حال حكيم بن جبلة العبديّ

السؤال : ما حال حكيم بن جبلة الذي قتله جيش عائشة في البصرة؟ حيث ذكر إحسان إلهي ظهير أنّه كان لصّاً وهو من أجبر الزبير على البيعة للامام عليّ ع.. بينما نرى في بعض مقولات الامام عليّ عليه السلام مدحا له؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

حكيم بن جبلة من خيار أصحاب أمير المؤمنين (ع)، استشهد دفاعا عن الحقّ. وما ذكره ظهير لا يصحّ، ومحاولة البعض تشويه سمعته إنّما لكونه قاد قومه ثائراً على عثمان محاصرا له، ثمّ نصرته لعليّ (ع).

قال ابن عبد البرّ ( ت 463هـ) : ( حكيم ، ويقال حكيم بن جبلة ، وهو الأكثر ، ويقال ابن جبل ، [ وابن جبلة ] [ 2 ] ، العبديّ ، من عبد القيس ... وكان رجلاً صالحاً له دين ، مطاعا في قومه ... ولمّا قدم الزبير ، وطلحة ، وعائشة ، البصرة ، وعليها عثمان بن حنيف واليا لعليّ رضي الله عنه ، بعث عثمان بن حنيف حكيم بن جبلة العبديّ في سبعمائة من عبد القيس ، وبكر بن وائل ، فلقي طلحة والزبير بالزابوقة قرب البصرة ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فقتل رحمه الله ، قتله رجل من بنى حدّان . هذه رواية في قتل حكيم بن جبلة ...). [الاستيعاب، ج ١، ص ٣٧٠].

وقال أبو أحمد العسكريّ ( ت 382هـ ): ( حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس من أصحاب عليّ رضي الله عنه قتل هو وأخوه الزعل ، وابنه الأشرف في طاعة عليّ رضي الله عنه ). [تصحيفات المحدّثين، ج ٣، ص 106 ـ 107].

وقال المسعوديّ ( ت 346هـ) عن قادة أهل الجمل : ( وأرادوا بيت المال فمانعهم الخزّان والموكّلون به وهم السبابجة ، فقتل منهم سبعون رجلا غير من جرح ، وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبرا من بعد الأسر ، وهؤلاء أوّل من قُتل ظلماً في الإسلام وصبرا ، وقتلوا حكيم بن جَبَلة العبديّ ، وكان من سادات عبد القيس وزُهَّاد ربيعة ونُسَّاكها ). [مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج ٢، ص ٣٥٨].

وقال أبو الصلاح الحلبيّ ( ت 447هـ) عن طلحة والزبير ومن معهم : ( فلمّا انتهوا إليها دعوا الناس إلى خلع عليّ عليه السلام وبيعتهما وعائشة ، فأجابهم من لا بصيرة له أو من يرغب في الفتنة ، وامتنع حكيم بن جبلة العبديّ في مائتين من صلحاء قومه، فقتلوه وجماعته ، وغدروا بعثمان بن حنيف...). [تقريب المعارف، ، ص ٣٠٠].

فإذا تبيّن ذلك، فاعلم أنّ مستند إحسان إلهي ظهير في زعمه أنّ حكيم بن جبلة لصٌّ هو رواية سيف بن عمر. فراجع الفتنة ووقعة الجمل، لسيف بن عمر الضبيّ الأسديّ، ص 42، وعنه نقل الطبريّ تلك التهمة الزائفة. [تاريخ الطبريّ، ج ٣، ص ٣٦٨].

ومن المعلوم عند ذوي الاختصاص أنّ سيف بن عمر متروك الحديث ضعيف كذّاب متّهم بالزندقة كما في ترجمته في كتب الرجال. قال مغلطاي : ( وقال أبو سعيد النقّاش : عامّة أحاديثه موضوعة ، وقال الحاكم أبو عبد الله : اتّهم بالسرقة وهو في الرواية ساقط . وقال ابن الجوزيّ في كتاب « الموضوعات » : هو كذّاب بإجماعهم . وذكره أبو العرب والساجيّ ، والعقيليّ ، والبلخيّ في « جملة الضعفاء. وقال ابن حبّان البستيّ : اتّهم بالزندقة ويروي الموضوعات ). [إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج ٦، ص ١٩٤].

