حادثة شقّ صدر النبي (ص) عند الشيعة

السؤال: يقال: إنّه ورد في كتب الشيعة حادثة شقّ صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بإسناد معتبر عن أبي الحسن (عليه السلام): «طشت تغسل فيها قلوب الأنبياء»، فما تقولون؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انفرد المخالفون برواية حادثة شقّ صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بطرق وألفاظ مختلفة متباينة لا يمكن الجمع بينها، فاضطرّوا لحملها على تعدّد وقوع الحادثة، فقيل: حدثت مرّتين، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع. نذكر في المقام رواية واحدة منها:

روى أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة ومسلم بن الحجّاج وأبو يعلى الموصليّ والحاكم النيسابوريّ بالإسناد عن أنس بن مالك: « أنّ رسول الله (ص) أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشقّ عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظّ الشيطان منك، ثمّ غسله في طست من ذهبٍ بماء زمزم، ثمّ لامه، ثمّ أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه - يعني ظئره -، فقالوا: إنّ محمّداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنتُ أرى أثر ذلك المخيط في صدره » [مسند أحمد ج3 ص288، المصنف ج8 ص439، صحيح مسلم ج1 ص102، مسند أبي يعلى ج6 ص224، المستدرك ج2 ص528].

أقول: وهذه الأحاديث مهجورة عند الطائفة المحقّة (أعلى الله كلمتها)، معرَض عنها عند علمائنا الأبرار (رضي الله عنهم)، ولم يروها المتقدّمون عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، ولا عن غيرهم بما يدلّ على الاعتماد، ولهذا جاءت المدوَّنات الحديثيّة وغيرها خالية عنها؛ وذلك لنكارتها وشذوذها وانفراد المخالفين بها؛ إذ لا يصحّ ظاهرها ولا يمكن تأويلها إلّا على وجه بعيد، كما صرّح ابن شهر آشوب والشيخ الطبرسيّ.

وإليك بعض كلمات علماء الإماميّة:

قال ابن شهر آشوب: (قوله سبحانه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ليس فيه ما بهتوه، والشرح غير الشقّ، ولا يحيا الحيّ بعد ما شقّ صدره، والمعصوم قلبه خالٍ من الرين، وليس في الظاهر ما يدلّ على مقالهم) [متشابه القرآن ج2 ص10].

وقال أيضاً: (ما لا يصحّ ظاهره، ولا يمكن تأويله إلّا على التعّسف البعيد، فالأولى أن لا نقبله، نحو: أنّه كلّم الله جهرة ورآه وقعد على سريره، وأنّه شقّ بطنه وغسل) [متشابه القرآن ومختلفه ج2 ص11].

وقال نصير الدين الرازيّ القزوينيّ – ما تعريبه -: (أمّا قوله: « الشريعة لا رونق لها في بلاد الشيعة » فقد صدق فيه، فإنّ في مدينة قم لا يُجلِسون ربَّهم على العرش، وفي كاشان لا يشقّون صدر النبيّ، وفي مدينة آبه لا يقولون بشرك آباء النبيّ...) [كتاب النقض ص586]. وحكاه عنه السيّد التستريّ في [مجالس المؤمنين ج2 ص192].

وقال أبو الفتوح الرازيّ - ما تعريبه -: (وأمّا حديث شقّ البطن وغسل القلب، فهذا الحديث منكر عقلاً وشرعاً، وسنبيّن وجوه فساده – إن شاء الله – في قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}) [روض الجنان ج12 ص130].

وقال عماد الدين الطبريّ – عند ذكر عقائد الشيعة وخصائصهم -: (ولا يقولون: إنّ النكتة السوداء التي أُخرجت من قلب محمّد بعد شقّ الصدر كانت علامة الكفر) [كامل البهائي ج1 ص25].

وقال الشيخ الطبرسيّ: (ما لا يصح ظاهره، ولا يمكن تأويله إلّا على التعسّف البعيد، فالأولى أن لا نقبله... فنحو ما رُوي أنّه (ص) كلّم الله سبحانه جهرة ورآه وقعد معه على سريره، ونحو ذلك ممّا يوجب ظاهره التشبيه، والله سبحانه يتقدّس عن ذلك، وكذلك ما رُوي: أنّه شقّ بطنه وغسل؛ لأنّه (ص) كان طاهراً مطهّراً من كلّ سوء وعيب، وكيف يطهّر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء؟!) [مجمع البيان ج6 ص215-216].

