ما هي الأعمال التي تؤهلنا لنكون من أنصار الإمام المهدي؟

: الشيخ علي محمد عساكر

الجوابُ المُفصّل:

مِن أعظمِ صفاتِ الإنسانِ المؤمن: الذوبانُ الكاملُ في حبِّ الإمامِ المهدي وعشقِه، والشوقُ الدائمُ للتشرّفِ برؤيتِه ونُصرته، وهوَ حبٌّ كبيرٌ وشوقٌ عظيمٌ نابعٌ مِن معرفةِ عظمةِ الإمام وعظمةِ الدورِ الذي سيقومُ به في مواصلةِ مسيرةِ الأنبياءِ الكرام، وهو أيضاً ما دعَتنا إليه، وربّتنا عليه الأحاديثُ والأدعية، كما في دعاءِ العهد، ودعاءِ زمنِ الغيبة، ودعاءِ الندبةِ الذي جاءَ فيه: (مَتى تَرانا وَنَراكَ وَقَدْ نَشَرتَ لِواءَ النَّصرِ، تُرى أتَرانا نَحُفُّ بِكَ وَاَنتَ تَؤمُّ الْمَلأ، وَقَد مَلأْتَ الأرضَ عَدلاً، وَأذَقتَ أعداءَكَ هَواناً وَعِقاباً، وَأبَرتَ العُتاةَ وَجَحَدَت الحَقِّ، وَقَطَعتَ دابِرَ الْمُتَكَبِّرينَ، وَاجتَثَثتَ أصُولَ الظّالِمينَ) وفيهِ

أيضاً: (بِنَفسِي أَنتَ أُمنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى، مِن مُؤمِنٍ وَمُؤمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنّا) وهو خطابٌ أو مناجاةٌ للإمامِ المهدي، تعبّرُ عمّا يختلجُ في قلوبِ المؤمنينَ مِن حبٍّ صادقٍ له، وشوقٍ عظيمٍ لرؤيتِه ونُصرته، وافتدائِه بالنفسِ والولدِ وكلِّ شيء.

وهذه الأمنيةُ الغاليةُ لدى كلِّ مؤمنٍ صادقِ الإيمان، متشوّقٍ لدولةِ الحقِّ الكريمة، التي يعزّ اللهُ بها الإسلامَ وأهله، ويذلُّ النفاقَ وأهله، ويجعلُه فيها منَ الدّعاةِ إلى طاعتِه، والقادةِ إلى سبيله، ويرزقُه بها كرامةَ الدّنيا والآخرة، ليسَت صعبةَ المنال كما قد يتصوّرُ البعض، بل في إمكانِ كلِّ مؤمنٍ أن يحظى بها وينالها متى وطّدَ علاقتَه بالإمامِ المهدي، وجعلَ الأملَ برؤيتِه ونصرتِه هدفاً من أهدافِه السامية في الحياة، وخطّطَ تخطيطاً صحيحًا لبلوغه، وعمل َجاهداً وبكلِّ همّةٍ وعزيمةٍ على تحقيقه، وقامَ بتذليلِ كلِّ عقبةٍ يمكنُ أن تعترضَ سلوكَه هذا الطريق، وتحقيقَ ذلكَ الهدفِ المنشود، وهو يردّدُ قولَ أبي الطيّب المتنبي:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ.....وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها.....وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

@ الأعمالُ التي تؤهّلنا لنكونَ منَ الأنصار:

أهمُّ الأعمالِ التي يمكنُ أن تؤهّلنا لنكونَ مِن أنصارِ الإمام المهديّ هي أن نتعرّفَ على صفاتِ أنصارِه المذكورة في الرواياتِ والأخبارِ ونتحلّى بها، وكذا المواظبةُ على الأعمالِ التي أكّدَت الأحاديثُ أنَّ المواظبةَ عليها توّفقُ الإنسانَ ليحظى بشرفِ نُصرته، ولا بأسَ أن نشيرَ إلى بعضها:

أوّلاً/ صفاتُ أنصارِ الإمامِ المهدي:

ليسَ كلُّ إنسانٍ مؤهّلاً لنيلِ شرفِ أن يكونَ من أنصارِ الإمامِ المهدي، ما لم يكُن مُتّصفاً بصفاتِهم العظيمة، ولذا فمنَ المهمِّ جدّاً أن يتعرّفَ الإنسانُ المؤمنُ على تلكَ الصفات، ويتحلّى بها ما استطاعَ إلى ذلك سبيلاً، ومِن بينِ تلكَ الصفاتِ المذكورةِ في الأخبارِ والروايات:

1. قوّةُ الإيمان:

وهوَ ما أشارَ إليه الإمامُ الصّادق بقولِه مِن جملةِ حديثٍ في وصفِهم وبيانِ صفاتهم كما في بحارِ الأنوار، ج52ص306-307: (رجالٌ كأنَّ قلوبَهم زبرُ الحديد، لا يشوبها شكٌّ في ذاتِ الله، لو حملوا على الجبالِ لأزالوها...).