وأما قول ابن حجر في (تقريب التهذيب ، ج1 ص428): ((إنّ سيف بن عمر ضعيف الحديث، عمدة في التاريخ، أفحش ابن حبّان القول فيه))، فلا يُعبأ به مطلقاً، وقد ردّه المحقّقان بشّار والأرنؤوط في تعقّبهما عليه، إذْ قالا: ((بل متروك، فحديثه ضعيفٌ جدّاً، وإذا كان ابن حبّان قد أفحش القول فيه، فابن حجر لم يصفه بما يستحق، فهو متروك كما قلنا، وحتّى أخباره في التاريخ ليست بشيء...)) [راجع كتاب تحرير تقريب التهذيب للدكتور بشّار عوّاد والأرنؤوط، رقم الترجمة (2724)].

وأمّا ما يتعلّق بزعمهم أنّه جاء بالزبير وأجبره على البيعة، فمستبعد جدّاً، إذْ ليس الزبير بالرجل السهل الذي يقوده رجل ليجبره على البيعة، بل بايع الزبير مختارا حاله حال طلحة، والحادثة التي جاء السؤال حولها رواها البلاذريّ بسند ضعيف، قال: حدّثني عباس بن هشام بن محمّد الكلبيّ، عن لوط بن يحيى أبي مخنف ، عن أبي روق الهمدانيّ ، وعن المجالد بن سعيد عن الشعبيّ ... وكان طلحة أوّل من بايع من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم ، وبعث عليّ بن أبي طالب من أخذ مفاتيح بيت المال من طلحة . وخرج حكيم بن جبلة العبديّ إلى الزبير بن العوّام حتّى جاء به فبايع ، فكان ( الزبير ) يقول : ساقني لصّ من لصوص عبد القيس حتّى بايعت مكرها). [أنساب الأشراف، ج ٢، ص 206 ـ 207].

وفي هذا الإسناد عباس بن هشام الذي هو مجهول، وفي السند علل أخرى تزيده ضعفا.

وممّا يزيد الأمر وضوحاً ويبطل ما ورد في هذا الخبر أنّ الإمام عليّاً (ع) كان قد مدح حكيم بن جبلة حين بلغه خبر استشهاده (ره)، إذْ ورد في الخبر: أنه - عليه السلام - لما بلغه - وهو بالربذة - خبر طلحة والزبير وقتلهما حكيم بن جبلة ورجالا من الشيعة وضربهما عثمان بن حنيف وقتلهما السبابجة ، قام على الغرائر فقال : إنّه أتاني خبر متفظّع ونبأ جليل : أنّ طلحة والزبير وردا البصرة فوثبا على عاملي فضرباه ضربا مبرحا وترك لا يدرى أحيّ هو أم ميّت ، وقتلا العبد الصالح حكيم بن جبلة في عدّة من رجال المسلمين الصالحين لقوا الله موفّون ببيعتهم ماضين على حقّهم ، وقتلا السبابجة خزّان بيت المال الذي للمسلمين ، قتلوهم صبرا ، وقتلوا غدرا ، فبكى الناس بكاء شديدا ورفع أمير المؤمنين - عيه السلام - يديه يدعو ويقول : اللّهُمّ اجزِ طلحة والزبير جزاء الظالم الفاجر والخفور الغادر). [الكافئة، للشيخ المفيد ص 17 ـ 18].

