من أسماء فاطمة: « البتول »

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يعدّ اسم « البتول » من الأسماء المأثورة المشهورة للسيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقد ورد تسميتها بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحفلت تصانيف المسلمين – شيعة وسنة – بذكر هذا الاسم الشريف، رديفاً لتسمية السيّدة مريم العذراء (عليها السلام) به، واشتمل هذا الاسم على العديد من المعاني، فيقع الكلام حوله في أمرين:

الأمر الأول: (البتول) في الأحاديث:

وردت أحاديث عديدة في مصادر الشيعة والسنّة في ذكر هذا الاسم للسيّدة الزهراء (عليها السلام)، نذكر في هذا المقام بعضاً منها:

روى الشيخ الصدوق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: « لمّا عرج بي إلى ربّي جلّ جلاله، أتاني النداء – إلى أن قال – وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهدياً كلّهم من ذرّيّتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى بن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت منهم ظلما وجوراً » [كمال الدين ص251].

وروى الشيخان الصدوق والطبريّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): « أنّ النبيّ (ص) سُئل: ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول: إنّ مريم بتول، وفاطمة بتول؟ فقال (ص): البتول التي لم ترَ حمرة قط، أي لم تحض، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء » [علل الشرائع ج1 ص181، معاني الأخبار ص64، دلائل الإمامة ص150].

وروى المشايخ الكلينيّ والصدوق والنعمانيّ عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال – في حديث طويل في فضل الإمام وصفاته –: « مخصوص بدعوة الرسول (ص)، ونسل المطهرة البتول » [الكافي ج1 ص202، عيون أخبار الرضا ج1 ص199، الأمالي ص777، كمال الدين ص679، معاني الأخبار ص100، الغيبة ص229].

وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: « خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ص) بالكوفة بعد منصرفه من النهروان... وأنا زوج البتول سيده نساء العالمين فاطمة، التقية النقية الزكية المبرة المهدية، حبيبة حبيب الله، وخير بناته وسلالته، وريحانة رسول الله، سبطاه خير الأسباط، وولداي خير الأولاد، هل أحد ينكر ما أقول؟ » [معاني الأخبار ص58].

وروى الشيخ الصدوق عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال – في خبرٍ طويل لمّا نزل نينوى –: « فجلس عيسى (ص) وجلس الحواريّون معه، فبكى وبكى الحواريّون.. قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي، ويلحد فيها، طينة أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد » [الأمالي ص695، كمال الدين ص534].

وروى الشيخ الطبريّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: « لفاطمة (ص) تسعة أسماء: فاطمة والمدونة والمباركة والطاهرة والزكيّة والمرضيّة والمحدّثة والزهراء والبتول » [نوادر المعجزات ص84]، والخبر عند الصدوق وفيه « الراضية » بدل « البتول ».

وروي: أنّ عائشة بنت أبي بكر قالت – في رثائها لأمير المؤمنين (عليه السلام) -: « معاشر الناس، وما عسى أن أقول في عليّ؟ كان - والله - سيّد الاوصياء، وابن عمّ خاتم الانبياء وإمام الاتقياء والأصفياء، وزوج البتول الزهراء، وسيف الله المسلول على الأعداء.. » [الأربعون حديثاً ص93].

ونقل القندوزيّ عن أبي ذر الغفاريّ – رفعه -: « إنّ الله تعالى اطّلع إلى الأرض اطّلاعة من عرشه بلا كيف ولا زوال، فاختارني واختار عليّاً لي صهراً... وأعطى له فاطمة العذراء البتول، ولم يعطِ ذلك أحداً من النبيّين... » [ينابيع المودة ج2 ص304].

ونقل القندوزيّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): « وإنّما سميت فاطمة البتول لأنّها تبتّلت من الحيض والنفاس، لأنّ ذلك عيب في بنات الأنبياء، أو قال: نقصان » [ينابيع المودة ج2 ص322].

الأمر الثاني: معاني (البتول):

إنّ اسم « البتول » مأخوذ من « بتل » بمعنى القطع والإبانة، يُقال: بتلتُ الشيءَ، إذا أبنتَه وقطعته من غيره [ينظر مقاييس اللغة ج1 ص195].

قال الجوهريّ: (والبتول من النساء: العذراء المنقطعة من الأزواج، ويُقال: هي المنقطعة إلى الله تعالى عن الدنيا) [الصحاح ج4 ص1630].