وهنا يجبُ أن نلاحظَ كيفَ ربطَ الإمامُ بينَ قوّةِ الإيمان وصدقِ الجهادِ والنصرة، وهذا طبيعيٌّ جدّاً، لأنَّ الإيمانَ هو المحرّكُ للإنسان، والدافعُ له نحوَ الجدِّ والعمل، فإنَّ مَن يؤمنُ بقضيّةٍ ويعتقدُ بأهمّيّتِها يتفاعلُ معها تفاعلاً كبيراً، ويعطيها كلَّ وقتِه وجهده، ويكونُ مُستعدّاً حتّى للتضحيةِ بنفسه في سبيلها، عكسَ مَن لا يؤمنُ بتلكَ القضيّة ولا يعتقدُ صحّتَها، فإنّه لن يوليها أيَّ شيءٍ منَ العنايةِ والاهتمام، بل ربّما وقفَ في وجهها وحاربَها بكلِّ قوّة، ولذا مَن يريدُ أن يكونَ مِن أنصار الإمام المهدي فعليه ألّا يجعلَ الإيمانَ مجرّدَ شعارٍ وهويّة، بل يجبُ أن يتقّمصَه ويتلبّسَ به، ويجسّدَه عمليّاً في حياته، ولذا لابدَّ أن نعملَ على تقويةِ إيمانِنا وترسيخِ عقيدتنا بالله وبالإمام المهديّ، لنتفاعلَ معه، ونكونَ مستعدّينَ لنُصرته، على أملِ أن نحظى بذلكَ الشرفِ والتوفيق.

2. كثرةُ العبادة:

وقد أشارَ الإمام الصادقُ أيضاً إلى ذلكَ بقولِه في حديثه آنفِ الذكر: (رجالٌ لا ينامونَ الليل، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويّ النحل، يبيتونَ قياماً على أطرافهم، ويصبحونَ على خيولهم، رهبانٌ بالليل، ليوثٌ بالنهار...).

وكما نعلم فإنَّ العبادةَ ليسَت مجرّدَ طقوسٍ فارغة، بل هيَ منهجٌ تربويٌّ متكامل، تبني الإنسانَ، وتنقّي قلبَه، وتزكّي نفسَه، وتطهّرُها منَ الشوائبِ والأدران، ليصبحَ الإنسانُ ملاكاً طاهراً يمشي على الأرض، فيتجرّدُ من عالمِ المادّةِ ليعرج -بروحِه وقلبه- إلى عالمِ الملكوت، وينفتحَ على الغيبِ ويتّصلَ بالله، فتصغرُ الدّنيا في عينه، وتكبرُ الآخرة في نفسِه، فلا يكونُ له همٌّ إلّا أن يكونَ مع الله في كلِّ حالاته، لذلكَ ربطَ الإمامُ الصادقُ بينَ العبادةِ والشجاعة في وصفِه لأنصارِ الإمامِ المهدي، فهم رهبانُ الليلِ في العبادة، سِمتُهم الذلّةُ والخضوعُ بحضرةِ المولى العظيم سبحانَه وتعالى، لكنّهم ليوثُ النهار في الحربِ والجهاد في سبيلِ الله، ونصرة ِوليّه الذي ادّخرَه لنُصرةِ دينه، وما كانوا ليكونوا كذلكَ لولا كثرةُ عبادتِهم، التي وطّدَت علاقتَهم بربّهم، فاستمدّوا منه العزمَ والصبرَ والتضحيةَ والجهاد، ومَن يريد أن يكونَ منهم ومعهم فعليه أن يتّصفَ بصفاتهم التي منها كثرةُ العبادة، شريطةَ أن تكون بوعي وصدقٍ وإخلاص، وإقبالٍ كاملٍ على الله بكلِّ جوارحِه وأحاسيسِه.