وقال رجب البرسيّ – في فصل هفوات العامّة في الأنبياء -: (وقالوا: إنّ جبرائيل شقّ صدره وأخرج منه علقة، فقالوا: هذا حظّ الشيطان، ثمّ خاط صدره، فبقي أثر المخيط) [مشارق أنوار اليقين ص330].

وقال العلامة المجلسي: (أقول: اعلم أنّ شقّ بطنه (ص) في صغره في روايات العامّة كثيرة مستفيضة كما عرفت، وأمّا رواياتنا وإنْ لم يرد فيها بأسانيد معتبرة لم يرد نفيها أيضاً، ولا يأبى عنه العقل أيضاً، فنحن في نفيه وإثباته من المتوقفين، كما أعرض عنه أكثر علمائنا المتقدّمين، وإنْ كان يغلب على الظنّ وقوعه، والله يعلم وحججه (ع)) [بحار الأنوار ج16 ص140-141].

ويلاحظ ما ذكره السيّد الطباطبائيّ في [تفسير الميزان ج20 ص317-318]، والسيّد الجلاليّ في حاشية [لباب النقول ج4 ص340]، والسيّد العامليّ في [الصحيح من سيرة النبيّ ج2 ص164]، وغيرهم.

وقد زعم بعضُهم: أنّ هذا الحديث لـم ينفرد به المخالفون، وإنّما رواه من الشيعة: الشيخ الصدوق في [كمال الدين ص542]، وفرات الكوفيّ في [التفسير ص574]، والمسعوديّ في [مروج الذهب ج2 ص216]، والعلّامة الإربليّ في [كشف الغمّة ج2 ص132].

أقول: لا يُفرَح بهذه المصادر أبداً؛ لأنّ..

1ـ الشيخ الصدوق ذكر أخبار المعمّر المغربيّ – للاحتجاج على المخالفين المستنكرين طول عمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه) -، وقال في [صفحة ص537]: (ومخالفونا رووا أنّ أبا الدنيا المعروف بـ: معمّر المغربيّ، واسمه عليّ بن عثمان بن خطّاب بن مرّة بن مؤيّد لـمّا قبض النبيّ (ص) كان له قريباً من ثلاثمائة سنة، وأنّه خدم بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)... فأخبر أنّه شرب من ماء الحيوان فلذلك طال عمره، وأنّه بقي إلى أيّام المقتدر، وأنّه لم يصحّ لهم موته إلى وقتنا هذا، ولا ينكرون أمره، فكيف ينكرون أمر القائم (ع) لطول عمره)، ثمّ ساق جملةً من أخباره، ومنها حديث شقّ صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) من طريق أبي سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب عن أبي بكر محمّد بن الفتح الرقيّ وأبي الحسن عليّ بن الحسن بن الأشكيّ، عنه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

ورواة هذا الإسناد مجهولوا الحال عندنا، في حين أنّهم معروفون عند المخالفين، فأبو سعيد هذا هو الرازيّ النيسابوريّ، وقد سمع منه الشيخ الصدوق في نيسابور، ويُعـدّ من كبار محدّثي المخالفين، قال الحافظ الذهبيّ: « ومسند خراسان أبو سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب الرازيّ » [المعين في طبقات المحدثين ص117]، ويبدو أنّ أبا بكر هذا هو القلانسيّ ترجمه الخطيب وقال: « وكان ثقة » [تاريخ بغداد ج4 ص281]، وأمّا المعمّر المغربيّ فكتب المخالفين طافحة بأخباره وشرح حاله، قال ابن الأثير: « له صحيفة تُروى عنه، ولا تصحّ، وقد رواها كثير من المحدّثين مع علمٍ منهم بضعفها » [الكامل في التاريخ، ج8 ص358].

إذن: حديث معمّر المغربيّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حادثة شقّ الصدر، هو من أحاديث المخالفين، وإنّما أورده الشيخ الصدوق في جملة أخبار معمّر المغربيّ التي رواها المخالفون للاحتجاج عليهم فيما أنكروه من طول عمر الحجّة ابن الحسن (عجل الله فرجه).

