موقف الشيعة الإمامية من الصحابي أبي هريرة

السؤال: أتسمحون بسيرة الصحابيّ أبي هريرة، ولماذا طعن الشيعة فيه، وهل كان محبّاً للحسنين (ع) كما جاء في بعض الروايات؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

أنّ المعروف من كتب التراجم أنّ أبا هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدّوسيّ (ت59هـ). قال ابن حجر: (عبد الرحمن بن صخر الدّوسيّ أبو هريرة هو مشهور بكنيته، وهذا أشهر ما قيل في اسمه واسم أبيه، إذْ قال النوويّ: إنّه أصحُّ) [الإصابة، ج 4 ص 267].

وهو من قبيلة دوس اليمنيّة، نشأ يتيماً، قدم المدينة المنوّرة وأسلم سنة سبع للهجرة، وكان عمره ثمان وعشرين سنة، لزم مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع أهل الصُفّة، وهم الفقراء من المسلمين، إذْ روى البخاريّ: (عن أبي هريرة أنّ الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة، وإنّي كنت ألزم رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بشبع بطني، حتّى لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانه، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي، فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتّى إن كان ليخرج إلينا العُكّة التي ليس فيها شيء، فيشقّها فنلعق ما فيها) [صحيح البخاريّ، ج 4 ص 209].

وروى البخاريّ أيضاً: (أنّ أبا هريرة كان يقول آلله الذي لا إله إلّا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشُدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته الّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثُمَّ مـرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته الّا ليشبعني فمرّ فلم يفعل، ثمَّ مرّ بي أبو القاسم صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثمّ قال: أبا هرّ قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: الحق ومضى فتبعته...) [صحيح البخاريّ، ج 7 ص 179].

وأمّا أُمّه ميمونة بنت صبيح، فقد عدّها جمهور أهل السنّة في ضمن الصحابيّات.

ومن سيرته المعروفة التي ذُكرت في ترجمته أنّه التحق بمعاوية وناصره وخذل الإمام عليّاً (ع)، فأغدق عليه معاوية الكثير من الخيرات. قال ابن كثير: (وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الأعلى بن عبد الجبار، ثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد بن المسيّب قال: كان معاوية إذا أعطى أبا هريرة سكت، وإذا أمسك عنه تكلّم). [البداية والنهاية، ج 8 ص 122].

وهذا يدلّ على قرب أبي هريرة من معاوية إمام الفئة الباغية، والداعيّة الى النار.

وكان مروان بن الحكم يستخلفه على إمارة المدينة في عهد معاوية بن أبي سفيان، وهذا مشهور في التاريخ.

وأمّا طعن الشيعة به، فلأنّه كان يكذب على على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وليس الشيعة وحدهم من طعن فيه، وإنّما تكلّم في شأنه بعض الصحابة والتابعين، فهو مكثر من الرواية، إذْ بلغت رواياته 5374 حديثاً كما في: (أسماء الصحابة الرواة، لابن حزم ص 37)، ففاقت مروياته ما رواه الكثير من الصحابة، مع أنّه أسلم متأخّراً.

وقد اتّهم السلف أبا هريرة بالكذب على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد شهد بنفسه على أنّهم كذّبوه. روى مسلم: (عن أبي رزين قال خرج إلينا أبو هريرة، فضرب بيده على جبهته فقال: ألا إنّكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لتهتدوا وأضلّ...) [صحيح مسلم، ج 6 ص 153، مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج 2 ص 424].

ومن مواقف الصحابة اتّجاهه، قول عمر بن الخطّاب له: (...وقال عمر لأبي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أو لألحقنّك بأرض الطفيح - يعني أرض قومه) [تاريخ المدينة لابن شبة، ج 3 ص 18].

وأخرج الخبر أبو زرعة الدمشقيّ بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد، قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول لأبي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول اللَّه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، أو لألحقنّك بأرض دوس) [تاريخ أبي زرعة، ج1 ص286].

قال الذهبيّ معلّقاً: (هكذا هو كان عمر يقول: أقلّوا الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. وزجر غير واحد من الصحابة عن بثّ الحديث!) [سير أعلام النبلاء، ج2 ص 601].

