الأدلة على الخلافة بين السنة والشيعة
بالنّسبةِ لخلافةِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم، البعضُ يقولُ أنَّ أحقَّ الناسِ بخلافةِ النبي هوَ أبو بكر، وبعضٌ آخرُ يقول: الأحقُّ هو عليّ ع ، ما هيَ أدلّةُ كلِّ فريق ؟
الجوابُ :
الفريقُ الذي يذهبُ إلى أنَّ أبا بكرٍ أحقُّ بالخلافةِ هُم جمهورُ أهلِ السنّةِ والجماعة، وهُم يذكرونَ بعضَ الأدلّةِ على ذلك : كالذي يروونَه أنَّ النبيَّ حينَما كانَ مريضاً أمرَ أبا بكرٍ أن يُصلّي بالنّاس ، أو ما رووهُ أنَّ إمرأةً جاءَت إلى النبيّ فسألَته، ثمَّ قالت: إن لم أجِدك فلمَن أرجع؟ فقالَ : إلى أبي بكر .
فاستدلّوا مِن هاتينِ الحادثتينِ أنَّ فيهما دلالةٌ على أنَّ أبا بكرٍ هو خليفةُ النبي!
وليسَ الأمرُ كما ظنّوا.
فالمُسلمونَ كانوا يصلّونَ وراءَ بعضِهم، وإمامةُ الصلاةِ تجوزُ عندَ الجمهورِ للمؤمنِ والفاسق، أمّا الإمامةُ الكُبرى فلا يكونُ الخليفةُ فيها إلّا عادلاً، قالَ الماورديّ في الأحكامِ السلطانيّةِ والولاياتِ الدينيّة، ص 7 : ( وَأَمَّا أَهلُ الإِمَامَةِ فَالشُّرُوطُ المُعتَبَرَةُ فِيهِم سَبعَةٌ : أَحَدُهَا : العَدَالَةُ عَلَى شُرُوطِهَا الجَامِعَة)
بهذا يتبيّنُ أنَّ قياسَ إمامةِ الصّلاةِ على الخلافةِ أو إمامةِ المُسلمين السياسيّة هوَ قياسٌ فاسدٌ غيرُ صحيح .
أمّا سؤالُ المرأةِ إلى مَن ترجعُ لو افترَضنا صحّتَه، فلعلَّ النبيَّ أرجعَها لأبي بكرٍ لكونِ أبي بكرٍ مُطّلعاً على شأنِ هذهِ المرأةِ وربّما على خصوصيّاتِها ، فكانَ أقدرَ مِن غيرِه على إجابةِ أسئلتِها أو حاجاتِها، وربّما كانَ حاضراً وقتَ سؤالِ المرأة.
ومعَ قيامِ هذين الاحتمالين يبطلُ الاستدلالُ بالحادثةِ المزعومةِ على أحقيّةِ أبي بكرٍ بالخلافة.
ثمَّ إنَّ تمكّنَ شخصٍ مِن قضاءِ حوائجِ امرأةٍ أو الإجابةِ على أسئلتِها، لا يعني هذا أنّه مؤهّلٌ للإمامةِ العُظمى التي هي رئاسةٌ في أمورِ الدينِ والدّنيا.
ولو كانَ النبيّ أشارَ لأن يكونَ أبو بكرٍ هوَ الخليفةُ مِن بعدِه للزمَ أن يُفصحَ عن ذلكَ للجميعِ حتّى لا يكونَ هناكَ شقاقٌ وخلاف.
ولو نصَّ عليهِ النبيّ نصّاً خفيّاً كما يقولونَ لكانَ الإمامُ عليّ ع أعلمَ الناسِ بذلكَ ولمَا تأخّرَ عن بيعةِ أبي بكرٍ ستّةَ شهورٍ كما في صحيحِ البُخاري، ولَما ماتَت الزهراءُ ع غاضبةً ولم تبايعه !
وفيما أوردناهُ مِن مناقشةِ أدلّتِهم كفايةٌ للّبيب، ولأنَّ السؤالَ لم يتوجَّه إلى ترجيحِ الأدلّةِ فلن نسترسلَ في بيانِ بطلانِ تلكَ الأدلّة.
أمّا الفريقُ الثاني وهُم الشيعة ، فقد استدلّوا بأدلّةٍ اتّفقَ الفريقانِ السنّةُ والشيعةُ على صحّتِها وثبوتِها ، بخلافِ أدلّةِ الفريقِ الأوّل حيثُ انفردوا بأدلّتِهم، لهذا صارَت حُجّةُ الشيعةِ أقوى.
مِن تلكَ الأدلّة :
حديثُ الغدير وهوَ قولُ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم : ( مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه) وهذا الحديثُ رواهُ 110 منَ الصحابةِ وهوَ صحيحٌ متواترٌ اعترفَ بصحّتِه وتواترِه السنّة، منهم الشيخُ الألبانيّ في سلسلةِ الأحاديثِ الصحيحة ، ج4 حديث رقم 1750.
أمّا دلالةُ الحديثِ فهيَ واضحةٌ لمَن كشفَ عن عينيهِ التعصّبَ، فكلمةُ مولى تعني أولى وذلكَ لقولِ النبيّ في ابتداءِ كلاِمه: (ألستُم تعلمونَ أنّى أولى بالمؤمنينَ مِن أنفسِهم قالوا بلى. قالَ ألستُم تعلمونَ أنّي أولى بكلِّ مؤمنٍ مِن نفسِه. قالوا بلى قالَ فأخذَ بيدِ عليٍّ فقالَ مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه) مسندُ أحمد ج 4 - ص 281.
أي مَن كنتُ أولى به مِن نفسِه فعليٌّ أولى به مِن نفسِه، فهوَ واجبُ الطاعة، وهذا مقامٌ أعلى مِن مقامِ الخلافةِ السياسيّة.
ومنَ النّصوصِ الصريحةِ في دلالتِها التي استدلَّ بها الشيعةُ ما رواهُ ابنُ أبي عاصمٍ في كتابِ السنّة ص 551 : ( عن ابنِ عبّاس قالَ : قالَ رسولُ الله ( صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ) لعليّ : أنتَ منّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنّكَ لستَ نبيّاً ( إنّه لا ينبغي أن أذهبَ إلّا ) وأنتَ خليفتي في كلِّ مؤمنٍ مِن بعدي ) وهوَ حديثٌ حسنٌ عندَ الألبانيّ، فراجِع تعليقاتِه على كتابِ السنّة .
وروى أحمدُ بنُ حنبل قولَ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم لعليٍّ ع : ( أما ترضى أن تكونَ منّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنّكَ لستَ بنبيٍّ إنّهُ لا ينبغي أن أذهبَ إلّا وأنتَ خليفتي قالَ وقالَ له رسولُ الله أنتَ وليي في كلِّ مؤمنٍ بعدي) مُسندُ الإمامِ أحمد بنِ حنبل، ج ١، ص ٣٣١. وهذا الحديثُ صحّحَه أحمد شاكر .
إنَّ الأحاديثَ على خلافةِ الإمامِ عليّ ع كثيرةٌ قد تناولَها علماءُ الشيعةِ بمجلّداتٍ عديدةٍ ، لا يسعُ المقامُ لعرضِها جميعاً، فليرجِع السائلُ إلى كتابِ الغديرِ وعبقاتِ الأنوارِ وغيرِهما.
اترك تعليق