2ـ فرات الكوفيّ ليس إماميّاً، بل هو زيديّ، وحديثه مرسلٌ إذ ورد فيه: (قال: حدّثني الحسين بن سعيد – معنعناً – عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك}، وهو ليس مرويّاً عن المعصومين (عليهم السلام)، وفي متنه نكارة واضحة إذ نُسب للنبيّ (صلى الله عليه وآله) المعصية.

3ـ المسعوديّ من علماء أهل السنّة، وليس من الشيعة الإماميّة، وتصانيفه تشهد بذلك، وقد عدّه العلّامة السبكيّ في [طبقات الشافعيّة الكبرى ج3 ص456]، ونسبته إلى التشيّع والاعتزال في كلام ابن حجر في [لسان الميزان ج4 ص225] لا يقتضي كونه إماميّاً؛ لسعة مفهوم التشيّع في إطلاقاتهم. وأمّا عنونة النجاشيّ له فهو لِـما نُسب له من تصانيف في الإمامة.

4ـ العلّامة الإربليّ نقل الحديث في فصلٍ عقده في مناقب السيّدة خديجة (عليها السلام)، إذ قال: « ومنه: قال الدولابيّ - يرفعه عن رجاله -: أنّه كان من بدءِ أمر رسول الله (ص) أنّه رأى في المنام رؤيا فشقّ عليه، فذكر ذلك لصاحبته خديجة، فقالت له: أبشر، فإنّ الله تعالى لا يصنع بك إلّا خيراً، فذكر لها: أنّ بطنه أُخرج وطُهِّر وغُسِّل ثمّ أُعيد كما كان، قالت: هذا خيرٌ، فابشر ».

فهذا الحديث – كما ترى - يتضمّن منقبةً للسيّدة خديجة (عليها السلام) وهو المسوِّغ لإيراده، وفيه أنّ الحادثة حدثت في المنام لا في اليقظة، وليس فيه إزالة نكتة سوداء هي نصيب الشيطان، فالحديث بهذه السياقة خالٍ من النكارة والشذوذ، أضف لذلك: أنّه لـم يخرج الحديث من طرق ومصادر الإماميّة، بل من كتاب الدولابيّ – وهو من كبار علماء المخالفين – وهو [الذريّة الطاهرة ص54]، ومنه نقل ابن سيد الناس في [عيون الأثر ج1 ص112]، وابن حجر في [فتح الباري ج13 ص400].

إذن: هذا الحديث لـم يخرّجه علماء الإماميّة في تصانيفهم من طرقهم، فما وقع في كتب بعض أصحابنا – كالصدوق والإربليّ – هو مخرَّج من كتب المخالفين وطرقهم، وليس تخريجهم للاعتماد عليها من حيث تضمّنها حادثة شقّ الصدر، وإنّما للاحتجاج على المخالفين، أو لتضمّنها منقبة للسيّدة خديجة (عليها السلام).

الحاصل: هذا الحديث مهجور عند أصحابنا، متروك عند علمائنا، معرض عنه؛ لِـما فيه من النكارة والشذوذ، وسنذكر بعض كلمات العلماء.

حديث الطست الذي يغسل فيه قلوب الأنبياء:

وقد زعم بعضهم: أنّ حادثة شقّ الصدر مرويّة عند الإماميّة بطرق معتبرةٍ بلفظ: « طست تُغسل فيه قلوب الأنبياء »، وقال العلّامة المجلسيّ في شرحه للحديث: (ويدلّ الخبر على أنّ قلوب الأنبياء تخرجها الملائكة وتغسلها، كما ورد في الأخبار العاميّة) [مرآة العقول ج15 ص453]، ولهذا قال المجلسيّ في موضعٍ آخر: (فنحن في نفيه وإثباته من المتوقفين، كما أعرض عنه أكثر علمائنا المتقدّمين، وإنْ كان يغلب على الظنّ وقوعه، والله يعلم وحججه (ع)) [بحار الأنوار ج16 ص140-141].

أقول: إنّ الحديث أخرجه الحميريّ والكافي بأسانيد معتبرة عن عليّ بن أسباط، قال – في حديثٍ -: « قلنا لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أصلحك الله، ما السكينة؟ قال: ريح تخرج من الجنّة، لها صورة كصورة الإنسان، ورائحة طيبة، وهي التي نزلت على إبراهيم، فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الأساطين، قيل له: هي من التي قال الله عزّ وجلّ : {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ}؟ قال: تلك السكينة في التابوت، وكانت فيه طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، وكان التابوت يدور في بني إسرائيل مع الأنبياء.. » [قرب الإسناد ص373، الكافي ج3 ص472].

