(الصدوق ليس أخباريّاً)

سؤالٌ: هل الشيخُ الصّدوقُ أخباريٌّ؟

: السيد رعد المرسومي

الجوابُ:

اعلَم أخي السّائل أنَّ الفترةَ ما بينَ الشيخِ الصّدوق (ره) وبينَ الأخباريّةِ تُقدّرُ بنحو ستّةِ قرون، إذِ الشيخُ الصّدوقُ، يُعَـدُّ مِن أعاظمِ علماءِ القرنِ الرّابعِ الهجري، ومِن أشهرِ المُحدّثينَ والفقهاءِ الشيعة، ولدَ سنةَ 305 هـ، وتوفّيَ 381 هـ.

وفي هذهِ الفترةِ وما بعدَها بكثيرٍ لم يكُن هناكَ شيءٌ اسمُه الأخباريّةُ والأصوليّة. في حينِ أنَّ مسألةَ الأخباريّينَ والأصوليّينَ ما برزَت إلى الساحةِ الإسلاميّةِ إلّا في القرنِ الحادي عشر.

والفرقةُ الأخباريّةُ كما هو معروفٌ عنهم يَعُـدُّونَ أخبارَ أئمّةِ الشيعة وأحاديثَهم مصدراً وحيداً للفقهِ واستنباطِ الحُكمِ الشرعي، ويضيّقونَ دائرةَ بعضِ أدواتِ الاستنباط، فلا يرونَ حُجّيّةَ ظواهرِ الكتاب، ويختارونَ الاحتياطَ في الشبهاتِ التحريميّة، وغيرها، ويرفضونَ تقسيمَ الحديثِ إلى الأقسامِ الأربعة.

ويمثّلُ هذه الفرقةَ صِنفان:

أحدُهما: متشدّدٌ يُمثّلُه الشيخُ محمّد أمين الأسترابادي وعبدُ اللهِ بنُ صالحٍ السماهيجيّ والميرزا محمّد الأخباريّ.

والصنفُ الآخرُ: معتدلٌ يُمثّلُه الشيخُ يوسف البحرانيّ والسيّدُ نعمةُ الله الجزائريّ والملّا مُحسن فيض الكاشانيّ ومحمّد تقي المجلسيّ ومحمّد طاهر القُمّي والشيخُ الحرُّ العامليّ.

وفي مُقابلِ فرقةِ الأخباريّةِ يوجد الفكرُ الأصوليّ الذي يرى أنَّ أدوات الاستنباطِ أوسعُ ممّا ذهبَ إليهِ الأخباريّون، ويُمثّلُ الفكرَ الأصوليّ الوحيدُ البهبهانيّ والشيخُ الأنصاريّ والشيخُ جعفر كاشفُ الغطاء.

وقد وقعَ الحوارُ بينَ الأخباريّينَ والأصوليّينَ حتّى قبلَ القرنِ الحادي عشر القمريّ للهجرةِ، لكن كانَ بشكلٍ غيرِ رسميٍّ ومُعلن، واشتدَّ الصّراعُ في القرنِ المذكورِ وسادَ المُصطلحانَ الأخباريُّ والأصوليّ، وأثمرَت هذهِ الحواراتُ بتطويرِ علمِ الأصول، وتحريكِ عجلتِه إلى نتائجَ مُبهرةٍ جدّاً.

ومِـمّا يؤيّدُ أنّ الصّدوقَ ليسَ أخباريّاً أنَّ كثيراً مِن علمائِنا الأعلامِ منَ الذينَ ترجموا له وكذلكَ الذينَ طالعوا كتبَه، وصفوهُ بأنّهُ ناقدٌ للأخبار. أيْ ناقدٌ لها مِن جهةِ سندِها ومتنِها، فهوَ لا يأخذُ بالخبرِ مُطلقاً حتّى يتحقّقَ منهُ سنداً كما يتحقّقُ منهُ متناً. وهذا الأمرُ واضحٌ مِن مسلكِه في كتبِه المعروفةِ كالفقيهِ وغيرِه.

وإليكَ طائفةً مِن عباراتِ علمائِنا في حقِّه التي تؤيّدُ ذلك:

1- قالَ الشيخُ أبو العبّاسِ أحمدُ بنُ عليّ بنِ العبّاسِ النجاشيّ (المتوفّى 450 ): ((محمّدُ بنُ عليٍّ بنِ الحُسين بنِ موسى بنِ بابويه القمّيّ أبو جعفرٍ نزيلُ الرّي، شيخُنا وفقيهُنا ووجهُ الطائفةِ بخُراسان, وكانَ وردَ بغدادَ سنةَ خمسٍ وخمسينَ وثلاثمائة, وسمعَ منه شيوخُ الطائفةِ وهوَ حدثُ السنِّ )) (رجالُ النجاشي : 389 الرقم 1049).

