زيارة الحسين (ع) واجبة أم مستحبة؟

كامل الزيارات لابن قولويه: ص٢٣٦، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع)، قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع)، فإن إتيانه مفترَض على كل مؤمن يُقِرُّ للحسين (ع) بالإمامة من الله (عز وجل)». هل الافتراض هنا يعني الوجوب؟ أم له معنى آخر؟

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

أولاً: هذه الرواية أخرجها ابن قولويه في الكامل: ب٤٣ ص٢٣٦ ح٣٥١-١، بسند موثق. ومن طريقه رواها: المفيد في المزار: ب٩ ص٢٦ ح١، والمشهدي في المزار: ق٤ ب٣ ص٣٤٠ ح٢، باللفظ الذي في السؤال.

وأخرجها الصدوق في الفقيه: ج٢ ص٥٨٢ ح٣١٧٧، والأمالي: م٢٩ ص٢٠٦ ح٢٢٦-١٠، بسند موثق، ولفظ آخر، عن الإمام الباقر (ع) قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي (ع)، فإن زيارته تدفع الهَدْمَ والغَرَقَ والحَرْقَ وأكْلَ السَّبُع، وزيارته مفترَضة على من أقرَّ للحسين بالإمامة من الله (عز وجل)».

وأخرجها ابن قولويه في الكامل: ب٦١ ص٢٨٤ ح٤٥٦-١، بسند صحيح، ولفظ آخر، عن الإمام الباقر (ع) قال: «مُرُوا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع)، فإن إتيانه يزيد في الرزق، ويمدُّ في العمر، ويدفع مدافع السُّوء، وإتيانه مفترَض على كل مؤمن يُقِرُّ للحسين بالإمامة من الله». وأخرجها الطوسي في التهذيب: ج٦ ب١٦ ص٤٢ ح٨٦-١، بسند موثق.

النتيجة: هذه الرواية معتبرة بكافة صياغاتها.

ثانياً: أجمع علماء الشيعة قاطبة ـ قديماً وحديثاً ـ على أن زيارة الإمام الحسين (ع) مطلوبة شرعاً قطعاً.

بدليل: الروايات المتواترة الحاثة على زيارته (ع)، واستمرار واستقرار سيرة الشيعة على زيارته (ع) من زمن الأئمة (ع).

ولكن وقع النقاش بينهم في تحديد هذه المطلوبية:

• هل هي بمستوى الاستحباب؟

• أو هي بمستوى الوجوب؟

والوجوب: هل هو ..

• عيني: بمعنى أنه يجب على جميع المؤمنين؟

• أو كفائي: أي إذا فعله البعض سقط عن الكل؟

لكلِّ رأي ذهب جماعة من علماء الشيعة ..

١- فممَّن ذهب إلى وجوب زيارته (ع) عيناً:

• ابن قولويه في الكامل: ب٤٣ ص٢٣٦.

• والمفيد في المزار: ب٩ ص٢٦، وب١٠ ص٢٨. وقال: «قد جاءتْ رواياتٌ كثيرةٌ في فضل زيارته (ع) بل في وجوبها»، الإرشاد: ج٢ ص١٣٣.

• والمشهدي في المزار: ق٤ ب٣ ص٣٣٩.

• وابن حاتم الشامي في الدُّر النظيم: ص٥٧٢، وقال بمثل عبارة المفيد المتقدمة.

• والإربلي في كشف الغمة: ج٢ ص٢٥١، ونقل نفس عبارة المفيد المتقدمة.

• والمجلسي ووالده، قال في البحار: ج١٠١ ص١٠ ح٣٧، «اعلم، أن ظاهر أكثر أخبار هذا الباب، وكثير من أخبار الأبواب الآتية: وجوب زيارته (صلوات الله عليه)، بل كونها من أعظم الفرائض وآكدها، ولا يبعد القول بوجوبها في العمر مرَّة مع القدرة. وإليه كان يميل الوالد العلاَّمة (نوَّر الله ضريحه)». والبحار: ج١٠١ ب١ ص١، وتحفة الزائر: ب٥ ف١ ص٢١٤.

• والبحراني في الحدائق الناضرة: ج١٧ ص٤٣٤، قال: «الأخبار في فضل زيارته (ع) مستفيضة، والظاهر في كثير منها الوجوب، وإليه يميل كلام بعض أصحابنا، (رض)، وليس بذلك البعيد».

• وآل عصفور في سداد العباد: ص٤٠٤، قال: «تجب زيارة الحسين (ع) على الرجال والنساء، من القادرين على ذلك».

• والطباطبائي في رياض المسائل: ج٧ ص١٦٧، قال: «النصوص الواردة في فضل زيارتهم (ع) أكثر من أن تُحصى. وتتأكد في الحسين (ع)، بل ورد: أن زيارته فرض على كل مؤمن .. إلخ».

• والعفكاوي في أبواب الجنان: ب٤ ف٢ ص٢٥٠.

