ما هو الفرق بين الفتوحات الإسلامية والاحتلال الغربي؟

السؤال: من وجهة نظر شيعية إذا أمكن هل لنا أنْ نسميَ احتلال المسلمين الأندلس وصقلية والقسطنطينية فتحاً، في حين نسمي احتلال الغرب لنا عدواناً غاشماً؟ أليس هذا دليل على ازدواجية المعايير وتبرير فعل إجرامي طالما هو واقع تحت غلاف ديني !

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لتسجيل فوارق بين الفتوحات الإسلامية والإستعمار الغربي لا بدّ من التفريق بين الفعل وبين الفاعل.

فعلى مستوى الفعل يصعب تسجيل فوارق بين فعل المسلمين من احتلال أراضي غيرهم والتحكم فيها، وبين نفس الفعل الذي قام به المستعمر الغربي، فالفعل واحد ومتشابه إلى حدّ التطابق.

أمّا على مستوى الفاعل فيمكن تسجيل فوارق لها علاقة بالدّوافع والغايات والأيديولوجيات التي تقف خلف كلّ واحد منهما، وبناءً على هذا التفريق يمكننا القول إنّ الحكم في هذه المسألة أقرب للحكم الأخلاقي منه إلى الحكم الشرعي، فالدّين ليس فيه نصاً صريحاً يأمر أتباعه بإحتلال أراضي الآخرين من أجل دعوتهم للإسلام ناهيك أن يأمرهم بالتسلّط عليهم ومصادرة حريتهم.

وما حدث في التاريخ السياسي من فتوحات هو فعل المسلمين بناءً على اجتهادهم، وهنا يصبح المعيار الاخلاقيّ وحده هو الذي يبرر الفعل أو لا يبرره؛ وذلك لأنّ الإجتهاد في مثل هذه القضايا يتم معايرته قيمياً وأخلاقياً، ليُرى مدى انسجامه مع القيم الاخلاقية أو عدم انسجامه.

وبما أنّ الفتوحات الإسلامية والاحتلال الغربي متساويان على مستوى الفعل فحينها لا يمكن محاسبتهما أخلاقياً إلا من جهة الفاعل والدوافع التي حرّكته، ومن هنا نجد أنفسنا مضطرّين للوقوف على دوافع الطرفين ومحاسبتهما قيمياً وأخلاقياً.

دوافع الفتوحات الإسلاميّة:

يعتقد الكثير من المسلمين بأنّ الفتوحات الإسلامية التي قام بها الخلفاء مفخرة من مفاخر التاريخ ودرّة على جبين كلّ مسلم، وهنا نكتفي بنقل جزء من مقال تحت عنوان (دوافع الفتوحات الإسلامية) الذي قامت به مبرة الآل والأصحاب في موقعها، وقد جاء فيه: ((وكان الدافع الرئيس لهذه الفتوحات هو: إرادة الخير للبشرية جميعاً، عن طريق هدايتهم إلى الإسلام، «إنارة الأكوان بنور الإسلام». وهذا الأمر جعل من أمة الإسلام مطمعاً لقوى ظالمة استمرأت استعباد البشر وإذلالهم والتحكّم في إراداتهم ومواردهم. فواجهت أمة الإسلام، وما زالت تواجه منهم، مع مطلع كل شمس، غزواً منظّماً وجيوشاً من الأفكار الهدامة متلاحقة، تريد تطويق بلاد المسلمين وأرضهم وعقيدتهم لا لجرمٍ اقترفوه ولا لإثمٍ اكتسبوه، وإنما لأنهم أرادوا الأخذ بيد البشرية إلى عقيدة خالصة تجعل الخلائق بعيدة عن عبادة المادة والبشر إلى عبادة خالق المادة ورب البشر، عقيدة تحترم الإنسان وعقله، وتهذّب أخلاقه وشهواته، وتجعله بعيداً عن الرذائل مقبلاً دائماً وأبداً على الفضائل (راجع: من افتراءات المستشرقين على الأصول العقدية).

لقد خرج المسلمون إلى فتوحاتهم حاملين معهم عقيدتهم بدافع إرادة الخير، فكانت النتيجة أن انهالت الشعوب على اعتناق هذا الدين)) انتهى.

والذي يبدو لنا أن جميع من دافع عن الفتوحات الإسلامية يرتكز في تبريره على هذا الدافع وهو نشر الإسلام وبيان العقيدة الصحيحة وهداية الناس إلى دين الحقّ، وممّا لا شك فيه أنّ الإخلاص والخلوص لهذا الدافع يُقدّم تبريراً أخلاقياً للفتوحات، ما لم يخالط هذا الدافع دوافع أُخرى متشابهة مع دوافع الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين، ونحن هنا لا نتحدث عن دوافع كلّ جندي في جيش المسلمين وإنما نتحدّث عن الدافع العام الذي يشكّل الغاية النهائية لهذه الفتوحات، وممّا لا شكّ فيه أنّ إثبات هذه الغاية ونفيها محلّ جدلٍ وحوارٍ واسعٍ بين المثبتين والنافين، ونحن هنا لا نريد أنْ نكون طرفاً في هذا الجدل فكلّ ما يهمنا هو وضع الإطار الموضوعيّ لمناقشة مثل هذه العناوين الشائكة ولا نفرض قناعة محددة للسائل.

دوافع الاحتلال الغربي:

إنّ الاحتلال الغربي لدول المنطقة لم تقم به جهة واحدة تحرّكها ايدلوجيا واحدة، وإنّما قامت به مجموعة من الدّول الغربية التي تقاسمت المنطقة فيما بينها، فلكل دولة من هذه الدول دوافعها الخاصة بحسب ظرفها السياسي والعسكري والاقتصادي، إلا أنّ جميعها تشترك في كونها تسعى إلى استغلال خيرات هذه الدول واستنزاف مواردها من أجل مصالحها الشخصية، فمع أن الدوافع المعلنة لهذه الدول كان هو «الإستعمار» أي إعمار هذه الدول وتطويرها إلا أنّ الممارسة الفعليّة كانت على عكس ذلك تماماً، والشواهد على ذلك أكثر منْ أنْ تُحصى، ومهما يتساهل الباحث لا يمكنه إيجاد مبرر أخلاقيّ ودافع قيميّ لهذا الاحتلال، وهذا بحدّ ذاته يشكّل أكبر مفارقة بين الاحتلال الغربيّ، والفتوحات الإسلاميّة، فالاستعمار ليس له دافع غير المطامع والتعدّي على حقوق الآخرين بإجماع الجميع، بينما هناك جدل ونقاش حول الأهداف القيمية والأخلاقية للفتوحات الإسلاميّة.