زواج السيدة سكينة من مصعب بن الزبير!!

سؤالٌ: البعضُ ينقلُ عن بعضِ النسّابةِ الهاشميّينَ زواجَ سُكينة بنتِ الحسين مِن مصعب الزبيري، ويحتجُّ بذلكَ على الإماميّة، فما حقيقةُ هذا الزواجِ وهل تمَّ فعلاً ؟

: الشيخ مروان خليفات

الجوابُ المُختصر:

منَ المعلومِ لمَن تصفّحَ كتبَ التاريخِ والأنسابِ وتعمّقَ بها أنّه يمكنُ إرسالُ مقولةٍ لمؤلّفٍ منَ المُتقدّمينَ فيتلقّفُها المُتأخّرونَ وتكثرُ في الكتبِ وتُشتهر، وهيَ في حقيقتِها تعودُ إلى قائلِها الأوّل، وفي هذهِ الحالةِ ينبغي الرّجوعُ إلى أصلِ المقولةِ وتحقيقِها، وممّن ذكرَ زواجَ سُكينة مِن مصعب النسّابةُ العلويّ العمري في كتابِه : المُجديّ في أنسابِ الطالبيّين ، ص 92 .

وهُنا نُسجّلُ ملاحظاتٍ مهمّة :

ـ يلاحظُ أنَّ كلامَ النسّابةِ العلويّ العمري مرسلٌ دونَ سندٍ معَ مُلاحظةِ تأخّرِ وفاتِه (ت 490هـ) والمرسلُ مِن قسمِ الضعيف .

ـ إنّنا لا نجدُ في كتبِ الإماميّةِ المُتقدّمة مَن أشارَ لهذا الزواج، فهذا الخبرُ يفتقرُ للشواهدِ في كتبِ المُتقدّمين.

ـ أنكرَ الشيخُ عبدُ الرزّاق المُقرّم هذا الزواجَ في كتابِه حولَ حياةِ سكينة ع.

ـ نقلَ المُتأخّرونَ منَ الإماميّةِ زواجَ سكينة مِن مصعب في كتبِهم، ومُجرّدُ النقلِ لا يدلُّ على صحّةِ الخبر بعدَ أن بينّا إرسالَهُ وضعفَه..

ـ قالَ ابنُ قتيبة ( ت 276هـ) : ( وأمّا « إبراهيمُ بنُ عبدِ الرّحمن ـ بنِ عوف ـ» ، فكانَ سيّدَ القوم ، وكانَ قصيراً ، وتزوّجَ « سكينةَ بنتَ الحسين » ، فلم يرضَ بذلكَ بنو هاشمٍ ، فخلعَت منه ) المعارفُ ، ص 237.

إنَّ نصَّ ابنِ قُتيبةَ هذا يدلُّ على أنَّ لبني هاشمٍ رأياً في تزويجِ بناتِهم وهذا هوَ الصّحيح، ونراهُم يرفضونَ تزويجَ سكينةَ مِن إبراهيم بنِ عبدِ الرّحمن بنِ عوف، فهل تراهُم يرضونَ بتزويجِ سُكينة مِن أحدِ أبناءِ الزّبيرِ معَ ظهورِ عداوتِهم وبغضِهم لأهلِ البيت ع ؟

الجوابُ المُفصّل:

منَ المعلومِ لمَن تصفّحَ كتبَ التاريخِ والأنساب وتعمّقَ بها أنّه يمكنُ إرسالُ مقولةٍ لمؤلّفٍ منَ المُتقدّمين فيتلقّفُها المُتأخّرونَ وتكثرُ في الكتبِ وتُشتهر، وهيَ في حقيقتِها تعودُ إلى قائلِها الأوّل، وفي هذهِ الحالةِ ينبغي عدمُ التهويلِ بكثرةِ الناقلين، وعلوِّ مقامِهم وشهرةِ الحادثة، فربَّ مشهورٍ لا أصلَ له ، بل ينبغي الرّجوعُ إلى أصلِ المقولةِ وتحقيقِها.