• والمروِّج الجزائري في منتهى الدراية: ج٦ ص٦٣٧، قال: «أما النصوص الدالة على رجحان الزيارة ـ بل وجوبها ـ فكثيرة، [إلى أن قال:] بل يستفاد من بعض النصوص: وجوب زيارة سائر الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) أيضاً .. إلخ».

• والاصطهباناتي في نور العين: ب٢ ص١٧-٢٠.

• والقرشي في زيارات الإمام الحسين (ع) نصرٌ للإسلام: ص٥٩-٦٠، قال: «صرَّحت طائفة من الأحاديث: بأن زيارة سيِّد الشهداء (ع) فرض من الله (تعالى)، ألزم بها عباده، [إلى أن قال:] إن زيارة ريحانة الرسول، وسيِّد شباب أهل الجنة، فرض من الله (تعالى)، وواجب على عباده. وذلك لعظيم ما قدَّمه الإمام (ع) من التضحيات، التي لم يُقدِّمها أحد من أولياء الله (تعالى) في سبيل دينه».

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون وجوب زيارته (ع) وجوباً عينياً.

٢- وممَّن ذهب إلى وجوب زيارته (ع) كفاية:

• الحُر العاملي في الوسائل: ج١٤ ب٣٧ ص٤٠٩، وج١٤ ب٤٤ ص٤٤٣. وقال: «تجب زيارة الحسين (ع) والأئمة (ع) كفاية، لما مَرَّ»، هداية الأمة: ج٥ ب٥ ص٤٨٠ م٧.

• والنوري في المستدرك: ج١٠ ب٢٦ ص٢٢٨.

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون وجوب زيارته (ع) وجوباً كفائياً.

٣- وممَّن ذهب إلى استحباب زيارته (ع) عيناً:

وهو الرأي المشهور بين جمهور علماء الشيعة، ويرون: أن الروايات التي تفيد الوجوب العيني أو الكفائي، مناقشة في ثبوتها أو في دلالتها. وأن غاية ما تثبته الأدلة هو استحباب زيارته (ع) استحباباً مؤكداً.

وحيث أن كلماتهم كثيرة جداً، سأقتصر على بعضها فقط:

• الحلي في تذكرة الفقهاء: ج٨ ص٤٥٣ م٧٧٠، قال: «تُستحب زيارة الحسين (ع)». ومنتهى المطلب: ج٢ ف٥ ص٨٩١.

• وكاشف الغطاء في الحق المبين: ص٤٧.

• والنجفي في جواهر الكلام: ج٢٠ ص٩٥، قال: «يُستحب زيارة الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين (ع) بن أمير المؤمنين (ع) سيِّد شباب أهل الجنة».

ونَقل الرأيَ المشهورَ جماعةٌ من العلماء:

• قال المجلسي في تحفة الزائر: ب٥ ف١ ص٢٢١، «المشهور بين العلماء أنها سُنَّة مؤكدة».

• وقال آل عصفور في سداد العباد: ص٤٠٤، «المشهور بين أصحابنا الاستحباب المؤكد».

• وقال العفكاوي في أبواب الجنان: ب٤ ف٢ ص٢٥٤، «المشهور أنها سُنَّة مؤكدة».

• وقال العراقي في الكنز المخفي: ص٤٣، «المشهور عندهم هو الاستحباب، وهو الأقوى». وقال: «وهذا النحو من الجَمْع، هو ما دعا المشهور إلى الافتاء بالاستحباب، كما هو الأقوى في نظرنا»، الكنز المخفي: ص٤٥.

هؤلاء العلماء، يبدو من مجموع تبويباتهم وكلماتهم: أنهم يتبنون استحباب زيارته (ع) استحباباً عينياً.

ثالثاً: يوجد نقاش طويل عريض بين علماء الشيعة، في روايات زيارة الإمام الحسين (ع)، على مستوى دلالاتها، بعد اعترافهم بتواترها. ولذلك من الصعب جداً تحديد مفاد رواية واحدة بمعزل عن مفادات بقية الروايات. لأن البحث الفقهي يقتضي: الجَمْع الدلالي بينها، ثم الاستنباط منها، وهذا لا يتيسَّر إلا للفقهاء المجتهدين.

غير أن ورود روايات معتبرة، وبلغة عالية ـ كالتي خرَّجتُها أعلاه ـ تحث وتؤكد على زيارة الإمام الحسين (ع)، بدرجة قد تصل إلى الوجوب الشرعي! هذا يدلُّ بوضوح: على أن زيارته (ع) لها أهميتها الفائقة في الإسلام، وعند أهل البيت (ع)! بحيث أمروا شيعتهم بها، ورغبوهم فيها، وبيَّنوا لهم عظيم فضلها وثوابها وآثارها!

نسأل الله أن يرزقنا زيارة الإمام الحسين (ع) في الدنيا، وشفاعته في الآخرة