هل الحكومة الدينية فاشلة؟

سألني صديقٌ: لماذا العلمانيّةُ هيَ الحل؟ فأجبتُه بأنَّ التجاربَ التاريخيّةَ أثبتَت أنَّ النظامَ الإسلاميَّ في الحُكم أثبتَ فشلَه، وذلكَ لأنَّ تلكَ التجاربَ لا تقومُ على حقِّ المواطنةِ التي يتساوى فيها الجميع، وإنّما تقومُ على التمييزِ بينَهم على أسسٍ دينيّةٍ أو مذهبيّةٍ أو حركيّة، الأمرُ الذي يؤدّي في خاتمةِ المطافِ للثوراتِ وزعزعةِ الأمنِ كما حدثَ في مصر، أو قد يؤدّي إلى انقسامِ الدّولةِ كما حصلَ في السّودان، أو الحربِ الأهليّةِ كما في ليبيا والعراقِ ولبنان واليمن وسوريا، أو تخلّفِ الدّولةِ لِما قبلَ القرونِ الوسطى كما في أفغانستان، أو للكبتِ والثورةِ كما يحدثُ اليومَ في إيران، بينَما الدولةُ العلمانيّة تتعاملُ مع الجميعِ على أسسِ المواطنةِ والقانونِ المدنيّ العادلِ المُستقى مِن شرعةِ حقوقِ الإنسان والموافقِ لمُعظمِ تعاليمِ الأديان.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

إنَّ التقييمَ النظريَّ للعلمانيّةِ ليسَ كافياً لجعلِها الخيارَ الأفضل، فهناكَ الكثيرُ منَ التجاربِ الفاشلةِ للعلمانيّةِ في الوطنِ العربيّ.

كما أنَّ مُحاكمةَ الإسلامِ مِن خلالِ تجاربِ الحُكمِ الفاشلةِ لا يعني فشلَ الدينِ على مُستوى المبادئِ والأسسِ النظريّة.

فالإسلامُ على مُستوى الأفكارِ والمبادئِ العامّةِ يهدفُ أيضاً إلى تساوي الفرصِ والحقوقِ أمامَ الجميع.

والنصوصُ الإسلاميّةُ المُعبّرةُ عن المبادئِ الإسلاميّةِ مُجمعةٌ على ضرورةِ العدالةِ بينَ جميعِ طبقاتِ المُجتمعِ قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالقِسطِ ۖ وَلَا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعدِلُوا ۚ اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ).

كما أجمعَت النصوصُ على حُرمةِ مُصادرةِ الحُرّيّاتِ الفكريّةِ والعقائديّة، ويكفي في هذا المقامِ قوله تعالى: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُم ۖ فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر)

وبالتالي على المُستوى النظريّ والفكريّ لا يمكنُ للعلمانيّةِ المُزايدةُ على الإسلام، ولا يمكنُها أن تسوّقَ نفسَها بوصفِها شحنةً فكريّةً وثقافيّةً مُكمّلةً للإسلام، فالإسلامُ على مُستوى المبادئِ والنّصوصِ لا تنقصُه مثلُ هذه الإرشادات.

صحيحٌ على المُستوى العَمليّ لا يمكنُ أن نتجاهلَ الواقعَ السياسيَّ المُزري في المنطقةِ الإسلاميّة، إلّا أنَّ تحميلَ ذلكَ للإسلامِ فيهِ تحاملٌ غيرُ مُبرّرٍ طالما الإسلامُ يُحرّمُ كلَّ تلكَ المُمارسات.

ومِن هُنا نحنُ لسنا في حاجةٍ إلى فكرةٍ جديدةٍ تأتي منَ الخارجِ وإنّما في حاجةٍ ماسّةٍ لتفعيلِ الإسلامِ مِن جديد مِن خلالِ الاقترابِ منَ النّصوص وفهمِها بعيداً عن العُقدِ النفسيّةِ التي شلّت قُدراتِنا الفكريّة، فنحنُ في أمسِّ الحاجةِ إلى مُقاربةِ الإسلامِ مِن زاويةِ القيمِ الأساسيّةِ التي يسعى الإسلامُ لتأكيدِها وتجذيرِها في الواقعِ الإنساني.

فالإسلامُ على مُستوى القيمِ يحتفظُ بمنظومةٍ قيميّةٍ مُتكاملةٍ يمكنُها أن تنتشلَ الواقعَ الإسلاميَّ منَ الانحطاطِ الذي يعانيه.

والخطابُ الإسلاميّ الذي يجبُ تفعيلهُ عاجلاً هوَ ما لهُ علاقةٌ بالحُرّيّاتِ وتساوي الفرصِ والحقوق، والنصوصُ الإسلاميّةُ ذاخرةٌ بهذهِ التوصيات.

وفي الختامِ يمكنُنا التأكيدُ على أنَّ العلمانيّةَ على المُستوى النظريَّ لا تُقدّمُ إضافةً للفكرِ الإسلاميّ الذي يكفلُ الحُرّيّاتِ للجميع.