وقال ابن منظور: (والبَتُول من النساء: المنقطعة عن الرجال لا أَرَبَ لها فيهم، وبها سُمِّيت مريمُ أُمُّ المَسيح - على نبينا [وآله] وعليه الصلاة والسلام -، وقالوا لمريم العَذْراء البَتُول والبَتِيل لذلك، وفي التهذيب: لتركها التزويج. والبَتُول من النساء: العَذْراء المنقطعة من الأَزواج، ويقال: هي المنقطعة إِلى الله عزّ وجلّ عن الدنيا. والتَّبَتُّل: ترك النكاح والزهدُ فيه والانقطاع عنه... وسئل أَحمد بن يحيى عن فاطمة - رضوان الله عليها -، بنت سيدنا رسول الله (ص): لم قيل لها البَتُول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أَهل زمانها ونساء الأُمة عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إِلى الله عزّ وجلّ) [لسان العرب ج11 ص43].

وقد عقد الشيخ الصدوق في علله باباً بعنوان: « العلّة التي من أجلها سُمّيت فاطمة (ع) البتول، وكذلك مريم (ع) »، وأورد فيه روايةً عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في علّة التسمية.

ولنذكر في المقام المعاني المذكورة في كلماتهم:

الأول: البتول هي التي لم ترَ حمرة قط:

وروى الشيخان الصدوق والطبريّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): « إنّ النبيّ (ص) سُئل: ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول: إنّ مريم بتول، وفاطمة بتول؟ فقال (ص): البتول التي لم ترَ حمرة قط، أي لم تحض، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء » [علل الشرائع ج1 ص181، معاني الأخبار ص64، دلائل الإمامة ص150].

ونقل القندوزيّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « وإنّما سميت فاطمة البتول لأنّها تبتّلت من الحيض والنفاس، لأنّ ذلك عيب في بنات الأنبياء، أو قال: نقصان » [ينابيع المودة ج2 ص322].

وقال محمّد بن أحمد الأقشهيريّ [ت739هـ]: (دعاها رسول الله (ص): بتولاً، فسُئل عن معناها؟ فقال: «هي المرأة التي لم تحض، ولم تَرَ حُمرةً قط؛ فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء» [الروضة الفردوسية ج2 ص449].

وقال ياسين بن خير الله العَمري [ت بعد 1232هـ]: (ذُكر في بعض الكتب: يُقال لفاطمة الزهراء بتولة، أي: منقطعة عن حبّ الدنيا، وقيل: عن الحيض أصلاً، كذا نقله كردي). وقال أيضاً: (وذكر في شرح ذات الشفاء قال: وإنّما يُقال لفاطمة (رض) الزهراء؛ لطهارتها ووضاءتها، والبتول؛ لانقطاعها إلى الله، أو لانقطاعها بالفضل عن الناس، أو لأنها لم تحض قط) [لروضة الفيحاء في تواريخ النساء ص222ـ224].

الثاني: البتول هي منقطعة القرين:

قال الأزهريّ [ت370هـ]: (وسئل أحمد بن يحيى [وهو الملقّب بثعلب] عن فاطمة بنت رسول الله (ص)، لِمَ قيل لها البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمّة عفافاً وفضلاً وديناً وحُسناً) [تهذيب اللغة ج14 ص207].

وقال الخطابيّ [ت388هـ]: (فأمّا فاطمة فإنّما قيل لها البتول؛ لأنّها منقطعة القرين نُبلاً وشرفاً) [غريب الحديث ج2 ص330].

وقال الشيخ الطوسيّ [ت460هـ]: (ومنه: مريم البتول وفاطمة البتول؛ لانقطاع مريم إلى عبادة الله، وانقطاع فاطمة عن القرين) [التبيان في تفسير القرآن ج10 ص164].

وقال السمعانيّ [ت489]: (ومنه: العذراء البتول لمريم، أي: المنقطعة إلى الله تعالى في النسك. وكذلك الزهراء البتول لفاطمة، أي: المنقطعة عن أقرانها في الفضل) [تفسير السمعاني ج6 ص80].

وقال البغوي (ت516هـ]: (‌والبتول: المرأة المنقطعة عن الرجال، ويقال: سُمِّيَت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء الأمة فضلاً وديناً وحَسَبَاً) [شرح السنة ج9 ص5].

وقال الزمخشريّ [ت 538هـ]: (وقيل لمريم العذراء البَتُول؛ لانقطاعها عن الأزواج. ثم قيل لفاطمة تشبيهاً بها في المنزلة عند الله: البتول) [أساس البلاغة ج1 ص44].

وقال النووي [ت676هـ]: (وأصل التبتل: القطع، ومنه: مريم البتول، وفاطمة البتول؛ لانقطاعهما عن نساء زمانهما ديناً وفضلاً ورغبةً في الآخرة) [شرح النووي على صحيح مسلم ج9 ص176].

وقال المقريزي [ت845هـ]: (وسُمِّيَت البَتَول؛ لأنها منقطعة القرين، والبَتَل: القطع) [إمتاع الأسماع ج5 ص351].