3. الطاعةُ والتسليمُ للإمام:

كما قالَ الإمامُ الصّادق عليهِ السلام في الحديثِ نفسه: (هُم أطوعُ له منَ الأمةِ لسيّدها).

ومِن نافلةِ القول: إنّه لن يتمكّنَ الإنسانُ أن يكونَ ناصراً لإمامِ الزمان ما لم يكُن له طائعاً، لأمرِه مسلّماً، لاستحالةِ أن تتحقّقَ النصرةُ مع معصيتِه وعدمِ التسليمِ لأمرِه.

وهذا مع ملاحظةِ أنَّ أنصارَ الإمام ليسوا في مرتبةٍ واحدة مِن حيثُ الفضل والمقام، بل هُم درجاتٌ حسبَ درجاتِهم الإيمانيّةِ والعلميّةِ وغيرها، وتوطينُ النفسِ على طاعتِه والتسليمِ له، ليسَ فقط يؤهّلُ الإنسانَ ليكونَ مِن أنصاره، بل يرفعُه ليكونَ مِن عبادِ اللهِ المُخلصين، كما في الحديثِ عن صادقِ القولِ والعمل كما في ص357 من كمالِ الدينِ وتمامِ النعمة: (طوبى لشيعةِ قائمِنا، المُنتظرينَ لظهورِه في غيبتِه، المُطيعين له في ظهورِه، أولئكَ أولياءُ الله الذينَ لا خوفَ عليهم ولا هم يحزنون)، وممّا يساعدُنا على توطينِ أنفسنا على الطاعةِ والتسليم، أن نتعمّقَ في معرفةِ مقامِه العظيم، وأنهّ عجّلَ اللهُ فرجَه خليفةُ الله في أرضِه، وحجّتُه على خلقه، وحلقةُ الوصل بينَنا وبينَه تعالى، فهو سيّدُنا وإمامُنا وقائدنا الذي له حقُّ الطاعةِ علينا، وواجبُنا التسليمُ له.

ومن فوائدِ هذه المعرفة: أنّها تهدي الإنسانَ وتعصمُه منَ الضلال، كما في دعاءِ زمنِ الغيبة: (اللهمَّ عرّفني نفسَك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسَك لم أعرِف رسولك، اللهمَّ عرّفني رسولَك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولَك لم أعرِف حجّتك، اللهمَّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتَك ضللتُ عن ديني)، وهذه المعرفةُ ليست فقط تؤهّلُ المؤمنَ ليكونَ مِن أنصارِه، بل تجعلهُ مِن رفقائِه في فسطاطه، وبمنزلةِ المُجاهدين بينَ يدي رسول الله، ففي الحديثِ عن الإمامِ الباقر كما في ج52ص142 مِن بحارِ الأنوار: (...مَن ماتَ وهو عارفٌ لإمامِه كانَ كمنَ هوَ مع القائمِ في فسطاطه)، وفي ج1ص432-433 من أصولِ الكافي: سألَ الفضيلُ بنُ يسار أبا عبدِ الله عن قولِ الله تعالى في الآية (71) مِن سورةِ الإسراء: {يَومَ نَدعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِم}، فقال: (...مَن عرفَ إمامَه ثمَّ ماتَ قبلَ أن يقومَ صاحبُ هذا الأمر، كانَ بمنزلةِ مَن كان قاعداً في عسكرِه، لا. بل بمنزلةِ مَن قعدَ تحتَ لوائه، قالَ: وقال بعضُ أصحابه: بمنزلةِ مَن استشهدَ مع رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله).

4. تمنّي الشهادةِ بينَ يديه:

وهي صفةٌ عظيمةٌ من صفاتِ أنصاره، كما قالَ الإمامُ الصّادق في وصفِهم في الحديثِ المُشار إليه فيما مضى: (يدعونَ بالشهادة، ويتمنّونَ أن يُقتلوا في سبيل الله...)، لذلكَ ينبغي لمَن يريدُ أن يكونَ مِن أنصارِه عجّلَ اللهُ فرجه أن يكونَ مُستأنساً بالموتِ استئناسَ الطفلِ بمحالبِ أمّه، وهذا ما لا يمكنُ أن يكونَ ما لم يهيّئ الإنسانُ نفسَه ليكونَ باذلاً في فداءِ إمامِه مُهجته، راغباً في لقاءِ ربّه، لا يبالي أن يموتَ محقّاً، بل لا يرى الموتَ إلّا سعادةً، والحياةَ مع الظالمين إلّا برماً.

