لماذا يكفّر الوهابيّةُ الشيعةَ؟

السؤال: حكم بعض علماء الوهابية بتكفير الشيعة لأربعة أدلّة: الأوّل: طعنهم في القرآن، وذلك لاعتقادهم بتحريف القرآن، مع أنّ القرآن يقول: ﴿وإنّا له لحافظون﴾. الثاني: طعنهم في السنّة وأحاديث الصحيحين، لأنّها من روايات الصحابة وهم كفّار، إلّا نفر قليل. الثالث: تكفيرهم لأهل السنّة، فهم لا يصلّون معنا، ويعيدون صلاتهم لو صلّوا خلفنا، ويعتقدون بنجاستنا، ومَن كفّر المسلمين فهو كافر، فنحن نكفّرهم كما كفّرونا. الرابع: شركهم الصريح بالغلوّ في أهل البيت، ودعاؤهم غير الله، ووصفهم آل البيت بأوصاف لا تليق إلّا بربّ العالمين.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

هذه الأدلّة الاربعة مأخوذة من نصِّ إجابة عن سؤال وجّه للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عضو هيئة كبار العلماء في السعوديّة، وكان السؤال عن حكم دفع الزكاة لفقراء الشيعة، وهل تبرأ ذمّة المسلم الموكّل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضيّ الفقير أو لا؟

وجاء في جواب الشيخ: لقد ذكر العلماء في مؤلّفاتهم في باب أهل الزكاة أنّها لا تدفع لكافر ولا لمبتدع، فالرافضة بلا شكٍّ كفّار لأربعة أدلّة، ثمّ ذكر الأدلّة الأربعة التي أشار إليها السائل.

ونحن في معرض الإجابة لا يمكننا التفصيل في كلِّ واحدٍ من هذه الأسباب؛ وذلك لأنّ بعضها تمّ الإجابة عنه منفصلاً في أجوبة سابقة في موقع الرصد العقائديّ، مثل اتّهام الشيعة بأنّهم يعتقدون بتحريف القرآن، وثانياً هناك كتب كثيرة اختصّت بعرض هذه الشبهات والردّ عليها تفصيلاً، ولذا سنكتفي بالإشارات السريعة عن كلِّ سبب من هذه الأسباب.

الدليل الأوّل: القول بتحريف القرآن:

لتوضيح هذه المسألة بكلّ وضوح وشفافية لكثرة النقاش والجدال حولها نقول: أجمع المسلمون جميعاً بأنّ القرآن الموجود بين أيدي المسلمين اليوم والذي يبدأ بسورة الحمد وينتهي بسورة الناس منقول بالتواتر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فكلّ حرف فيه هو كلام الله الذي أنزله على نبيّه (صلّى الله عليه وآله)، وكلّ ما جاء فيه يمثّل حجّة الله تعالى على عباده، ومن يشكّك في ذلك يخرج عن دائرة الإسلام والمسلمين بلا خلاف.

وبالتالي فليس هناك خلاف أو شبهة في وجود زيادة في المصحف الذي يتعبّد به المسلمين اليوم، ولذا قام الإجماع على عدم الزيادة.

وإنّما الشبهة تدور حول وجود سور أو آيات أو كلمات زُعم أنّها من القرآن لكنّها لم تصلنا بالتواتر بل وصلت بأخبار آحاد؟ ففي كتب الحديث السنّيّة والشيعيّة الكثير من الأخبار التي تنسب بعض السور أو الآيات أو الكلمات إلى القرآن مع أنّها غير موجودة في المصحف الموجود بين أيدينا، فما هو الموقف من هذه الأخبار؟

فالقول بتكذيب كلّ هذه الأخبار قد لا يمثّل الموقف الأمثل عند جميع المسلمين وذلك لأنّ بعضها جاء مثلاً في صحيح البخاريّ ومسلم وكلّ ما جاء فيهما صحيح عند أهل السنّة، أو جاء في الكافي الذي يعتقد بعض الأخباريّين أنّ كلّ ما فيه صحيح أيضاً، ومن أمثلة ذلك ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: بعث أبو موسى الأشعريّ إلى قرّاءِ أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال أنتم خيارُ أهل البصرة وقرّاؤهم فاتلوه ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم وإنّا كُنّا نقرأ سورةً كُنّا نُشبّهُها في الطولِ والشدّةِ ببراءة فأُنسِيتُها غيرَ أنّي قد حفظتُ مِنها لو كانَ لابنِ آدمَ واديانِ مِن مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأُ جوفَ ابنِ آدمَ إلّا التراب وكُنّا نقرأ سورةً كُنّا نُشبّهُها بإحدى المسبّحاتِ فأنسيتُها غيرَ أنّي حفِظتُ مِنها يا أيُّها الذينَ آمنوا لمَ تقولونَ ما لا تفعلون فتُكتَبُ شهادةٌ في أعناقِكم فتُسألونَ عَنها يومَ القيامة. (صحيحُ مُسلِمٍ: 3 / 100).