وقال أبو هلال العسكريّ ( ت 395هـ ) : ( ثمّ جاء عبد اللّه بن الزبير في أصحاب له ، فطرق عثمان بن حنيف وأسره ، وجيء به إلى طلحة والزبير فأمرا به فضرب ، ونتفت لحيته ، وأرادا قتله ، فقال معاذ بن عبد اللّه : إنْ قتلتموه لا آمن الأنصار على ذراريكم بالمدينة ، فحبسوه ، ثمّ أرسلوه ، فقال حكيم بن جبلة : ما كنت في شكّ من قتالهم ، ولقد ازددت فيه بصيرة ، فمن كان في شكّ فلينصرف فخرج في سبعمائة من عبد القيس وبكر بن وائل ، فقاتلهم ، فضرب رجل منهم ساق حكيم فقطعها ، فأخذها حكيم فرماه بها فصرعه ... وقتل يومئذ سبعون رجلا من عبد القيس ، وبلغ أمرهم عليّاً فقال: دعا حكيم دعوة سميعة * نال بها المنزلة الرّفيعة ...) [الأوائل، ص ٢٠٣].

وممّا يؤكّد مدح الإمام عليّ (ع) له ما ذكره البلاذريّ نقلا عن أبي مخنف : (فخرج عليّ من المدينة في سبعمائة من الأنصار وورد الربذة ، فقدم عليه المثنّى بن محربة العبديّ، فأخبره بأمر طلحة والزبير ، وبقتل حكيم بن جبلة العبديّ فيمن قتل من عبد القيس وغيرهم من ربيعة ، فقال عليّ عليه السلام : يا لهف أمّاه على الربيعة * ربيعة السامعة المطيعة قد سبقتني بهم الوقيعة * دعا حكيم دعوة سميعة نال بها المنزلة الرفيعة) [أنساب الأشراف ، ص233ـ 234].

وأختم المقال بذكر بعض أقوال علماء الإمامية في مدح حكيم :

قال السيّد عليّ خان المدنيّ الشيرازيّ ( ت 1120هـ ) : (وكان حكيم المذكور أحد من شنّع على عثمان لسوء أعماله وهو من خيار أصحاب أمير المؤمنين " ع " مشهور بولائه والنصح له ...) [الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، ، ص ٤٠٧].

وقال الشيخ عبد الله المامقانيّ ( ت 1351هـ) : ( حكيم بن جبلة العبديّ عدّه الشيخ رحمه اللّه في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام . وعن المجالس : إنّه من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أيضا ، وإنّه كان رجلا صالحا مطاعا في قومه ، وحارب طلحة والزبير قبل قدوم أمير المؤمنين عليه السلام ، واستشهد) وقال : ( والمستفاد من ذلك أنّ الرجل من خلّص شيعة أمير المؤمنين). عليه السلام) [تنقيح المقال في علم الرجال، ج ٢٣، الشيخ عبد الله المامقاني ، ص ٤٢٥].

وقال الشيخ محمّد رضا المامقانيّ في تعليقه على تنقيح المقال : (حصيلة البحث لا ينبغي التأمّل في حسن الرجل وجلالته ، وكفاه فخرا أن يعدّ من خيار أصحاب أمير المؤمنين أرواحنا فداه والناصحين له ، فهو حسن أقلّا ، والحديث من جهته حسن كالصحيح) [ن . م. ص 426].

وقال الشيخ عليّ النمازيّ الشاهروديّ : ( حكيم بن جبلة بن حصن العبديّ : من أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام . الرجل صالح كما قاله أمير المؤمنين عليه السلام . رواه في البحار عن العلّامة والسيّد والمفيد وغيرهم ... حارب طلحة والزبير قبل قدوم أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة وقتلاه ، وعدّه أمير المؤمنين عليه السلام من عبّاد أهل البصرة ومخبتيهم كما في مكتوبه ... يستفاد من ذلك قوّة إيمانه وكماله وأنّه من رؤساء الشيعة ، ولا نحتاج إلى إثبات صلاحه إلى الاستشهاد بقول ابن الأثير وأمثاله ) [مستدركات علم رجال الحديث، ج ٣، ص ٢٤٥].