلماً أو كافراً، قاتلاً عن عمدٍ أو غير قاتل، فهو يرثُ من أبيه. ولكن السّنّةَ النبويّةَ بيّنت أنّ الولدَ الكافرَ لا يرثُ من أبيهِ المسلم، والقاتلُ لا يرثُ من أبيهِ أيضاً.

وغيرها من الآياتِ، فالقرآنُ مليء بالآياتِ التي قيّدتها أو خصّصتها أو بيّنتها ووضّحتها السنّة النبويّة.

ولا إشكالَ شرعيٌّ ولا قانونيٌّ من هذه الجهة.

الشقّ الثاني: تقييدُ مُطلقِ القرآن بالسنّة أثبتَه القرآنُ الكريم نفسُه كما في قولِه: (وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم) (النحل: منَ الآية44) فالنبيُّ وأوصياؤهُ وظيفتُهم بيانُ الأحكامِ وتقييدُ مُطلقِها ومِن هذهِ الأحكام مسألةُ إرثِ الزوجة ولمّا كانَت آياتُ إرثِ الزوجة عامّةً كما في قولِه تعالى: (وَلَكُم نِصفُ مَا تَرَكَ أَزوَاجُكُم إِن لَم يَكُن لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكنَ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَو دَينٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُم إِن لَم يَكُن لَكُم وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُم وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكتُمْ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَو دَينٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَو أُختٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُم شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَو دَينٍ غَيرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (النساء:12).

حيث وردَ عن أئمّةِ أهلِ البيت -عليهم السلام- تخصيصُ هذا الحُكم بأنَّ الزوجةَ لا ترثُ مِن رباعِ الأرضِ شيئاً لكنّها تُعطى قيمةَ البناءِ والطوبِ والخشب، وقول أهل البيت (ع) حجة، لأنهم عدل القرآن، كما في حديث الثقلين: (تارك فيكم كتاب الله وعترتي) وغيرها من الأحاديث.

ومنَ الرواياتِ المُستفيضةِ الواردةِ عن أهلِ البيت - على سبيلِ المثال -:

مِنها: صحيحُ الفضلاءِ عن الإمامينِ الباقرِ والصادق –عليهما السلام- "إنَّ المرأةَ لا ترثُ مِن تركةِ زوجِها مِن تربةِ دارٍ أو أرضٍ إلّا أنْ يُقوَّمَ الطوبُ والخشبُ قيمةً فتُعطى ربعَها أو ثُمنها (1).

ومِنها: خبرُ موسى بنِ بكر الواسطي: قلتُ لزرارةَ إنَّ بكيرًا حدَّثني عن أبي جعفرٍ –عليهِ السلام- "أنَّ النساءَ لا ترثُ امرأةٌ ممّا تركَ زوجها مِن تربةِ دارٍ ولا أرضٍ إلّا أن يُقوَّمَ البناءُ والجذوعُ والخشبُ فتُعطى نصيبَها مِن قيمةِ البناء، فأمَّا التربةُ فلا تُعطى شيئًا منَ الأرضِ ولا تربةِ دار، قالَ زُرارة: هذا لا شكَّ فيه"(2).

ومنها: ما رواهُ في بصائرِ الدرجات بسندِه عن عبدِ الملك قال: دعا أبو جعفرٍ –عليهِ السلام- بكتابِ عليّ –عليهِ السلام- فجاءَ به جعفرٌ مثلَ فخذِ الرّجلِ مطويّاً فإذا فيه: إنَّ النساءَ ليسَ لهنَّ مِن عقارِ الرّجلِ (اذا تُوفي عنهنَّ) شئ، فقالَ أبو جعفرٍ –عليهِ السلام- هذا واللهِ خطُّ عليٍّ –عليهِ السلام- بيدِه وإملاءُ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وآله- (3).

وغيرها من الأخبار الدالة على عدم إرث الزوجة من الأرض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- الاستبصارُ -الشيخُ الطوسي- ج4 / ص151.

2- وسائلُ الشيعة (آلُ البيت) -الحرُّ العامليّ- ج26 / ص211.

3- وسائلُ الشيعة (آلُ البيت) -الحرُّ العامليّ- ج26 / ص212.