لماذا قام عثمان بن عفّان بطرد الصحابيّ أبي ذرّ الغفاريّ إلى الشام ؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

لقد كان الصحابيّ الجليل أبو ذرٍّ الغفاريّ رضوان الله عليه معارضاً لسياسات عثمان، مجاهراً بذلك، وهو ممّا سبّب له النفي والإبعاد عن مكّة والمدينة. فحين تولّى عثمان الخلافة جعل أقاربه في أماكن الدولة الحسّاسة، وأولئك كانوا فاسدين يملكون ثروات الدولة ويخزنونها، وهي حقّ لبيت مال المسلمين، فقام أبو ذرّ عليه الرضوان معترضاً، ومندِّداً بما يفعله الخليفة وأقاربه من تقاسم ثروات المسلمين بينهم، فنفاه إلى الشام، ثمّ إلى الربذة التي تقع شرق المدينة المنوّرة وتبعد عنها حوالي 200 كيلو متر.

والحقّ أنّنا لا نعلم طبيعة تفكير عثمان حين قرّر إبعاد الصحابيّ أبي ذرّ إلى الشام، لأنّ هذه الجزئية من قضيّة أبي ذرٍّ هي التي جاء السؤال عنها، ولكنْ يمكن أنْ نحدس الأسباب التالية:

ـ أنّ الشام بلاد بعيدة عن مكّة والمدينة، فتأثير صرخات أبي ذرّ إذا ما أطلقها هناك لن تصل إلى عاصمة الخلافة، وستتلاشى في ظلّ حكم معاوية هناك .

ـ أنّ الشام بيئة أمويّة الولاء لا تتأثّر بخطابات أبي ذرّ إذا ما حاول النيل من الخليفة وسياساته.

ـ لو أرسله إلى مناطق أخرى كمصر أو الكوفة أو اليمن ، لربّما أثّر أبو ذرّ فيهم وكوّنوا حزباً معارضاً يهدّد عرش الحاكم.

ـ سيكون معاوية بالمرصاد إذا ما حرّض أبو ذرّ الناس على الخليفة، فمعاوية موال للخليفة، وهما من قبيلة واحدة.

ـ ليكون أبو ذرّ تحت رقابة معاوية هناك.

ـ عدم وجود معارضين للحكومة في الشام يمكنهم أن يساندوا أبي ذرّ، على عكس المدينة، فشيعة الإمام عليّ (ع)، كعمّار وغيره كانوا معه يساندونه، حتّى ضرب الخليفة عمّاراً، وشتمه عمّار كما في الأحاديث الثابتة . راجع : الطبقات الكبرى ، ج 3 ص 260 – 261، ورواه ابن شبه بسند صحيح في تاريخ المدينة، [ج 3 - ص 1102]، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني،[ج5 ص 18].

وقد ورد في نهج البلاغة كلامٌ للإمام عليّ (ع) يلقي فيه الضوء على سبب إبعادهم لأبي ذرّ، إذْ قال الشريف الرضيّ: (ومن كلامٍ له عليه السلام لأبي ذرّ رحمه الله لما خرج إلى الربذة يا أبا ذرّ. إنّك غضبت لله فٱرجُ مَنْ غضبت له. إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فٱتركْ في أيديهم ما خافوك عليه، وٱهرب منهم بما خفتهم عليه. فما أحوجهم إلى ما منعتهم وما أغناك عمّا منعوك . وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حسداً. ولو أنّ السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثمّ ٱتّقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً ، ولا يؤنسنك إلّا الحقّ ، ولا يوحشنّك إلّا الباطل . فلو قبلت دنياهم لأحبّوك ، ولو قرضت منها لأمنّوك). [نهج البلاغة، ج 2 ص 12 ـ 13].