ما هو المعيار في الشعائر الحسينيّة؟

السؤال: مع اقتراب شهر المحرّم الحرام؛ ما هو معيار اعتبار بعض الممارسات التي يقوم بها المعزّين شعائر حسينيّة وبعضها ليس من الشعائر؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

أشرنا في إجابة سابقة بأنّ الشعائر الحسينيّة هي من صنف الشعائر التي لم يحدّد الشارع لها كيفيّة بعينها، وإنّما أوكل ذلك لعرف العقلاء والمتشرّعة، ومثال ذلك استحباب الذكر والتسبيح وقراءة القرآن والإحسان إلى الناس ووجوب برّ الوالدين وغير ذلك من المستحبّات والواجبات، فإنّ الشارع لم يتدخّل في بيان كيفيّة خاصّة لأدائها، وإنّما أوكل ذلك للمكلّف، ومن هنا جاز للإنسان تسبيح الله وتعظيمه بأيّ ذكر شاء، وفي أيّ زمان ومكان أراد، وكذلك الحال بالنسبة لقراءة القرآن فيجوز أن يفعل ذلك وحده أو مع آخرين، في بيته أو في المسجد، في الأفراح أو الأتراح، كما يجوز له أن يعقد المؤتمرات ويؤسّس المحافل القرآنيّة ويعقد المسابقات وغير ذلك من المظاهر التي تكون مصداقاً لقراءة القرآن، وكذلك لم يرسم الشارع تقاليد محدّدة لعنوان الإحسان أو برّ الوالدين، وإنّما جعل ذلك خاضع لعرف العقلاء والمتشرّعة، فكلّ ما يروه العقلاء والمتشرّعة إحساناً أو برّاً للوالدين لا يجوز للمكلّف مخالفته، والشعائر الحسينيّة من هذا القبيل، إذْ لم يبيّن الشارع كيفيّة معيّنة لإحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) وإنّما أوكل ذلك للمكلّفين، فمهمّة الشارع هي تحديد العنوان العامِّ للشعيرة، وقد بيّن الشارع ذلك عندما حكم باستحباب البكاء وإقامة المآتم ومطلق الحزن والتفجّع على الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد جاء في ذلك الكثير من النصوص مثل قول الإمام الصادق (عليه السلام): "من ذُكِرْنا عنده فسال من عينه مقدار جناح بعوضة غفر الله له ذنوبَه"، وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: "من تذكّر مصابنا فبكى وأبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذُكِّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون" (مكيال المكارم - ميرزا محمّد تقي الأصفهانيّ - ج ٢ - الصفحة ١٥٥).

وقوله (عليه السلام): "يا فضيل، أتجلسون وتتحدّثون؟ قلت: بلى سيّدي، قال: إنّي أحبّ تلك المجالس، فأحيوا فيها أمرنا، من جلس مجلساً يحي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" (بحار الأنوار ج 44 ص 282).

وفي رواية يخاطب الإمام عنترة بن هارون ويقول له: أزرت جدّي الحسين؟ قلت: بلى، زرت قبر جدّك الحسين. قال: سمعت أنّ الناس يفدون على قبر جدّي فبين نادبٍ يندب، وراثٍ يرثي، وقاصٍّ يقصُّ. قلت: سيّدي، رأيت بعض ذلك. قال: الحمد لله الذي جعل من شيعتنا من يفد إلينا، ويندبنا، ويرثينا" (كامل الزيارات ابن قولويه ص 539).

وعشرات النصوص التي تؤكّد استحباب الشعائر المرتبطة بذكرى الإمام الحسين (عليه السلام).

نعم، هناك بعض الشعائر الحسينيّة قد ورد النصُّ عليها بعينها مثل البكاء وإقامة المجالس والزيارة، وبعض الشعائر هي مصداق للعناوين العامة مثل إظهار الجزع والندب والرثاء، وكلّ فعل يكون مصداقاً لتلك العناوين طبقاً لحكم العقلاء والمتشرّعة يصبح من الشعائر الحسينيّة بالضرورة؛ وذلك لأنّ النصوص لم تحصر إقامة الشعائر في كيفيّة محدّدة وإنّما أكّدت على استحبابها في عنوانها العامّ.

ومن هنا فإنّ كلّ شعيرة يتوافق عليها المتشرّعة على أنّها من شعائر الحسين (ع) تصبح مستحبّة، ولكنْ لا تكون مستحبّة من باب ورود نصٍّ خاصٍّ بها، وإنّما من باب كونها مصداقاً للشعائر الحسينيّة المستحبّة في الجملة، فمثلاً مواكب العزاء تكون مستحبّة مادام عرف المتشرعة يَعُدُّها عنواناً للشعيرة الحسينيّة، وإذا تخلّى عنها العرف واستبدلها بشيء آخر يسقط عنها الاستحباب ويتحوّل الاستحباب إلى ذلك الشيء الآخر، وبالتالي كلّ شعيرة من شعائر الإمام الحسين (ع) تكون مستحبّة إذا عَـدّها العرف مصداقاً للنصوص التي أكّدت وندبت على إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا يتوقّف الأمر على وجود روايات ونصوص خاصّة بالمورد مادامت تلك الشعائر تجري تحت مظلّة العناوين العامّة التي حكم الشرع باستحبابها.

هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الشارع له حدود وضوابط عامّة تظلُّ حاكمةً على جميع الشعائر الإسلاميّة التي من ضمنها الشعائر الحسينيّة، فلذا لا يجوز أن تكون الشعائر مشتملة على ما هو محرّم شرعاً، كأنْ يُصاحبها الأغاني والموسيقى التي تتناسب مع مجالس اللّهو.

وغير ذلك من الضوابط الشرعيّة مثل الضرر على النفس أو الدين، وهنا يبرز دور الفقهاء في تحديد ما يجوز وما لا يجوز في الشعائر الحسينيّة، بناءً على النصوص والقواعد الفقهيّة.

وفي المحصّلة يجب أن تكون الشعائر الحسينيّة منضبطة بحدود الشرع وتكون أكثر تعبيراً على إظهار الحزن والتفجّع على الإمام الحسين (عليه السلام).