وممّا يؤهّلُ الإنسانَ ليصلَ إلى هذا المقامِ والاستعداد، أن يفتتحَ كلَّ يومٍ مِن أيّامِه بتجديدِ البيعةِ للإمامِ المهدي، وإعطائِه العهدَ بالثباتِ عليها، وعدمِ التحوّلِ عنها، تماماً كما في دعاءِ العهد: (اللّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبيحةِ يَومِي هذا وَما عِشتُ مِن أيّامِي عَهداً وَعَقداً وَبَيعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لا أَحُولُ عَنها وَلا أَزُولُ أَبَداً)، فإنَّ افتتاحَ كلِّ يومٍ بقراءةِ دعاءِ العهد، وتجديدِ البيعةِ للإمامِ المهدي، يشعرُنا بوجودِه وحضورِه، كما يقوّي عقيدَتنا بإمامتِه وقيادتِه، ويحقّقُ لنا الثباتَ على ولايته، وعدمَ التحوّلِ عن بيعته، ممّا يؤهّلنا إلى أن نكونَ من أنصارِه ومقوّيةِ سلطانِه، ومعَ تجديد البيعةِ والولاءِ كلَّ يوم، منَ المهمِّ جدّاً الإكثارُ من الدعاءِ بأن نوفّقَ لنُصرته، كما في دعاءِ العهد: (اللّهُمَّ اجعَلنِي مِن أَنصارِهِ وَأَعوانِهِ، وَالذَّابِّينَ عَنهُ، وَالمُسارِعِينَ إِلَيهِ فِي قَضاء حَوائِجِهِ، وَالمُمتَثِلِينَ لأَوامِرِهِ، وَالمُحامِينَ عَنهُ، وَالسَّابِقِينَ إِلى إِرادَتِهِ، وَالمُستَشْهَدِينَ بَينَ يَدَيهِ)، وفي زيارةِ عاشوراء: (بأَبِي أَنتَ وَاُمِّي، لَقَد عَظُمَ مُصابِي بِكَ، فَأَسأَلُ الله الَّذِي أَكرَمَ مَقامَكَ، وَأَكرَمَنِي بك، أَن يَرزُقَنِي طَلَبَ ثأرِكَ مَعَ إِمامٍ مَنصُورٍ مِن أَهلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ)، ولاحظوا كيفَ أكّدَت الزيارةُ على أنَّ مصابَ الإمامِ الحُسين هو مُصابنا، وهذا له قيمتُه الدينيّة، وأهمّيّته الإيمانيّة، لأنّه يربطُنا بسيّد الشهداء عقائديّاً، ويؤكّدُ مسؤوليّتنا في الأخذِ بثأره، ممّا ينمّي فينا الروحَ المعنويّة لنُصرةِ ولدِه الطالبِ بثأره.

ويجبُ أن يصلَ الإلحاحُ في الدعاء بأن نكونَ مِن أنصارِه إلى حدِّ أن نسألَ اللهَ في حالِ قضى علينا بالموتِ قبلَ ظهورِه أن يعيدَنا إلى الحياةِ لنُصرته، كما في دعاءِ العهد: (اللّهُمَّ إِن حالَ بَينِي وَبَينَهُ المَوتُ الَّذِي جَعَلتَهُ عَلى عِبادِكَ حَتماً مَقضِيّاً، فَأخرِجنِي مِن قَبرِي، مُؤتَزِراً كَفَنِي، شاهِراً سَيفِي، مُجَرِّداً قَناتِي، مُلَبِّياً دَعوَةَ الدَّاعِي فِي الحاضِرِ وَالبادِي)، ففي الحديثِ عن الصادقِ كما في ج1ص459

من كتابِ مكيالِ المكارم في فوائدِ الدّعاءِ للقائم: (ما مِن مؤمنٍ يتمنّى خدمةَ المهدي، ويدعو لتعجيلِ فرجِه، إلا أتاهُ آتٍ على قبرِه، وناداهُ باسمِه: يا فُلان، قد ظهرَ مولاكَ صاحبُ الزمان، فإن شئتَ فقُم واذهَب إلى صاحبِ الزمان، وإن شئتَ فنَم إلى يومِ القيامة، فيرجعُ خلقٌ كثير، ويولدُ لهم مِن نسلِهم بنون).

