كيفَ جعلَ اللهُ بني اسرائيلَ أكثرَ نفيراً و هذا لم يحدُث أبداً في تاريخِهم
سؤالي هوَ عَن بني اسرائيل المذكورينَ في سورةِ الإسراءِ والوعودِ التي وعدَهم اللهُ بها وأنّه جعلَهم أكثرَ نفيراً و لكنَّ سؤالي هوَ كيفَ جعلَ اللهُ بني اسرائيلَ أكثرَ نفيراً و هذا لم يحدُث أبداً في تاريخِهم و يُشكّلُ تناقضاً فلو نظَرنا اليومَ لا يوجدُ مِن عرقِ بني إسرائيلَ الأصليّ شيءٌ و لو أيضاً نظَرنا إلى اليهودِ فعددُهم قليلٌ جدّاً؟
الجوابُ:
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم،
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين
وصلّى اللهُ على مُحمّدٍ وآلِه الطيّبينَ الطاهرين،
ينطلقُ السؤالُ مِن فَهمينِ خاطئين لبعضِ كلماتِ الآيةِ الشريفة: (وَقَضَينَا إِلَى بَنِي إسرائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفسِدُنَّ فِي الأَرضِ مَرَّتَينِ وَلَتَعلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا* فَإِذَا جَاءَ وَعدُ أُولَاهُمَا بَعَثنَا عَلَيكُم عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعدًا مَفعُولًا* ثُمَّ رَدَدنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيهِم وَأَمدَدنَاكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلنَاكُم أَكثَرَ نَفِيرًا)
وهُما كلمةُ "النفير" وكلمةُ "بني إسرائيل"
أمَّا النَّفيرُ فلَها في اللغةِ العربيَّةِ عدَّةُ معانٍ
مِنها : أنصارُ الرّجلِ وعشيرتُه
و القومُ ينفرونَ للقتال.
قالَ في العينِ مادَّةُ "نفر" : (و النّفرُ النّفير ، والجماعةُ : أنفارٌ ، وهُم الذينَ إذا حزَّ بهم أمرٌ اجتمعوا ونفروا إلى عدوّهم ، قالَ :
ونفرُ قومِكَ في الأنفارِ مكتوبٌ)
وقالَ في لسانِ العرب: (واستَنفَرَ القومَ فَنَفَرُوا معه وأَنفَرُوه أَي نصروهُ ومَدُّوه .
ونَفَرُوا في الأَمر يَنفِرُون نِفاراً ونُفُوراً ونَفِيراً ؛ هذهِ عنَ الزَّجَّاج ، وتَنافَرُوا : ذهبوا ، وكذلكَ في القِتال .
وفي الحديثِ : وإِذا استُنفِرتُم فانفِرُوا .
والاستِنفارُ : الاستِنجادُ والاستِنصارُ ، أَي إِذا طلبَ مِنكم النُّصرَةَ فأَجيبوا وانفِرُوا خارجينَ إِلى الإِعانة) .
فأكثرُ نفيراً هُنا بمعنى أكثر أنصاراً، فلا علاقةَ لهُ بالأولادِ والبنينِ والنَّسلِ المُتولّدِ مِنهم، فقد يكونُ أنصارُ الرّجل ِمِن غيرِ قومِه، فهذا رسولُ الله – صلّى اللهُ عليهِ وآله – خذلهُ قومُه في مكَّةَ وهُم قُريش، ونصرَهُ قومٌ آخرونَ في المدينةِ وهُم الأوسُ والخزرج، فإذا تمَّ هذا فلا معنى للسّؤال.