فالحكم بصحّة هذه الروايات يعني بالضرورة القول بحدوث نقص في القرآن الذي بين أيدينا، فلا فرق بين التصريح بالقول أنّ هناك نقصاً وبين الحكم بصحّة هذه الروايات؛ لأنّ النتيجة واحدة، فالبخاريّ ومسلم وكلّ من يعتقد بصحّة رواياتهما يكون في مقام التصريح بحصول النقص، مضافاً إلى أنّ تصحيح البخاريّ ومسلم لهذه الروايات يعني أنّهما يشهدان على أنّ الصحابيّ الذي نسبت له الرواية كان يعتقد اعتقاداً جازماً بوجود آية أو سورة لم يتمّ إلحاقها بالقرآن، ومع ذلك لم نسمع بأحد من الأمّة كفّر صحابيّاً أو كفّر البخاريّ ومسلم لتصديقهما بما جاء في رواياتهما، والسبب في ذلك هو أنّ القرآن المنقول بالتواتر هو مدار الحجّة التي أجمع عليها جميع المسلمين.

وبعبارة أخرى: إنّ شرط كون الآية من القرآن هو أن يتمّ نقلها ضمن المصحف بالتواتر من جميع المسلمين، وهذه الروايات وإن أشارت إلى وجود آيات أخرى إلّا أّنّها فاقدة لشرط النقل بالتواتر في المصحف، وبالتالي تظلّ خارج إطار القرآن الكريم وخارج إطار الحجّة، فعلى المستوى العمليّ لا فرق بين من صحّح هذه الروايات لاعتبارات لها علاقة بنقل الرواية، وبين من لم يصحّحها، فكليهما لا يتجاوزا في أعمالهما القرآن الذي هو بين أيدي المسلمين.

وبناءً على ذلك: لا يجوز تكفير بعض الأخباريّة من الشيعة لمجرّد نقلهم لهذا الروايات أو حتّى تصريحهم طبقاً لما جاء في الروايات، ما داموا معتقدين بأنّ القرآن الملزم اتّباعه والعمل به هو الذي تمّ نقله بالتواتر وهو تمام ما في أيدي المسلمين اليوم.

ونخلص من كلّ ذلك إلى التالي:

أوّلاً: القرآن الموجود في أيدي المسلمين اليوم هو كلام الله الذي نزل على النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) من دون أن يكون فيه حرف واحد زائد.

ثانياً: شرط الاعتقاد بأنّ السورة أو الآية جزء من القرآن هو نقلها بالتواتر ضمن ما جاء في المصحف المعروف بين المسلمين اليوم، وكلّ ما هو خارج عن ذلك لا يُعَـدُّ جزءاً من القرآن الذي يجب التعبّد به.

ثالثاً: الروايات التي جاء فيها الإشارة إلى بعض السور أو الآيات وهي غير موجودة في المصحف لا تحسب ضمن القرآن لفقدها للشرط الذي ذكرناه، وبالتالي تظلّ مجرّد أخبار في تراث المسلمين لا يترتّب عليها أيّ أثر عمليّ.

رابعاً: كثير من هذه الروايات ضعيفة وفاقدة لشروط الصحّة فحكمها في ذلك حكم بقيّة الروايات الضعيفة التي جاءت في مسائل وموضوعات مختلفة.

خامساً: الالتزام بضوابط تصحيح الروايات قد يفرض على البعض تصحيح الرواية بغض النظر عن مضمونها، وعليه كلّ من يُصحّح هذه الروايات لا يمكن تكفيره لمجرّد أنّه عمل طبقاً لضوابط تصحيح الروايات، فالمهمّ أن لا يؤدّي هذا التصحيح إلى التشكيك في القرآن الذي بين أيدي المسلمين، أو يؤدّي إلى إنشاء قرآن آخر موازي لقرآن المسلمين، وهذا لا وجود له بين جميع المسلمين.