2- وقالَ شيخُ الطائفةِ أبو جعفر محمّدُ بنُ الحُسين الطوسيّ (المُتوفّى 460) في رجالِه : ((محمّدُ بنُ عليّ بنِ الحسينِ بنِ بابويه القمّي يُكنّى أبا جعفرٍ جليلُ القدرِ، حفظةٌ بصيرٌ بالفقهِ والأخبارِ والرّجال... )) (رجالُ الطوسي : 495 الرقم 25).

وقالَ في فهرستِه : (( محمّدُ بنُ عليّ بنِ الحُسين بنِ موسى بنِ بابويه القمّي, جليلُ القدرِ, يُكنّى أبا جعفرٍ كانَ جليلاً حافظاً للأحاديث, بصيراً بالرّجال, ناقداً للأخبار, لم يُرَ في القُمّيّينَ مثلهُ في حفظِه وكثرةِ علمِه... )) (الفهرستُ : 156 الرقم 695).

3- وقالَ الحافظُ الشهيرُ محمّدُ بنُ عليّ بنِ شهرآشوب المازندرانيّ (المتوفّى (588) : ((أبو جعفر محمّدُ بنُ عليّ بنِ الحُسين بنِ موسى بنِ بابويه, مبارزُ القُمّيّين, له نحوٌ مِن ثلاثمائةِ مُصنّفٍ...)) (معالمُ العلماء : 111 الرّقم 764).

4- وقالَ الشيخُ أبو جعفر بنُ محمّدِ بنِ منصور بنِ أحمدَ بنِ إدريس الحلّي (المتوفّى 598): (( شيخُنا أبو جعفر محمّدُ بنُ عليّ بنِ بابويه... فإنّه كانَ ثقةً جليلَ القدرِ بصيراً بالأخبارِ, ناقداً للآثارِ, عالماً بالرّجالِ, حفظةً...)) (السرائر : 2 / 529).

5- وقالَ العالمُ الجليلُ السيّدُ أبو القاسمِ عليُّ بنُ موسى بنِ محمّدٍ الطاووس (المتوفّى 664) في فرجِ المَهموم :(( الشيخُ المُتّفقُ على علمِه وعدالتِه أبو جعفر محمّدُ بنُ عليّ بنِ بابويه... )) (فرجُ المهموم : 129, ومثلُه في مقدّمةِ فلاحِ السائل:11). ووثـّقَه في فلاحِ السائلِ صريحاً، إذْ قال : (( الشيخُ أبو جعفر ابنُ بابويه فإنّه ثقةٌ في ما يرويهِ مُعتمدٌ عليه )) (فلاحُ السائل : 156).

6- وقد أثنى عليهِ عدّةٌ مِن علمائِنا المُتأخّرين، منهم : ابنُ داودَ الحلّيّ (كانَ حيّاً في سنةِ 707) والعلّامةُ الحسنُ بنُ يوسفَ بنِ عليّ بنِ المُطهّرِ الحلّيّ (المتوفّى 726) في رجالِهما (رجالُ ابنِ داود : 199 الرّقمُ 1455 ورجالُ العلّامةِ الحلّيّ : 147 الرّقم 44, عنهُ، لؤلؤةُ البحرين372: و373) والمُحقّقُ التفريشيّ (كانَ حيّاً في سنةِ 1044) في نقدِ الرّجال) نقدُ الرّجال : 322 الرقمُ 569), والعلّامةُ القهبائيّ (كانَ حيّاً في سنةِ (1021 (في مجمعِ الرّجال) مجمعُ الرّجال : 5 / 269, و 270) والمُحقّقُ الأردبيليّ (المتوفّى 1101) في جامعِ الرّواة) جامعُ الرواةِ : 2 / 154.

7- وقالَ المُحقّقُ الكركيّ (المتوفّى 940 ): ((الشيخُ الإمامُ الفقيهُ السعيدُ المُحدّثُ الرحّالةُ إمامُ عصرِه أبو جعفر محمّدُ بنُ عليٍّ بنِ بابويه القمّي المُلقّبُ بالصّدوق - قدّسَ اللهُ روحَه -...)) (في إجازتِه للشيخِ إبراهيم بنِ عليّ بنِ عبدِ العالي, راجع البحار : 108 / 46). وغيرهم. ودمتُم سالِمين.