أمّا النسّابةُ الهاشميّ الذي ذكروهُ فهوَ عليّ بنُ محمّد العلويّ العمري ( ت 490هـ) وهوَ منَ الإماميّة، حيثُ قال : (وأمّا سكينةُ فخرجَت إلى مصعبٍ بنِ الزّبير وقُتلَ عنها ، فلمّا جاءَت الكوفةَ خرجَ إليها أهلُها ، فقالَت : لامرحباً بكم يا أهلَ الكوفة أيتمتموني صغيرةً وأرملتموني كبيرةً ) المُجدي في أنسابِ الطالبيّين ، ص 92.

ولنا ملاحظاتٌ نسجّلُها على كلامِ السيّدِ العلوي :

ـ لا نجدُ في كتبِ الإماميّة المتقدّمةِ مَن أشارَ إلى زواجِ سُكينة مِن مصعب غيرَ السيّدِ العلويّ العمري.

ـ إنَّ النسابةَ عليّ بنَ مُحمّد العلوي صاحبَ النصِّ أعلاه، قد ذكرَ كلامَه دونَ إسناد، معَ العلمِ أنّه توفّيَ في أواخرِ القرنِ الخامسِ الهجري ( 490هـ) فبينَه وبينَ هذا الحدثِ مدّةٌ طويلة، فكلامُه مرسلٌ لا اعتبارَ له إلّا إذا كانَت له شواهدُ في كتبِ الإماميّةِ الأخرى، في عصرِه أو قبلَ عصرِه وهيَ مفقودة.

ـ إنَّ النسّابةَ العلوي رحمَه الله نقلَ عن الزبيرِ بنِ بكار في كتابِه (المُجدي في أنسابِ الطالبيّين) ص 340، نقلَ عنه عن عروةَ بنِ الزّبير وكلاهُما مُتّهمان، وهذا يعني إمكانيّةَ نقلِ صاحبِ كتابِ المُجدي زواجَ سُكينة مِن مصعبَ عنه.

ـ إنَّ نقلَ صاحبِ كتابِ المُجدي عن ابنِ بكّار ولو في موردٍ واحد، يستلزم الحذر وتحقيق نصوصه قبل ردّها أو قبولها.

ـ أنكرَ بعضُ مُحقّقي الإماميّةِ ومِنهم الشيخُ عبدُ الرزّاق المُقرّم زواجَ سكينةَ مِن مصعب في كلامٍ له مُفصّلٍ في كتابِه حولَ حياةِ سُكينة ع. قالَ رحمَه الله : ( لقد تجلّى لنا ونحنُ نسبرُ المدوّناتِ ونمحّصُ الأحاديث أنَّ أوّلَ مَن وضعَ الأحاديثَ الشائعةَ في ابنةِ الحُسين (سُكينة ) مصعبُ الزبيري المُتوفّي سنةَ 236 في كتابِه ( نسبُ قريش ) لينصرفَ المُغنّونَ والشعراء عن ابنتِهم سُكينة بنتِ خالد بنِ مصعب بنِ الزّبير التي تجتمعُ مع ابنِ أبي ربيعة الشاعر والمُغنّياتُ يغنّين لهم، وزمرَ بها مرافقُه في بغداد المدائنيّ المتوفّي سنةَ 225 وزادَ عليها الزّبيرُ بنُ بكار وابنُه وتلقاها المُبرّدُ المتوفّي سنةَ 285 عن هؤلاءِ الوضّاعينَ وعنه أخذَها تلميذُه الزّجاجي وغيرُه مِن دونِ تمحيصٍ فأضلّوا كثيراً منَ الكتّابِ والمؤرّخينَ حتّى رووها بلا إسنادٍ موهمينَ أنّها منَ المُسلّمات.

ثمَّ جاءَ أبو عليّ القالي تلميذُ الزجاجيّ الأمويّ الفكرةِ والعقيدةِ فسجّلَ في أماليّه ما تلقّاهُ مِن أستاذِه قصداً للحطِّ مِن كرامةِ البيتِ العلويّ خصوصاً وقد تقلّبَ في نعمةِ الناصرِ عبدِ الرّحمن الأموي).

السيّدةُ سُكينة، المُحقّقُ السيّدُ عبدُ الرزّاق المُقرّم

ـ نقلَ المُتأخّرونَ منَ الإماميّةِ زواجَ سُكينة مِن مصعب في كتبِهم، ومجرّدُ النقلِ لا يدلُّ على صحّةِ الخبرِ بعدَ أن بينّا إرسالَه وضعفَه.

ـ إنَّ كتابَ المُجدي في أنسابِ الطالبيّين وإن كانَ مُعتمداً مشهوراً، فهذا لا يعني صحّةَ كلّ ما فيه، بل ينبغي تحقيقُ أقوالِه ومضامينِه خاصّةً إن لم تكُن مُتعلّقةً بالأنساب، فالكافي أكثرُ شهرةً واعتماداً منه، معَ ذلكَ يذهبُ البعضُ إلى تضعيفِ الكثيرِ مِن أحاديثه.

ـ مَن يُحاجج، فينبغي له أن يحتجَّ بنصٍّ ثابتٍ أو مُعتبر، ونصُّ كتابِ المُجدي مُرسل.

ـ لقد كذبوا على سُكينة ع كثيراً ونسبوا لها ما لا يصدرُ عنها تشويهاً لسُمعةِ الهاشميّينَ وذُرّيّتِهم، فهذا أبو الفرجِ الأصبهانيّ الزيديّ يروي أنّها راسلَت الشاعرَ عُمر بنَ أبي ربيعة هيَ وبعضُ النساءِ وسهرنَ معَه حتّى الصباح.

قالَ أبو الفرج : ( حديثُه معَ سُكينة بنتِ الحُسين وما قالَه فيها منَ الشعرِ أخبرني عليُّ بنُ صالح قالَ حدّثنا أبو هفّان عن إسحاقَ عن أبي عبدِ اللَّه الزّبيريّ قالَ : اجتمعَ نسوةٌ مِن أهلِ المدينةِ مِن أهلِ الشرف ، فتذاكرنَ عُمرَ بنَ أبي ربيعة وشعرَه وظُرفَه وحُسنَ حديثِه ، فتشوّقنَ إليهِ وتمنّينه ، فقالَت سُكينة بنتُ الحسين عليهما السّلام : أنا لكُنَّ به . فأرسلَت إليه رسولاً وواعدَته الصّورين ، وسمَّت له الليلةَ والوقت ، وواعدَت صواحباتها ، فوافاهنَّ عُمر على راحلتِه ، فحّدثهنَّ حتّى أضاءَ الفجر...) الأغاني ، ج 1 - ص 146 - 147.

هذا كلامٌ لا ينبغي نسبتُه لبناتِ آلِ الرّسول وهوَ منَ الأكاذيب، وحاشا سُكينةَ مِن ذلك.

لقد كانَت سُكينة مثالاً للعفّةِ والطهارةِ ، قالَ الصحابيّ سهلُ بنُ سعد يصفُ الحالَ حينَ جاءوا بسبايا كربلاء إلى الشام : ( ورأيتُ نسوةً مُهتّكات ، فجعلتُ أنظرُ إليهنَّ متأسّفاً ، فأقبلَت جاريةٌ على بعير ، بغيرِ وطاءٍ ولا غطاء ، عليها برقعُ خزٍّ ، وهيَ تُنادي : يا أخي ، يا خالي ، يا أبي ، يا جدّي ، يا جدّتي ، وامحمّداه ، واعليّاه ، واحسيناه ، واعبّاساه ، هلكَت عصابةُ مُحمّدٍ المُصطفى ، على يدي أبي سُفيان وعتبة . قالَ سهلٌ : فجعلتُ أنظرُ إليها ، فصاحَت بي صيحةً عظيمةً ، وقالَت : ويلَكَ يا شيخ أما تستحي منَ الله تتصفّحُ وجوهَ بناتِ رسولِ الله ؟ ! فقلتُ : واللهِ يا مولاتي ما نظرتُ إليكم إلّا نظرَ حزنٍ وأنا مولىً مِن مواليكم . فقالَت : مَن أنت ؟ فقلتُ : أنا سهلُ بنُ سعد ، قد رأيتُ جدّكَ رسولَ الله مَن أنتِ رحمَكِ الله ؟ قالت : أنا سُكينةُ بنتُ الحُسين . ثمَّ التفتُّ ، فرأيتُ زينَ العابدين ، فبكيتُ ، وقلتُ : يا مولاي أنا مِن شيعتِكم ، وقد تمنّيتُ أن أكونَ أوّلَ قتيلٍ قُتلَ بينَ يدي أبيكَ هل مِن حاجةٍ ؟ فقالَ : معكَ شيءٌ منَ المال ؟ قلتُ : نعم ، ألف دينارٍ وألف درهم ، فقالَ : ادفَع مِنها شيئاً إلى حاملِ الرّأس ، وسَله أن يُبعدَ الرّأسَ مِن بينِ يدي الحرم ، فتشتغلَ الناسُ بالنظرِ إليه عن حرمِ رسولِ الله ، وأن يحملَنا في طريقٍ قليلِ النُّظّارة ، فقد أوذينا مِن أوغادِ النّاس) مدينةُ المعاجز، هاشمٌ البحراني، ج4 ص 109 ـ 110.