وبهذا الحديثِ المُبارك نختمُ حديثنا عن تلكَ الصفاتِ العظيمةِ المذكورِة لأصحابِه العظام، وأنصارِه الكرام، والتي ينبغي لمَن يأمل أن يكونَ منهم أن يطّلعَ عليها وعلى غيرها ممّا هوَ على شاكلتها، ويجتهدَ في التحلّي بها.

ثانياً/ المواظبةُ على الأعمالِ المؤهّلةِ لنكونَ مِن أنصاره:

وأمّا الأعمالُ التي ينبغي لمَن يأملُ أن يكونَ مِن أنصارِ الإمام المهدي أن يهتمَّ بها، ويحافظَ عليها، فكثيرةٌ، ومنها:

1. تزكيةُ النفس:

فمِن جملةِ حديثٍ عن الإمامِ الصادق كما في ج52ص140 منَ البحار: (مَن سرّهُ أن يكونَ مِن أصحابِ القائم فلينتظِر، وليعمَل بالورعِ ومحاسنِ الأخلاق، وهو مُنتظر، فإن ماتَ وقامَ القائمُ بعدَه، كان له منَ الأجرِ مثلُ أجر مَن أدركه، فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابةُ المرحومة) ، فالنفسُ ـبطبعِهاـ أمّارةٌ بالسّوء، ميّالةٌ إلى اللهو، مفتونةٌ بالشهوات، فإن لم يهتمَّ الإنسانُ بها، ويقُم بتربيتِها تربيةً طيّبةً فاضلةً، ويعوّدها على اكتسابِ محاسنِ الآداب، ومكارمِ الأخلاق، فإنّها ستنحرفُ عن الجادّة، وتحيدُ عن الفطرة، وسيتحوّلُ صاحبُها إلى حيوانٍ أبله، لا يعقلُ ولا يشعُر، ولا يفكّر إلّا في نفسِه وغرائزِه وشهواتِه، وحينَها لن يكونَ مؤهّلاً لنُصرةِ الإمامِ المهدي، ليسَ فقط لأنَّ الإمامَ لن يقبلَهُ ليكونَ مِن جندِه وأنصارِه، بل هوَ نفسُه لن تكونَ لديه القابليّة ليكونَ مِن أنصاره، بل قد يتجاوزُ ذلكَ ليصبحَ مِن أعدائِه ومحاربيه، ولذا لابدَّ لمَن يريدُ أن يكونَ مِن أنصاِره أن يتخلّقَ بأخلاقه، ويتأدّبَ بآدابه عجّلَ اللهُ فرجه، وذلكَ مِن خلالِ تربيتِه لنفسه، وتزكيتِها عن طريقِ التحلّي بالفضائلِ والتخلّي عن الرّذائل، ليكونَ قرآناً يمشي على الأرضِ مِن خلالِ تطبيقِه العمليّ لكلِّ تعاليمِ القرآنِ الكريم، الذي هوَ في كلِّ شيءٍ يهدي للتي هيَ أقوم.

2. استشعارُ حضوره:

لا يكفي أن نعتقدَ فقط بوجودِ الإمامِ المهدي، بل يجبُ أن نستشعرَ حضورَه بيننا، وتواجدَه معنا، واطّلاعَه علينا، ومراقبتَه لأعمالنا، فها هوَ عجّلَ الله فرجه يقولُ كما في ص497 من الاحتجاج : (نحنُ وإن كنّا نائينَ بمكاننا النائي عن مساكنِ الظالمين حسبَ الذي أراناه اللهُ تعالى لنا منَ الصلاح، ولشيعتِنا المؤمنينَ في ذلك ما دامَت دولةُ الدّنيا للفاسقين، فإنّا يحيطُ علمُنا بأنبائِكم، ولا يعزبُ عنّا شيءٌ مِن أخبارِكم، ومعرفتُنا بالزللِ الذي أصابَكم، مُذ جنحَ كثيرٌ منكم إلى ما كانَ السلفُ الصالحُ عنه شاسعاً، ونبذوا العهدَ المأخوذَ منهم وراءَ ظهورِهم كأنّهم لا يعلمون). ومِن ثمراتِ الشعورِ بذاكَ الحضور أنّه يقوّي الرابطةَ بينَنا وبينَه، ويدفعُنا إلى تربيةِ أنفسِنا وترويضِها بالتقوى، كما أنّه يقضي على ما في أنفسِنا منَ اليأسِ والقنوط، ويمنحُنا التفاؤلَ والأملَ بأنّه لابدّ أن يأتي يومٌ تشرقُ فيه الأرضُ بنور ربّها، فيظهرُ الحقُّ ويزهقُ الباطل، ممّا يدفعنا إلى مضاعفةِ الجهدِ في العملِ على التمهيدِ له ولظهورِه، والأملُ يحدونا بأن نكونَ مِن أنصارِه وأعوانه.

