هل يصح حديث «الدِّين المعاملة»؟
ما صحة الحديث المنسوب إلى الرسول (ص): «الدِّين المعاملة»؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾
السائل المحترم / سلام عليكم
أولاً: لم نجد مصدراً حديثياً لهذه المقولة، لا عند الشيعة، ولا عند السُّنة، بل لم نجدها في تعبيرات العلماء القدماء. لربما نشأتْ في كلمات بعض كُتَّاب المسلمين المتأخرين، ثم نُسبتْ للحديث النبوي الشريف خطأ.
قال الشيخ السَّلفي ابن باز في الفوائد العلمية: ج٢ ص١٦١، «وأما ما يقوله بعض الناس: إن الدِّين حُسن المعاملة، أو الدِّين المعاملة. فليس بحديث، فهذا لا أصل له، ولكن هو صحيح من حيث المعنى، وليس بحديث».
ثانياً: لعل معنى هذه المقولة: أن الدِّين ليس كما يتصوَّره بعض الناس، مجرَّد أقوال وأفعال عبادية وكفى. بل الدِّين نظام متكامل، يهتم جداً بحُسن المعاملة ورعاية الحقوق، سواء مع الله (تعالى) أو مع عباده.
فالدِّين يأمر بالعدل والإحسان في المجتمع، وينهى عن الظلم والعدوان على الآخرين. ويُلزم الإنسان أن يضبط سلوكه مع غيره، فلا يتجاوز حدوده في تعاملاته.
• قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء٥٨].
• قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود٨٥].
• قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل٩٠].
إذا كان هذا معنى المقولة المذكورة فهو صواب. ولكن إذا كان معناها: أن المعاملة الحسنة هي الدِّين لا غير، وتكفي عن سائر المفردات الدِّينية، من أذكار وعبادات ونحو ذلك. فهو معنى مغلوط، ويضاد الدِّين نفسه، لأن الدِّين منظومة متكاملة لا تتجزأ، من الاعتقاد والعبادة والأخلاق.
• قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [البقرة٨٣].
• قال تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف٢٩]
ثالثاً: في كتبنا المعتبرة أحاديث شريفة مروية بوفرة، تُغني عن هذه المقولة المجهولة، منها مثلاً:
١- روى الشيخ البرقي في المحاسن: ج٢ ص٣٨٩ ح١٥، بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع)، قال: «مِن الإيمان حُسن الخُلق».
٢- روى الشيخ الكليني في الكافي: ج٢ ص٩٩ ح١، بسند صحيح عن الإمام الباقر (ع)، قال: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً».
٣- روى الشيخ الكليني في الكافي: ج٢ ص٩٩ ح٣، بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع)، قال: «أربعٌ مَن كُنَّ فيه كمُل إيمانُه، وإن كان مِن قرْنه إلى قدَمه ذنوباً، لم ينقُصه ذلك! قال: وهي: الصدق، وأداء الأمانة، والحياء، وحُسن الخُلق».
٤- روى الشيخ الكليني في الكافي: ج٢ ص١٠٠ ح٤، بسند حسن عن الإمام الصادق (ع)، قال: «ما يقدِم المؤمنُ على الله (عز وجل) بعمل ـ بعدَ الفرائض ـ أحبَّ إلى الله (تعالى) من أن يسَع الناسَ بخُلقه».
٥- روى الشيخ الكليني في الكافي: ج٢ ص١٠٤ ح١، بسند حسن عن الإمام الصادق (ع)، قال: «إن الله (عز وجل) لم يبعث نبيّاً إلا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، إلى البَر والفاجر».
٦- روى الشيخ الصدوق في الخصال: ص٣٠ ح١٠٦، بسنده عن رسول الله (ص)، قال: «حُسن الخُلق نصف الدِّين».
٧- روى الشيخ الطبرسي في مشكاة الأنوار: ص٣٩١ ح١٢٨٢، مرسلاً عن الإمام الصادق (ع)، قال: «إن حُسن الخُلق من الدِّين».
اترك تعليق