وأمَّا بنو إسرائيلَ فهُم ليسوا اليهود، ويُفرّقُ الدكتورُ المرحومُ أحمَد سوسة بينَ هذينِ المُصطلحين بأنَّ (اسرائيلَ) المرادُ به النبيُّ يعقوب – عليهِ السلام – حفيدُ نبيِّ اللهِ إبراهيم عليهِ السلام، وكانَ يتكلَّمُ بلسانِ أبيه، وكانَ موطنُه مدينةُ (حرَّان) (حارن) في سوريا قُربَ حلب، ولم يتجاوزوها، أمّا فلسطين فكانَت أرضَ غُربتِهم وليسَت وطناً لهم، وهؤلاءِ سكنوها في القرنِ السابعِ عشرَ قبلَ الميلاد، أي قبلَ مجيءِ موسى عليهِ السلام نبيِّ اليهود ب700 سنة، وكلمةُ (اسرائيل) كلمةٌ كنعانيّةٌ – وهيَ تنتمي للغةِ الأمِّ التي يتكلَّمُ بها النبيُّ إبراهيم عليهِ السلام وقومُه، وكانَت تُطلَقُ على موضعٍ في فلسطين كما وردَت في الكتاباتِ الفرعونيّةِ الموجودةِ قبلَ عصرِ موسى عليهِ السلام ووجودِ اليهود.
وأمّا "اليهوديُّ" فهوَ يُطلَقُ على جماعةِ (يهوذا) إلهِ اليهودِ الحاقدِ الشّرير والذينَ سباهُم نبوخَذ نصر في السبيِّ البابليِّ الأوّل في القرنِ السادسِ قبلَ الميلاد، وجعلوا أنفسَهم دونَ بقيّةِ الشعوبِ شعبَ اللهِ المُختار، وكتبوا التوراةَ المُحرّفةَ ببابل بعدَ موسى عليهِ السلام ب800سنة، ولم يكُن لهُم أصلٌ يُعرَف، فأرجعوا أصلَهم إلى أقدسِ شخصيّةٍ عالميّةٍ في ذاكَ الزمان، وهوَ نبيُّ اللهِ إبراهيم عليهِ السلام، وذلكَ عن طريقِ حفيدِه (إسرائيل) يعقوب عليهِ السلام، وزعموا أنّهم هُم بنو اسرائيل؛ لذا كانَ منَ الأصحِّ أن تقولَ الكيانُ الصهيونيّ لا إسرائيل – معَ أنّهم ظهروا بعدَ يعقوب ب600 عام.
ومِن أخطاءِ التوراةِ الطريفةِ التي تنمُّ عن غبائِهم أن زعموا وجودَ بني إسرائيلَ في القرنِ التاسعِ عشرَ قبلَ الميلاد، أي قبلَ خلقِ أبيهم إسرائيل (يعقوب)!!
وزعموا أنَّ إلهَهم الحاقدَ منحَ أرضَ كنعان (فلسطين) – كنعانُ حفيدُ نوح – لذرّيّةِ إبراهيم عليهِ السلام مِن يعقوب، رُغمَ تأكيدِ التوراةِ ذاتِها على أنَّ أرضَ فِلسطين أرضُ غُربةٍ لهم.
انظُر كتابَ "العربِ واليهودِ في التاريخ – د. أحمَد سوسة ص72 وما بعدَها"
وقد أشارَ الشيخُ المرحومُ مُحمّد جواد مُغنية – رحمَه الله – إلى شيءٍ مِن هذا عندَ تفسيرهِ للآيةِ الشريفة، انظُر الكاشف ج5 ص20
فالمقصودُ هُنا ببني إسرائيل نسلُ نبيّ اللهِ يعقوب – عليهِ السَّلام – وليسَ دولةَ إسرائيل المُعاصرة.