وأرسل عثمان يقول لأبي هريرة: (لقد أكثرت، لتنتهينَّ أو لألحقنّك بجبال دوس) [المحدّث الفاصل، الرامهرمزيّ: ص 554]

وروى العقيليّ: (حدّثنا أحمد بن علي الأبار، قال: حدّثنا مؤمّل بن إهاب، قال: سمعت مؤمّل بن إسماعيل يقول: سمعت عثمان البرّيّ يقول: كذب أبو هريرة.) [ضعفاء العقيليّ، ج 3 ص 218].

وعثمان البرّيّ هو: (العلّامة، المفتيّ، فقيه البصرة، أبو سلمة عثمان بن مقسم الكنديّ مولاهم البصريّ، البرّي). هكذا وصفه الذهبيّ في سير أعلام النبلاء، [ج7 ص 325].

وقال ابن عبد البرّ (ت463هـ): (ومثله قول المروزيّ حدّثنا إسحاق بن راهويه وأحمد بن عمرو قالا حدّثنا جرير عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن طاووس قال: كنت جالسا عند ابن عمر، فأتاه رجل فقال: إنّ أبا هريرة يقول: إنّ الوتر ليس بحتم، فخذوا منه ودعوا. فقال ابن عمر: كذب أبو هريرة.) [جامع بيان العلم وفضله، ج 2 ص 153].

وقال ابن الأثير (ت637هـ): (أمّا رواية أبي هريرة فشكّ فيها قوم لكثرتها) [المثل السائر، ج1 ص 141].

وقد كان أبو هريرة يأخذ الحديث ممّن يرى وثاقته ويقول: قال رسول الله! قال ابن قتيبة: (وكان مع هذا يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كذا، وإنّما سمعه من الثقة عنده فحكاه!) [تأويل مختلف الحديث، ص 50].

والمصيبة هنا أنّ أبا هريرة كان يأخذ عن كعب الأحبار، فلذا كانت كثيرٌ من مروياته من الإسرائيليات، وقد ملئت كتب السنّة والصحيحين منها، فهو كان يأخذ عن كعب ويعزو الخبر إلى رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم! وكذلك كان بعض مَن يروي عنه أيضاً يخلط ! قال ابن كثير: (قال مسلم بن الحجّاج: حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارميّ، ثنا مروان الدمشقيّ، عن اللّيث بن سعد، حدّثني بكير بن الأشج. قال: قال لنا بشر بن سعيد: اتّقوا الله وتحفّظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ويحدّثنا عن كعب الأحبار ثمّ يقوم فأسمع بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وفي رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب، فاتّقوا الله وتحفّظوا في الحديث، وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلّس - أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ولا يميّز هذا من هذا - ذكره ابن عساكر. وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه من أصبح جنبا فلا صيام له " فإنّه لما حوقق عليه قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. وقال شريك عن مغيرة عن إبراهيم. قال: كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة، وروى الأعمش عن إبراهيم. قال: ما كانوا يأخذون بكلِّ حديث أبي هريرة، وقال الثوريّ عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئاً، وما كانوا يأخذون بكلِّ حديث أبي هريرة، إلّا ما كان من حديث صفة جنّة أو نار، أو حثٍّ على عمل صالح، أو نهيٍ عن شرٍّ جاء القرآن به) [البداية والنهاية، ج 8 ص 117 ـ 118].

ثم دافع ابن كثير عن أبي هريرة كعادتة !

ونقل أبو القاسم الكعبيّ (ت319هـ) في كتابه قبول الأخبار عدّة روايات في الطعن بأبي هريرة، إذْ روى بسنده عن نافع قال: كان أبو هريرة مؤذِّن مروان.

وبسنده عن بلال العتكيّ قال: كان أبو هريرة مع معاوية بصفّين فكان يقول: لأن أرمي فيهم بسهم أحبُّ إليَّ من حمر النعم!

وبسنده عن يزيد بن هارون يقول: ‌دلّس ‌أبو ‌هريرة، ودلّس ابن عمر. [قبول الأخبار ومعرفة الرجال للكعبيّ: ج 1، ص 183 - 184]