الدليل الثاني: (طعنهم في السنّة وأحاديث الصحيحين)

فمن المؤكّد أنّ الشيعة لا يطعنون في السنّة والأحاديث التي صحّ نسبتها إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعليه هناك فرق بين الطعن في ما ثبت صحّته، وبين الاختلاف في شروط تصحيح الرواية، ومن المعلوم أنّ السنّة لهم طريقة خاصّة في تصحيح أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والشيعة لهم طريقة أخرى، فلا يمكن إلزام أيّ طرف بشروط الطرف الآخر، ومن ثَمَّ فلا يجوز الحكم بتكفير السنّة لأنّهم لا يقبلون شروط التصحيح عند الشيعة، ولا يجوز تكفير الشيعة لعدم قبولهم شروط تصحيح أهل السنّة، ومن الفروق الأساسيّة بين الطرفين هي: أنّ أهل السنّة يحكمون بعدالة جميع الصحابة، ولذا يقبلون كلّ مرويّاتهم، في حين أنّ الشيعة لا يعتقدون بذلك فلا يقبلون إلّا رواية من ثبتت وثاقته ويرفضون مرويّات من لم تثبت وثاقته.

الدليل الثالث: تكفير أهل السنّة:

فمن المعلوم أنّ الشيعة لا يكفّرون أحداً من المسلمين ممّن آمن بالله تعالى وبرسوله (صلّى الله عليه وآله)، وبالقرآن وما جاء فيه من أحكام وعبادات، ولا يكفّرون من أهل القبلة إلّا النواصب الذين يعادون أهل البيت (عليهم السلام)، أمّا ما دون ذلك فهو مسلم تقبل شهادته وتصحّ ذبيحته وهكذا تشمله جميع الأحكام الخاصّة في التعامل مع المسلمين.

الدليل الرابع: (شركهم الصريح بالغلوّ في أهل البيت، ودعاؤهم غير الله، ووصفهم آل البيت بأوصاف لا تليق إلّا بربِّ العالمين)

فكما يكفّر الشيعة النواصب يكفّرون أيضاً الغلاة، وأوّل من قام بتكفير غلاة الشيعة هم أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم. إذْ يقول الإمام السجاد (عليه السلام): لقد قال اليهود في حقّ عزيز (عزيز ابن الله) و ما قاله المسيحيّون في حقّ المسيح (المسيح ابن الله)، فإذا قال أشخاص هذا بحقّنا نحن أهل البيت فلسنا منهم و ليسوا منّا.

وجاء في «اعتقادات» الشيخ الصدوق أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) قال: اللّهم إنيّ أبرأ إليك من الذين ادّعوا ما ليس لنا بحقّ، اللّهُمّ إنّي أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا، اللّهُمّ لك الخلق والأمر، وإيّاك نعبد وإيّاك نستعين، اللّهُمّ أنت خالقنا وخالق آبائنا الأوّلين وآبائنا الآخرين، اللّهُمّ لا تليق الربوبيّة إلّا لك، ولا تصلح الاُلوهيّة إلّا لك، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك، والعن المضاهين لقولهم من بريّتك، اللّهمّ إنّا عبيدك وأبناء عبيدك، لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، اللّهمّ من زعم أنّنا أرباب فنحن منه براء كبراءة عيسي بن مريم من النصارى، اللّهمّ إنّا لم ندعهم الى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يزعمون". انتهى. والروايات في هذا الشأن كثيرة.

أمّا أنّهم يدعون من دون الله فهذا افتراء وكذب، فالشيعة لا تدعو إلّا الله ولا تطلب إلّا منه، ولا يتعارض هذا مع القول بجواز التوسّل والاستغاثة بالأنبياء والأولياء والأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام)، وقد أجمع المسلمين ما عدا الوهابيّة على جواز ذلك والعمل به، وتفصيل الأدلّة يحتاج إلى مساحة أكبر، فنرجو من المهتمّ الرجوع إلى الكتب التي فصّلت في ذلك، مثل كتاب التوسّل للشيخ السبحانيّ وغيره.