وإن تنزّلنَا وقُلنا بأنَّ المُرادَ بالنفيرِ رهطُ الرّجلِ وعشيرتُه لا مُطلَقُ الأنصارِ كما لعلَّهُ يظهرُ مِن كلامِ صاحبِ الميزان – رحمَه الله 13/40 فالمقصودُ ليسَ هؤلاءِ المُعاصرين، بل الذينَ عاشوا في زمنِ نبوخَذ نصر الذي قامَ بالسّبيّ البابليّ في القرنِ السادسِ قبلَ الميلاد حتّى جاءَ الملكُ الفارسي قورش "كورش" الذي تزوَّجَ بيهوديّةٍ وشرطَت عليهِ إرجاعَ اليهودِ إلى فلسطين (قالَ أبو حيّانَ الأندلسيّ في تفسيرِه " المُحيط " : إنَّ ملكاً غزا أهلَ بابل ، وكانَ بختنصر قد قتلَ مِن بني إسرائيل أربعينَ ألفاً، وأبقى مِنهم بقيّةً عندَه ببابل في الذلِّ ، فلمّا غزاهُم ذلكَ المَلِك ، وغلبَ على بابِل تزوّجَ امرأةً مِن بني إسرائيل ، فطلبَت منهُ أن يردَّ قومَها إلى بيتِ المقدِس ، ففعَل) "انظُر تفسيرَ الكاشِف 5/17" بعدَ ذلكَ رجعوا إلى فلسطين وأمدَّهم اللهُ بالأموالِ والبنين وجعلَهم أكثرَ نفيراً.
والمرّةُ الثانيةُ بعدَ خمسمائة سنةٍ سلَّطَ اللهُ عليهم ملكَ الرّومِ تيطس فأذلَّهم وقتلَ مليون نسمة مِنهم، ثمَّ صاروا مِن بعدِ ذلكَ أكثرَ نفيراً فمِن نسلِهم بنو قُريظة، وبنو قُينقاع، وبنو النّضير وغيرهم، فكِلتا المرّتينِ كانَت قبلَ الإسلامِ الميزان 13/44 الكاشفُ 5/20 الأمثل 7/232
والرواياتُ الشريفةُ جعلَت مِن مصاديقِ هذهِ الآيةِ أئمّةَ الهُدى – عليهم السَّلام – ففي الكافي بسندِه عَن أَبِي عَبدِ اللَّه – عليهِ السلام - فِي قَولِه تَعَالى : ( وقَضَينا إِلى بَنِي إِسرائِيلَ فِي الكِتابِ لَتُفسِدُنَّ فِي الأَرضِ مَرَّتَينِ ) *قَالَ قَتلُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ –عليهِ السلام - وطَعنُ الحَسَنِ –عليهِ السلام - ( ولَتَعلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ) قَالَ قَتلُ الحُسَينِ –عليهِ السلام - ( فَإِذا جاءَ وَعدُ أُولاهُما ) فَإِذَا جَاءَ نَصرُ دَمِ الحُسَينِ –عليهِ السَّلام - ( بَعَثنا عَلَيكُم عِباداً لَنا أُولِي بَأسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ) قَومٌ يَبعَثُهُمُ اللَّه قَبلَ خُرُوجِ القَائِمِ –عليهِ السلام - فَلَا يَدَعُونَ وَتراً لآِلِ مُحَمَّدٍ إِلَّا قَتَلُوه ( وكانَ وَعداً مَفعُولاً ) خُرُوجُ القَائِمِ –عليهِ السلام - ( ثُمَّ رَدَدنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيهِم ) خُرُوجُ الحُسَينِ –عليهِ السلام - فِي سَبعِينَ مِن أَصحَابِه عَلَيهِمُ البَيضُ المُذَهَّبُ لِكُلِّ بَيضَةٍ وَجهَانِ المُؤَدُّونَ إِلَى النَّاسِ أَنَّ هَذَا الحُسَينَ قَد خَرَجَ حَتَّى لَا يَشُكَّ المُؤمِنُونَ فِيه وأَنَّه لَيسَ بِدَجَّالٍ ولَا شَيطَانٍ والحُجَّةُ القَائِمُ بَينَ أَظهُرِهِم - فَإِذَا استَقَرَّتِ المَعرِفَةُ فِي قُلُوبِ المُؤمِنِينَ أَنَّه الحُسَينُ –عليهِ السلام - جَاءَ الحُجَّةَ المَوتُ فَيَكُونُ الَّذِي يُغَسِّلُه ويُكَفِّنُه ويُحَنِّطُه ويَلحَدُه فِي حُفرَتِه - الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ - عليهما السلام - ولَا يَلِي الوَصِيَّ إِلَّا الوَصِي.
اترك تعليق