وأخرجه العيّاشيّ من وجهٍ آخر عن العبّاس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: « سمعته وهو يقول للحسن: أيّ شيء السكينة عندكم؟ وقرأ: فـ{أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ}، فقال له الحسن: جعلت فداك، لا أدري، فأيّ شيء؟ قال: ريح تخرج من الجنّة طيّبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان، قال: فتكون مع الأنبياء، فقال له عليّ بن أسباط: تنزل على الأنبياء والأوصياء؟ فقال : تنزل على الأنبياء [والأوصياء]، قال: وهي التي نزلت على إبراهيم (ع) حيث بنى الكعبة، فجعلت تأخذ كذا وكذا، وبنى الأساس عليها، فقال له محمّد بن عليّ: قول الله: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}، قال: هي من هذا، ثمّ أقبل على الحسن فقال: أيّ شيء التابوت فيكم؟ فقال: السلاح، فقال: نعم هو تابوتكم، فقال: فأيّ شيء في التابوت الذي كان في بني إسرائيل؟ قال: كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت، والطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء » [تفسير العياشيّ ج1 ص133].

وأخرج طرفه الأوّل – أي تفسيره بالريح الجنّاويّة -: الكلينيّ عن ابن فضّال وابن أسباط [الكافي ج4 ص206، وج5 ص257]، والعياشيّ عن ابن فضّال [تفسير العياشي ج2 ص84]، والصدوق عن ابن همام [عيون أخبار الرضا ج1 ص278، معاني الأخبار ص284، من لا يحضره الفقيه ج2 ص246]، جميعهم عن الرضا (عليه السلام) .

ومن الواضح أنّ هذه الأحاديث تحكي حادثة واحدة، رُويت بأكثر من وجهٍ.

ومعنى الحديث: أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) يفسّر السكينة بأنّها « ريح تخرج من الجنّة طيّبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان »، ويقول في تفسير الآية: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ} بأنّ بقية التركة هي الألواح، والسكينة هي الطست التي تغسل فيه قلوب الأنبياء، فقوله (عليه السلام): « تلك السكينة في التابوت، وكانت فيه طست تغسل فيها قلوب الأنبياء » يعني أنّ السكينة على هيئة طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، فالطستُ تفسيرٌ للسكينة التي في التابوت، وهذه السكينة التي في التابوت هي من تلك السكينة التي هي ريح طيّبة من الجنّة.

هذا معنى الحديث، فيستفاد من ذلك وجود معنيين للسكينة، أحدهما ريح طيبة، والآخر الطست . وقد ذكر المفسِّرون هذين المعنيين في معنى السكينة، منهم المفسّر الشهير ابن جرير الطبريّ في [جامع البيان ج2 ص826ـ828]، فإنّه قال: (اختلف أهل التأويل في معنى السكينة، فقال بعضهم: هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان..) ورواه باستفاضة من طريق أبي وائل وأبي الأحوص وسلمة وخالد عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقال أيضاً: (وقال آخرون: إنّما هي طست من ذهب، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء..)، ورواه عن ابن عبّاس والسديّ.

إذا عرفتَ هذا، فنقول: هذا التفسير للسكينة لا يدلّ بوجهٍ على حادثة شقّ الصدر التي يرويها المخالفون؛ لوجوه عديدة:

الأوّل: أنّ (السكينة) على وزن فعيلة من السكون، وقد فُسِّرت في الأخبار والآثار عند الفريقين بـ: « ريح من الجنّة »، و« روح من الله يتكلّم »، و« طست تغسل فيه قلوب الأنبياء »، و« آية يسكنون إليها »، و« الرحمة »، و« الوقار »، وغير ذلك.

وقد رجّح المفسّر الطبريّ تفسيرها بـ « الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي تعرفونها »، وإلى هذا المعنى أرجع بقية المعاني المتقدّمة قائلاً: (لأنّ كلّ ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس وتثلج بهن الصدور) [جامع البيان ج2 ص829].

