لماذا نطلب من الله أن يصلي على النبي؟

سؤال: يخبرُنا اللهُ في القرآنِ الكريم: أنّهُ وملائكتُه يُصلّونَ على النبي ويأمرُنا بالصلاةِ على النبي. سؤالي هوَ: لماذا عندَما نُصلّي على النبي نطلبُ منَ اللهِ أن يُصلّي على النبي وهوَ قد فعلَ ذلكَ بالفعل؟

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

قالَ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًاً)، ابتدرَ اللهُ وملائكتُه الصلاةَ على النبيّ قبلَ أن يأمرَ المؤمنينَ بالصّلاةِ عليه، وممّا لا شكَّ فيه أنَّ ذلكَ يبعثُ على الحيرة؛ إذ كيفَ يمكنُ للمؤمنِ أن يُصلّيَ على النبيّ بعدَ أن صلّى اللهُ عليهِ وملائكتُه؟

فإذا كانَت الغايةُ منَ الصلاةِ على النبيّ هوَ الكشفُ عن مكانتِه وعظيمِ منزلتِه، فكيفَ يمكنُ للمؤمنِ أن يُصلّيَ عليهِ بنفسِ الصلاة التي صلّاها اللهُ وملائكتُه؟ فمعرفةُ المؤمنِ بمكانةِ النبيّ ومنزلتِه مهما تعاظمَت لا تُقاسُ بمعرفةِ اللهِ وملائكتِه.

وبعبارةٍ أخرى: كيفَ يمكنُ للمؤمنِ أن يُدركَ عظمةَ النبيّ وبأيّ عبارةٍ يمكنُه أن يصفَ تلكَ المنزلة؟ فما عساهُ أن يقول؟ فمَهما اجتهدَ لا يمكنُه ذلكَ طالما كانَ اللهُ هوَ الذي بدأ تلكَ الصلاة، فصلاةُ اللهِ عليهِ إشادةٌ وتزكيةٌ منهُ تعالى لنبيّه، كما أنّها سكينةٌ ورحمةٌ على قلبِه الطاهر.

وهذا الأمرُ لا يمكنُ أن يقومَ به إلّا اللهُ تعالى، ومِن هُنا كانَ الحلُّ الوحيدُ حتّى يُحقّقَ المؤمنُ الصلاةَ على النبيّ؛ هوَ أن يطلبَ منَ الله أن يُصلّي على النبيّ نيابةً عنه، وهكذا جاءَت صيغةُ الصلاةِ كما علّمَنا رسولهُ الكريم (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ)، وكأَنَّ لسانَ حالِهم يقول: أنتَ العالمُ يا الله بمكانةِ نبيّكَ ونحنُ عاجزونَ عن بلوغِ قدرِه ومكانتِه، فصلِّ عليهِ نيابةً عنّا، فنحنُ نقولُ في حقِّه ما تقول، ونشهدُ له بما تشهدُ أنتَ له، وبذلكَ تعيدُنا الصلاةُ على النبيّ إلى اللهِ سُبحانَه مِن جديد في حلقةٍ منَ التواصلِ الدائمِ بينَ المؤمنِ وربِّه ورسولِه.

وعليهِ؛ فإنَّ صلاةَ المؤمنِ على الرسولِ هيَ إقرارٌ لِما لهُ مِن كمالٍ وليسَت هيَ التي تمنحُه الكمال، ولا يمكنُ للمؤمنِ أن يُحقّقَ رِضا الله إلّا بعدَ أن يشهدَ بمكانةِ الرّسولِ كما شهدَ بها ربُّه، وبذلكَ يكونُ المؤمنُ في أشدِّ الحاجةِ إلى هذهِ الصلاة، فبِها يتحقّقُ الرّبطُ والتواصلُ بينَه وبينَ رسولِه، ومِن هُنا كانَت الصلاةُ على النبيّ شعارَ المؤمنِ الذي يُحدّدُ هويّتَه ومصدرَ انتمائِه، فلا يكونُ المؤمنُ موحّداً ومُسلّماً لأمرِه ووحيهِ ما لَم يكُن تابعاً لرسولِه، قالَ تعالى: (قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقد ربطَ اللهُ بينَ محبّةِ النبيّ وتوقيرِه وبينَ تسبيحِ الله، حيثُ قال: (لِّتُؤمِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا) فبما أنَّ المؤمنَ لا يُمكِنُه أَن يكونَ بعيداً عنِ الله لا يُمكنُه أَيضاً أَن يكونَ بعيداً عنِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله).