لماذا لا يلتزم الشيعة بحديث (الخلافة ثلاثون عاماً)؟
هناك حديث مضمونه يقول : " أن الخلافة بعد النبي ص يستمر ثلاثين سنة"، وفي هذه المدة التي عينه النبي ص رأينا فقط أربع خلفاء وهم خلفاء الراشدين، أبو بكر عمر عثمان وعلي" لكن نرى أن الشيعة لا يلتزمون بهذا الحديث حتى ينكرون الثلاثة الأولى لماذا؟
الجواب المختصر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: إنّ هذا الحديث ممّا انفرد بروايته المخالفون، ولم يروه الشيعة الإماميّة (أنار الله برهانهم) في كتبهم الحديثيّة، فضلاً عن اعتباره وصحّته، بل ضعّفوه وطعنوا فيه [ينظر: المسلك في أصول الدين ص255، النجاة في القيامة ص182، رسالة في الإمامة ص107].
ومن المعلوم أنّه لا يمكن الاحتجاج على الشيعة بمثل هذا الحديث الضعيف عندهم.
وقد استند الشيعة على أدلّة قرآنيّة وأحاديث شريفة قوية السند والدلالة على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) بلا فصل، وعلى عدم صحّة خلافة الخلفاء الثلاثة، وتلك الأدلّة والبراهين هي المستند والمعوّل في مثل هذه المسألة. وأمّا حديث (الخلافة ثلاثون عاماً) فليس معتبراً ولا حجّة فيه عندهم.
ثانياً: يواجه الاستدلال بالحديث عدّة إشكالات، نذكر إشكالين منها:
1ـ انفرد برواية الحديث سعيدُ بن جمهان البصريّ عن سفينة مولى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، لا يرويه غيره، وقد اختلفت كلمة أرباب الرجال في حديث سعيد البصريّ، فقد وثّقه جماعة كأحمد ويحيى وغيرهما، وطعن فيه أبو حاتم والساجي، وقال البخاريّ: « في حديثه عجائب ». [ينظر: تهذيب التهذيب ج4 ص13]. إذن: راوي الحديث غير متّفق على وثاقته.
كما لم يتّفق علماء أهل السنة على صحّة الحديث، ففي حين صحّحه أحمد والترمذيّ وغيرهما، فقد ضعّفه ابن العربي في [العواصم من القواصم ص201] وابن خلدون في [التاريخ ج2 ص458] وغيرهما. إذن: الحديث غير متّفق على صحّته.
2ـ هذا الحديث يتعارض مع حديث (الاثني عشر خليفة) الذي رواه الحافظ مسلم في [الصحيح ج6 ص3] وغيره، وهو أقوى من حديث (الخلافة ثلاثون عاماً)، حيث نصّ هذا الحديث على وجود اثني عشر خليفة للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، بينما حديث سفينة يحدّد زمان الخلافة بـ(ثلاثين عاماً)، وهذا التحديد لا يسع لمضي اثني عشر خليفة.
وتوجد إشكالات أخرى ترد على الحديث، لا يسع المجال لذكرها وبيانها، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين.
الجواب المفصل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يتّضح الجواب عن هذا السؤال ببيان أمرين:
الأمر الأوّل: الحديث غير معتبر عند الشيعة:
إنّ حديث « الخلافة ثلاثون عاماً، ثمّ تصير ملكاً » ممّا انفرد به المخالفون، ولم يروه الشيعة الإمامية (أنار الله برهانهم)، ومن المعلوم أنّ مثل هذا الحديث لا يصحّ الاحتجاج به على الشيعة؛ إذ إنّ الشيعة لا يروونه في مدوّناتهم الحديثيّة فضلاً عن أن يصحّحوه ويعتمدوه ليكون حجّة عليهم، بل إنّهم يضعّفونه ويطعنون فيه، بل يستظهر بعضهم كونه موضوعاً، وهذه بعض كلماتهم:
ذكر المحقّق الحليّ في [المسلك في أصول الدين ص255] استدلال المخالفين بحديث الاقتداء وأجاب عنه بقوله: « نمنع الخبر أولاً، فإنّا لا نعرفه من طريق محقّق. ولو سلّمناه لكان من أخبار الآحاد، مع أنّه قد طعن فيه جماعة من أصحاب الحديث منهم »، ثم أورد استدلال المخالفين بحديث الخلافة ثلاثون عاماً، وأجاب عنه بقوله: « وأما قوله: (الخلافة بعدي ثلاثون)، فأضعف من الأوّل وأكثر شذوذاً، ومثل ذلك لا يثبت به مسألة علميّة. ثمّ إنّه لا يجوز العدول عن أخبار صريحة دالّة على إمامة عليّ (عليه السلام) بمثل هذا الخبر الضعيف. ثم نقول: الظاهر أنّ هذا الخبر موضوع.. ».
وقال ابن ميثم البحرانيّ في [النجاة في القيامة ص182]: « لا نسلّم صحة هذا الخبر. سلمناه، لكنّه خبر واحد، فلا يعتمد عليه ».
وقال الشيخ عباس كاشف الغطاء في [رسالة في الإمامة ص107]: « ومن هنا تعرف سقوط الحديث المرويّ عند أهل السنّة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): (إنّ الخلافة بعدي ثلاثون سنة، وبعدها تكون ملكاً عضوضاً) بتنزيله على زمان خلافة الخلفاء، بل كذْبه؛ إذ من قبول هذه الأحاديث يلزم تكذيب الحديث المرقوم بالتحديد... ».
نعم، ذكره جملة من علماء الشيعة في كتبهم الكلاميّة من جهتين:
الأولى: الردّ على المخالفين المتمسِّكين بهذا الحديث لإثبات صحّة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فكان جوابهم عدم اعتبار الحديث ليكون حجّة شرعيّة في مثل هذه المسألة الخطيرة.
والأخرى: إلزام المخالفين بمضمون الحديث المقتضي بطلان خلافة معاوية بن أبي سفيان وسائر مَن جاء بعده من الأمويّين، باعتبار أنّهم ملوك وليسوا خلفاء للنبيّ (صلى الله عليه وآله).
الحاصل: الحديث ليس من الأحاديث المعتبرة عند الشيعة الإماميّة، فإنّهم لا يروونه بل يضعّفونه فضلاً عن أن يصحّحوه ويعتمدوه، وحينئذٍ يسقط الاحتجاج به على الشيعة.
وإنكار الشيعة لخلافة الخلفاء الثلاثة مستند لأدلّة قويمة مذكورة في الكتب الكلاميّة، فقد استدلّ الشيعة بالكثير من الأدلّة من القرآن والسنّة على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) بلا فصل، كما استدلّوا بأدلّة كثيرة قويمة على بطلان خلافة الخلفاء الثلاثة، وتلك الأدلّة والبراهين هي مستند الإنكار.
الأمر الثاني: الإشكالات الواردة على الحديث:
الحديث يرويه أحمد بن حنبل في [المسند ج5 ص220]، وأبو داود في [السنن ج2 ص401]، والترمذيّ في [السنن ج3 ص341]، والحاكم النيسابوريّ في [المستدرك ج3 ص71]، وغيرهم.. بأسانيدهم عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد رُوي بلفظ: « الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك »، ولفظ: « خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله الملك ـ أو ملكه ـ من يشاء »، وغير ذلك.
وترد عدّة إشكالات على الاستدلال بهذا الحديث لتصحيح خلافة الخلفاء الثلاثة، نذكر منها إشكالين:
الإشكال الأوّل: الحديث غير متّفق على اعتباره:
إنّ مدار الحديث على سعيد بن جمهان البصريّ، لا يرويه غيرُه عن سفينة، قال الترمذيّ: « هذا حديث حسن، قد رواه غيرُ واحد عن سعيد بن جمهان، لا نعرفه إلّا من حديثه »، وقال ابن عدي في [الكامل في الضعفاء ج3 ص402]: « وقد رُوي عنه عن سفينة أحاديث لا يرويها غيره، وأرجو أنه لا بأس به، فإن حديثه أقلّ من ذاك ».
فالحديث لا يُروى إلّا من جهة سعيد بن جمهان البصريّ، وفي ابن جمهان كلامٌ لدى النقّاد، فإنّه وإنْ وثّقه أحمد ويحيى وأبو داود وابن حبان ونفى عنه النسائي البأس، لكن طعن فيه أبو حاتم الرازي والساجي وقال البخاري: « في حديثه عجائب » [ينظر: تهذيب التهذيب ج4 ص13].
إذن: راوي الحديث غير سالم من النقد الرجاليّ؛ إذ في حديثه عجائب وأفراد مع قلّة حديثه، ولا يمكن الاستدلال بحديث هكذا راوي في مثل هذه المسألة الخطيرة ـ أعني مسألة الخلافة ـ.
كما لم يتّفق علماء أهل السنّة على صحّة هذا الحديث وثبوته عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فإنّه في حين صحّحه أحمد والترمذيّ وغيرهما، فقد ضعّفه ابن العربي في [العواصم من القواصم ص201] حيث قال: « هذا حديث لا يصحّ »، وابن خلدون في [التاريخ ج2 ص458] إذ قال: « ولا يُنظر في ذلك إلى حديث: (الخلافة ثلاثون سنة) فإنّه لم يصحّ »، وغمز فيه فتح الدين الحنفيّ في [فلك النجاة ص134] بقوله: « .. الحديث المشهور على ألسنتهم إنْ صحّ: الخلافة ثلاثون سنة »، وغيرهم من العلماء.
الإشكال الثاني: تعارض الحديث مع حديث الاثني عشر خليفة:
إنّ هذا الحديث « الخلافة ثلاثون عاماً » يتعارض مع حديث أقوى منه، رواه الحافظ مسلم بن الحجّاج القشيريّ في [الصحيح ج6 ص3] وغيره من الحفّاظ والمحدّثين في غيره من المصادر المعتبرة، وهو حديث جابر بن سمرة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: « إنّ هذا الامر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ».
حيث نصّ هذا الحديث على وجود اثني عشر خليفة للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، بينما حديث سفينة يحدّد زمان الخلافة بـ (ثلاثين عاماً)، وهذا التحديد لا يسع مضيّ اثني عشر خليفة.
وقد انقدح هذا التعارض في ذهن بعض علماء السنّة، فذكروه وحاولوا التملّص منه بما ذكره القاضي عياض وغيره بـ: « أنّ المراد في حديث (الخلافة ثلاثون سنة) خلافة النبوة، وقد جاء مفسّراً في بعض الروايات: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً)، ولم يشترط هذا في الاثني عشر » [ينظر: شرح صحيح مسلم ج12 ص201].
أقول: هذا الجواب لا يسمن ولا يغني، فهو غير واضح المعنى، فما هو المراد بـ (خلافة النبوة)؟
هل المراد بخلافة النبوة هي التي لا طلب فيها للملك ولا منازعة فيها لأحد ـ كما في [عون المعبود ج12 ص388] ـ، فتخرج خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) عن كونها خلافة نبوّة؛ لمنازعة أهل الجمل وأهل النهروان وأهل الشام له؟!
أم أنّ خلافة النبوة إنّما تكون لمن عملوا بالسنّة، فإذا خالفوا السنّة وبدّلوا السيرة فهم ملوك وإنْ تسمّوا بالخلفاء ـ كما في [شرح السنة للبغوي ج14 ص75] ـ، ليلزم من ذلك أن تكون مدة خلافة النبوة أكثر من ثلاثين سنة؛ لأنّها تشمل كلَّ مَن عمل بالسنّة كعمر بن عبد العزيز الذي عدّوه من الخلفاء الراشدين؟!
أم أنّ خلافة النبوة هي الخلافة الحقّة أو المرضيّة لله ورسوله أو الكاملة أو المتّصلة ـ كما في [مرقاة المفاتيح ج9 ص271] ـ، وعليه يجب أن تختصّ بأمير المؤمنين والحسن (عليهما السلام)، أو أن تمتدّ لأكثر من ثلاثين سنة لأنّها تشمل كلّ خلافة حقّة أو مرضيّة لله ورسوله، كعمر بن عبدالعزيز عند المخالفين الذي يعدّونه من الخلفاء الراشدين؟!
إذن: هذا الجواب الذي ذكره القاضي عياض وغيره غير وجيه، ولا يدفع التنافي بين الحديث الصحيح الصريح في وجود (اثني عشر خليفة) وبين حديث (الخلافة ثلاثون سنة).
وتوجد إشكالات أخرى ترد على الحديث، لا يسع المجال لذكرها وبيانها، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين.
اترك تعليق