ـ سُئلَ العلّامةُ الحلّي (ت 726هـ) : (ما يقولُ سيّدُنا الإمامُ العلّامة فيما ينقلُ عن سُكينة بنتِ الحُسين عليها السلام أنّها كانَت تراجعُ الشعراءَ وتكلّمُهم وتخبرُهم ، فهل هذا صحيحٌ أم لا ، وهل كانَت تخاطبُهم مُشافهةً أو على لسانِ أحد ، وفي فاطمةَ بنتِ الحُسين عليها السلام هل صحَّ أنّها تزوّجَت بعبدِ اللَّهِ بنِ عُمر وابنِ عثمان ، فإنَّ ذلكَ نقلٌ شائعٌ ويقولونَ أنّها ولدَت منهُ مُحمّداً الذي يُكنّى بالدّيباج ، فهل هذا صحيحٌ أم لا؟

الجوابُ: لا يجوزُ أن ينسبَ أحدٌ منَ الذّرّيّةِ إلى ارتكابِ مُحرّمٍ مُتّفقٍ على تحريمِه ، وإسنادُ النّقصِ إلى الرواةِ أولى مِن إسنادِه إليهم عليهم السلام ) أجوبةُ المسائلِ المهنائيّة ، ص 39

ـ قالَ ابنُ قتيبة : ( وأمّا « إبراهيمُ بنُ عبدِ الرّحمن ـ بنِ عوف ـ » ، فكانَ سيّدَ القوم ، وكانَ قصيراً ، وتزوّجَ « سُكينةَ بنتِ الحسين » ، فلم يرضَ بذلكَ بنو هاشم ، فخلعَت منه ) المعارف ، ص 237

ونصُّ ابنِ قتيبةَ يدلُّ على أنَّ لبني هاشمٍ رأياً في تزويجِ بناتِهم وهذا هو الصّحيح، ونراهُم يرفضونَ تزويجَ سُكينة مِن إبراهيم بنِ عبدِ الرّحمن بنِ عوف، فكذلكَ هُم يرفضونَ تزويجَ سُكينة مِن أحدِ أبناءِ الزّبير معَ ظهورِ عداوتهِم وبغضِهم لأهلِ البيت ع على افتراضِ تقدّمِ الزّبيرِ للزّواجِ مِنها .

ـ لو افترَضنا صحّةَ ما يُقال ، فإنَّ الزواجَ مِن ظالمٍ أو فاسقٍ يجوزُ ما دامَ ظاهرُه الإسلامُ ولا يدلُّ بالضّرورةِ على المحبّةِ وتديّنِ صاحبِه، فقد يكونُ رجلٌ لهُ سلطةٌ وسطوة ، فيخشاهُ النّاسُ ويزوّجوه بناتِهم إذا طلبَ مِنهم ذلك، هذهِ آسية امرأةُ فرعون، مِن نساءِ أهلِ الجنّة وأفضلهنَّ بعدَ فاطمةَ وخديجة ومريم ع، كانَت مُتزوّجةً مِن كافرٍ يدّعي الألوهيّة، قالَ تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امرَأَتَ فِرعَونَ إِذ قَالَت رَبِّ ابنِ لِي عِندَكَ بَيتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرعَونَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَومِ الظَّالِمِينَ) التحريم، 11

نخلصُ بعدَ هذا السّردِ إلى عدمِ صحّةِ هذا الزّواج، لعدمِ ثبوتِه في المصادرِ الإماميّة بسندٍ مُعتبر .