الثالث: الانقطاع عن الأزواج إلّا أمير المؤمنين:

قال الزمخشريّ [ت 538هـ]: (وقيل لمريم العذراء البَتُول؛ لانقطاعها عن الأزواج. ثم قيل لفاطمة تشبيهاً بها في المنزلة عند الله: البتول)[ أساس البلاغة ج1 ص44].

وقال القاضي عياض [ت544هـ]: (وسميت مريم البتول؛ لانقطاعها عن الأزواج، وفاطمة البتول؛ لانقطاعها عن الأمثال، وقيل: عن الأزواج إلّا عن عليّ) [مشارق الأنوار ج1 ص77].

الرابع: الانقطاع إلى الله:

قال ابن الأثير [ت606هـ]: (التبتُّل: الانقطاع عن النساء وترك النكاح. وامرأة بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم. وبها سُمِّيت مريم أم المسيح (ع). وسُمِّيت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسَباً، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى) [النهاية ج1 ص94].

وقال المناويّ [ت1031هـ]: (ولُقِّبَتْ بالبَتول؛ لأنه لا شهوةَ لها للرجال، أو لأنه تعَالى قطعَها عن النساء حسناً وفضلاً وشرفاً، أو لانقطاعها إلى الله) [إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب ص24].

وقال الطريحيّ [ت1085هـ]: (والبتول: فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص). قيل: سمّيت بذلك لانقطاعها إلى الله، وعن نساء زمانها ونساء الأمة فعلاً وحسباً وديناً. وفي الرواية: وقد سئل (ص): إنّا سمعناك - يا رسول الله – تقول: إنّ مريم بتول، وإنّ فاطمة بتول، ما البتول؟ فقال: البتول التي لم ترَ حمرة قط) [مجمع البحرين ج5 ص317].

وقال إسماعيل حقّي الخلوتي [ت1127هـ]: (وأمَّا إطلاق البتول على فاطمة الزهراء (رض)؛ فلكونها شبيهةً بسيدة نساءِ بني إسرائيل في الانقطاع عما سوى الله، لا عن النكاح) [روح البيان ج10 ص211].

أقول: هذا ما عثرت عليه في عجالة، وكما ترى فإنّ أكثر الكلمات المنقولة هي لعلماء العامّة، ومن جملتها كلام أحمد بن يحيى الملقّب بثعلب [ت291هـ]، وذلك يدلّ على أن توصيفَ السيّدة الزهراء (عليها السلام) بهذا الاسم ليس ممّا انفرد به الشيعة، بل هو مورد وفاق بين المسلمين.

وبهذا يظهر وجه النظر فيما ذكره أبو بكر ابن العربي [ت543هـ] بقوله: (وتُسمّى فاطمة بنت رسول الله (ص) البتول؛ لانقطاعها عن نساء زمانها في الفضل والدين والنسب والحسب. وهذا قولٌ أحدثته الشيعة، وإلّا فقد اختلف الناس في التفضيل بينها وبين عائشة..) [أحكام القرآن ج4 ص1879].

قلت: وَا عجباً، أليست تصانيف أهل السنّة طافحة بهذا اللقب منذ القرون الأولى؟ فكيف ومتى صار ممّا أحدثه الشيعة؟ وكيف أطبقت مصادر المسلمين على توصيفها به؟!

نعم، لا نعجب من إنكار مثل ابن العربي فضل الزهراء (عليها السلام)، فقد غلب عليه التنقيص من أهل البيت (عليهم السلام)، كما صرّح بذلك جملة من علماء أهل السنّة، إذْ قال المناوي: (ومن مجازفات ابن العربي... وليس ذلك بأوّل عجرفة لهذا المفتي وجرأته وإقدامه، فقد ألّف كتاباً في شأن مولانا الحسين - رضي الله عنه، وكرّم وجهه، وأخزى شائنه -، زعم فيه أنّ يزيد قتله بحقّ بسيف جدّه، نعوذ بالله من الخذلان) [فيض القدير ج5 ص313]. وقال الآلوسيّ: (وأبو بكر ابن العربي المالكيّ - عليه من الله تعالى ما يستحقّ - أعظم الفرية، فزعم أنّ الحسين قتل بسيف جدّه (ص)، وله من الجهلة موافقون على ذلك {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا}) [روح المعاني ج26 ص73].

وعلى كلّ حال، فقد فهم ابن العربي أنّ هذا الاسم معناه انقطاع الزهراء (عليها السلام) عن المثيل، فلا يضاهيها أحدٌ من المسلمين شرفاً وفضلاً وسؤدداً وحسباً ونسباً وديناً كما تقدّم نقل كلمات العلماء، وهذا يستلزم تفضيلها على عائشة بنت أبي بكر، وقد ذكرنا في شرح حديث « فاطمة بضعة مني » كلمات كثيرة لعلماء المخالفين يصرّحون فيها بدلالة الحديث على تفضيلها مطلقاً.

والحمد لله رب العالمين