وقال العلّامة المجلسيّ – تعليقاً على كلام الطبرسيّ عند ذكر معاني السكينة -: (يمكن الجمع بين ما ورد في أخبارنا من معنى السكينة: بأنّ المراد جميع ذلك، وإنّـما ورد في كلّ خبرٍ بعضُ ما هو داخلٌ فيها) [بحار الأنوار ج13 ص445].

وقال السيّد السبزواريّ: (المستفاد من مجموع الأخبار الواردة في تفسير السكينة: أنّها أمرٌ معنويّ من عالـم الغيب، مؤيّد من قبل الله تعالى، فيه إدراكٌ وشعورٌ، ولا ينافي ذلك تصوّرها بصور مختلفة؛ لأنّ ذلك من شأن موجودات عالَـم الغيب.. فجميع الروايات تشير إلى معنى واحد - وهو الأمر المعنويّ من عالَـم الغيب - وإنْ كانت العبارات مختلفة) [مواهب الرحمن ج4 ص174].

فجميع ما ذكره المفسّرون والعلماء في معنى السكينة هي أمور معنويّة؛ لأنّ السكينة أمر معنويّ، لا ماديّ، وهذا يعني أنّ تفسير السكينة بـ « طست يغسل فيه قلوب الأنبياء » لا يُـراد به الغسل الماديّ، أعني إخراج القلب من الصدر وغسله في هذا الطست – كما في حادثة شقّ الصدر -، وإنّـما يُـراد به الغسل المعنويّ الذي يتناسب مع معنى السكينة والطمأنينة.

إذن: الحديث الرضويّ الوارد: « طست يغسل فيه قلوب الأنبياء » لا يدلّ بوجهٍ على حادثة شقّ الصدر التي يرويها المخالفون، وإنّـما يشير إلى قضيّة معنويّة تقتضي السكون والطمأنينة.

الثاني: لو تنزّلنا عـمّا سبق، فنقول: إنّ الحديث لا يدلّ على حادثة شقّ الصدر؛ للاختلاف الواضح البيّن؛ إذ إنّ حادثة شقّ الصدر تتضمّن شقّ الملائكة لصدر النبيّ (ص) شقّاً جسديّاً، وإخراج للقلب وغسله، وإخراج نكتة سوداء هي نصيب الشيطان، وظاهر علماء المخالفين كونها من خصائص النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله).

بينما حديث الطست يدلّ على تابوت بني إسرائيل يحتوي على طست يُغسل فيه قلوب الأنبياء، وهي لا تبيّن كيفيّة الغسل – إذ يمكن إرادة الغسل المعنويّ أو في المنام -، ولا إخراج النكتة السوداء التي هي نصيب الشيطان، ولا أنّها من خصائص النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ولا غير ذلك ممّا يرويه المخالفون.

فهذا الحديث مجملٌ من هذه الحيثيّات، ولا يمكن حمله على ما يرويه العامّة من حادثة شقّ الصدر لمجرّد الاشتراك في قضيّة (غسل القلب)؛ إذ غسل القلب يمكن أن يكون بأنحاء متعدّدة، ولا ينحصر بشقّ الصدر الماديّ.

الثالث: لو سلّمنا ما سبق، فنقول: يمكن أن تكون هذه الفقرة: « طست تغسل فيه قلوب الأنبياء » صادرة من المعصوم (عليه السلام) على نحو التقيّة والمداراة مع العباسيّين؛ لأنّ تفسير السكينة بالطست هو قول الصحابي عبد الله بن العبّاس – كما ذكرنا سابقاً -.

قال المحقّق الشيخ عبدالرحيم الربانيّ – تعليقاً على الحديث -: (لا يخلو عن غرابة، والظاهر أنّه صدر موافقاً لِـما يقوله العامّة) [بحار الأنوار ج13 ص443 الحاشية].

وقال أيضاً – تعليقاً على كلام المجلسيّ: من كون معاني السكينة ناظرة لجهات مختلفة من نفس الحقيقة -: (لا يبعد أن يكون ما ورد في بعضها: من أنّها الهرّ أو طست يُغسل فيها قلوب الأنبياء وغيره، ورد مورد التقيّة وموافقة العامّة) [بحار الأنوار ج13 ص445 الحاشية].

والحمد لله ربّ العالمين.