قال أبو جعفر الإسكافيّ المعتزليّ (ت240هـ): (وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضيّ الرواية، ضربه عمر بالدّرة، وقال: قد أكثرت من الرواية وأحرى بك أن تكون كاذباً على رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم! وروى سفيان الثوريّ عن منصور، عن إبراهيم التيميّ، قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلّا ما كان من ذكر جنّة أو نار، وروى أبو أسامة عن الأعمش، قال: كان إبراهيم صحيح الحديث، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه، فأتيته يوماً بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، فقال: دعني من أبي هريرة إنّهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه. وقد روي عن عليٍّ عليه السلام أنّه قال: ألا إنّ أكذب الناس - أو قال: أكذب الأحياء - على رسول الله صلّى الله عليه وآله أبو هريرة الدوسيّ. وروى أبو يوسف، قال: قلت لأبي حنيفة: الخبر يجيء عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يخالف قياسنا ما تصنع به؟ قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي، فقلت: ما تقول في رواية أبى بكر وعمر؟ فقال: ناهيك بهما ! فقلت: علي وعثمان، قال: كذلك، فلمّا رآني أعدُّ الصحابة قال: والصحابة كلّهم عدول ما عدا رجالا، ثمّ عدّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك. وروى سفيان الثوريّ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عمر بن عبد الغفّار، أنّ أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية، كان يجلس بالعشيّات بباب كندة، ويجلس الناس إليه، فجاء شابٌّ من الكوفة، فجلس إليه، فقال: يا أبا هريرة، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لعليٍّ بن أبي طالب: (اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه) ! فقال: اللّهم نعم، قال: فأشهد بالله، لقد واليت عدوّه، وعاديت وليّه. ثمّ قام عنه) [شرح نهج البلاغة، ج 4 ص 67 ـ 69].

ثم عقّب ابن أبي الحديد: (قلت: قد ذكر ابن قتيبة هذا كلّه في كتاب المعارف، في ترجمة أبي هريرة، وقوله فيه حجّة، لأنّه غير متّهم عليه.) [شرح نهج البلاغة، ج 4 ص 67 ـ 69].

وقال ابن أبي الحديد: (وذكر الجاحظ في كتابه المعروف (بكتاب التوحيد) إنّ أبا هريرة ليس بثقة في الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: ولم يكن عليّ عليه السلام يوثّقه في الرواية، بل يتّهمه، ويقدح فيه، وكذلك عمر وعائشة) [شرح نهج البلاغة، ج 20 - ص 31].

أما طعن الإماميّة به فكثير جداً، فقد نصّوا على أنّه أشهر الكذّابين.

كذّبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: (أكذب الناس على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذا الغلام الدوسيّ.) [المسترشد، محمد بن جرير الطبريّ (الشيعيّ)، ص 170].

وروى الشيخ الصدوق بسنده: (... حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه قال: سمعت جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: ثلاثة كانوا يكذبون على رسول الله أبو هريرة، وأنس بن مالك، وامرأة) [الخصال، ص 204].

ومثل هذا لا يكون محبّاً للحسن والحسين (ع)، خصوصاً مع مناصرته لمعاوية الذي حارب الإمام الحسن (ع) ودسّ له السمّ، فلو كان محبّاً لهما حقّاً لنصرهما ونصر أباهما من قبل.

قال العلّامة المجلسيّ: (وإنّما تأخذ الشيعة أخبار دينهم عمّن تعلّق بالعروة الوثقى التي هي متابعة أهل بيت النبوّة الذين شهد الله لهم بالتطهير، ونصّ عليهم الرسول صلّى الله عليه وآله بأنّهم سفينة النجاة، ولا يأخذون شطر دينهم عن امرأة ناقصة العقل والدين مبغضة لأمير المؤمنين عليه السلام، وشطره الآخر عن أبي هريرة الدوسيّ الكذّاب المدنيّ، وأنس بن مالك - الذي فضحه الله بكتمان الحقّ وضربه ببياض لا تغطّيه العمامة - ومعاوية، وعمرو بن العاص، وزياد، المعروفين عند الفريقين بخبث المولد وبغض من أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله الأمين بأنّ بغضه آية النفاق.. وأضراب هؤلاء) [بحار الأنوار، ج 30 ص 403].

وقال الشهيد نور الله التستريّ: (مع أنّ كذب أبي هريرة في أحاديثه ممّا ملأ الخافقين، وقد دلّت أحاديث أهل السنّة على أنّ التّهمة له بالكذب كانت معلومة بين الصحابة.) [الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة، ص 126].

وفي نهاية المطاف أنصح القرّاء المهتمّين بمراجعة كتاب: أبو هريرة شيخ المضيرة للكاتب المصريّ محمود أبو ريّة، وكتاب أبو هريرة للسيّد عبد الحسين شرف الدين.