3. تقويةُ الرابطةِ به:

ففي حديثِ الإمامِ الباقر حولَ الآية (200) مِن سورةِ آلِ عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ}، قالَ عليهِ السلام كما في ج2ص149 من البرهان في تفسير القرآن: (اصبروا على أداءِ الفرائض، وصابروا عدوّكم، ورابطوا إمامَكم المنتظر)، فيجبُ أن نرابطَ الإمامَ المهدي، ونقوّي علاقتَنا به، وننفتحَ عليه لنراهُ بعينِ القلب والبصيرة، إلى أن نصلَ في علاقتنا به إلى مستوى علاقةِ الوصيّ بالنبيّ، والتي وصفَها بقوله عليهِ السلام كما في شرحِ نهجِ البلاغة لابن أبي الحديد، ج5ص946، الحكمة (625): (أنا مِن رسولِ الله كالعضدِ منَ المنكب، وكالذراعِ منَ العضد، وكالكفِّ منَ الذراع، ربّاني صغيراً، وآخاني كبيراً)، فالإمامُ المهدي يرانا ويرعانا رعايةً أبويّة، وهو القائلُ عجّلَ اللهُ فرجَه كما في ص497-498 منَ الاحتجاج: (إنّا غيرُ مُهملينَ لمُراعاتكم، ولا ناسينَ لذكركم، ولولا ذلك لنزلَ بكم اللأواء (البلاء) واصطلمَكم الأعداء، فاتّقوا اللهَ جلَّ جلاله، وظاهرونا على انتياشِكم مِن فتنةٍ قد أنافَت عليكم، يهلكُ فيها مَن حمّ أجله، ويحمى عليهِ مَن أدركَ أمله، وهيَ أمارةٌ لأزوف حركتِنا ومباثّتِكم بأمرِنا ونهينا، واللهُ متمٌّ نورَهُ ولو كرهَ المشركون)، ويجبُ أن نستشعرَ هذه الرعايةَ الأبويّة، ونكونَ له أبناءَ بارّين، وبوصاياه ومظاهرتِه بالتمهيدِ لظهورِه عاملين، فإنَّ ذلكَ مِن أهمِّ عواملِ التوفيقِ لنُصرته عجّلَ اللهُ فرجه.

4. الإكثارُ منَ الدعاءِ له:

وهو ما حثّنا عليه الإمامُ المهدي نفسُه بقوله كما في بحارِ الأنوار، ج53ص183-184: (وأكثروا منَ الدّعاءِ بتعجيلِ الفرج، فإنّ في ذلكَ فرجكم)، ومنَ الأدعيةِ التي يجبُ المواظبةُ عليها: (دعاءُ النّدبة، ودعاءُ زمنِ الغيبة، ودعاءُ الفرج، ودعاءُ العهد) الذي رويَ عن الإمامِ الصادقِ أنَّ (مَن دعا إلى اللهِ تعالى بدعاءِ العهدِ أربعينَ صباحاً بهذا العهد، كانَ مِن أنصارِ قائمِنا، فإن ماتَ قبله، أخرجَه الله مِن قبرِه، وأعطاهُ بكلِّ كلمةٍ ألفَ حسنةٍ، ومحا عنه ألفَ سيّئة)، وإنّما يخرجُه الله مِن قبرِه ليجعلَهُ مِن أنصارِ صاحبِ العصر وإمامِ الزمان عليهِ السلام.

وممّا نجنيه مِن كثرةِ الدّعاء له: تقويةُ اليقينِ بوجودِه وحضورِه، والثباتُ على ولايتِه وإمامتِه، وتربيةُ أنفسنا مِن خلالِ التأثّرِ بمضامينِ تلكَ الأدعيةِ العظيمة، مماّ يؤهّلنا لنكونَ مِن أنصارِه، بل ومِن أصحابِ المراتبِ العاليةِ والمقاماتِ الساميةِ في دولتِه الكريمة، كما أنَّ ذلكَ يحقّقُ الاستجابةَ الإلهيّةَ في تعجيلِ ظهورِه، وبسطِ سلطانه على كلِّ أرجاءِ المعمورة، ليملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ على محمّد وآله الطيّبينَ الطاهرين.