أحوال زيد بن الحسن وكذلك زيد النار

السؤال: بعض السادة ذكر أنّ زيد بن الإمام الحسن (ع)، مات ناصبيّاً ولم يترحّم عليه أهل البيت (ع). وزيد بن الإمام الكاظم (ع) المعروف بزيد النار، مات ناصبيّاً ، ولم يترحّم عليه أهل البيت (ع).. فهل يصحُّ ذلك؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب :

بخصوص زيد بن الإمام الحسن (ع)، فقد قال الشيخ المفيد ( ت 413هـ) بشأنه : (وكان جليل القدر كريم الطبع ظلف النفس كثير البرّ، ومدحه الشعراء وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله ، فذكر أصحاب السيرة : أنّ زيد بن الحسن كان يلي صدقات رسول الله صلّى الله عليه وآله فلمّا ولي سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله بالمدينة : أمّا بعد فإذا جاءك كتابي هذا ، فاعزل زيداً عن صدقات رسول الله صلّى الله عليه وآله وادفعها إلى فلان ابن فلان - رجل من قومه ...) . [الإرشاد، ج 2 ، الشيخ المفيد، ص 21].

وقال أيضا : ( وخرج زيد بن الحسن رضي الله عنه من الدنيا ولم يدّعِ الإمامة ، ولا ادّعاها له مدّعٍ من الشيعة ولا غيرهم ، ... وزيد بن الحسن رحمة الله عليه كان مسالما لبني أميّة ومتقلّدا من قبلهم الأعمال ، وكان رأيه التقيّة لأعدائه والتألّف لهم والمداراة ) . [الإرشاد، ج 2 ص 22 ـ 23].

وقال الشيخ عبد الله المامقانيّ: ( وكان زيد بن الحسن جواداً ممدوحاً ) . [تنقيح المقال في علم الرجال، ج 29 ص 160 ].

نعم، وردت رواية تدلُّ على ذمّ زيد بن الإمام الحسن (ع) وسعيه لأذيّة الإمام الباقر (ع) وقتله، رواها قطب الدين الراونديّ ( ت 573هـ ) في الخرائج والجرائح، ج 2 ص 116، رواها عن أبي بصير من دون سند، وكذا رواها مرسلة ابن حمزة الطوسيّ ( ت 560هـ) في الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي، (ص 392 ـ 389).

قال السيّد الخوئيّ معلّقا على هذه الرواية ـ وقد تركتها لطولها ـ : ( وفي البحار ، المجلد 46 ، ص 329 ، ح 12 ، باب أحوال أصحاب الباقر عليه السلام وأهل زمانه ، روى عن الخرائج والجرائح رواية طويلة تتضمّن معارضة زيد بن الحسن ، الباقر عليه السلام ، وذهابه إلى عبد الملك وسعيه في قتل الباقر عليه السلام ، ونسبة السحر إليه ومباشرته لقتله بإركابه السرج المسموم ، إلّا أنّ الرواية مرسلة ، على أنّها غير قابلة للتصديق ، فإنّ عبد الملك لم يبقَ إلى زمان وفاة الباقر عليه السلام جزما ، فالرواية مفتعلة ) . [معجم رجال الحديث، ج 8 ص 351 ـ 352 ].

وممّا تقدّم، نخلص إلى أنّه لا دليل على كون زيد بن الحسن ناصبيّاً.

وأمّا بخصوص زيد بن الإمام الكاظم (ع) ، ونسبته للنصب فلا دليل يثبت ذلك، نعم، كان زيد مخالفاً للأئمّة منحرفاً عنهم متّبعاً للزيديّة عاصياً كما يظهر من بعض الأخبار، لكنْ لم يصل به الحال إلى عداوته ونصبه لهم.

قال الطبريّ ( ت 310هـ) : ( والذي كان بالبصرة من الطالبيّين زيد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن حسين بن عليّ بن أبي طالب ومعه جماعة من أهل بيته، وهو الذي يقال له زيد النار، وإنّما سُمّي زيد النار لكثرة ما حرق من الدور بالبصرة من دور بني العباس وأتباعهم، وكان إذا أُتي برجل من المسوّدة كان عقوبته عنده أن يحرقه بالنار، وانتهبوا بالبصرة أموالا فأخذه عليّ بن أبي سعيد أسيرا وقيل إنّه طلب الأمان فآمنه). [تاريخ الطبريّ، ج 7 ص 123 ].

وروى الصدوق ( ت 381هـ) عتاب الإمام الرضا (ع) له، قال : ( حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ومحمّد بن موسى المتوكّل وأحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ رضي الله عنهم قالوا : حدّثنا عليّ بن إبراهيم هاشم قال : حدّثني ياسر أنّه خرج زيد بن موسى أخو أبي الحسن عليه السلام بالمدينة وأحرق وقتل وكان يسمّى زيد النار فبعث إليه المأمون فأُسِرَ وحمل إلى المأمون فقال المأمون : اذهبوا به إلى أبي الحسن ، قال ياسر : فلما أدخل إليه قال له أبو الحسن عليه السلام : يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة أنّ فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيّتها على النار، ذلك للحسن والحسين خاصّة، إن كنت ترى أنّك تعصي الله عزّ وجلّ وتدخل الجنّة وموسى بن جعفر عليه السلام أطاع الله ودخل الجنّة فأنت إذاً أكرم على الله عزّ وجلّ من موسى بن جعفر عليه السلام، والله ما ينال أحد ما عند الله عزّ وجلّ إلّا بطاعته وزعمت أنّك تناله بمعصيته فبئس ما زعمت ! فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك فقال له أبو الحسن عليه السلام : أنت أخي ما أطعت الله عزّ وجلّ؛ إنّ نوحاً عليه السلام قال : (ربّ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين ) فقال الله عزّ وجلّ : ( يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح ) فأخرجه الله عزّ وجلّ من أن يكون من أهله بمعصيته ) . [عيون أخبار الرضا ( ع ) ، ج 2 ص 259 – 260].

وقال الشيخ المفيد : (وعليّ الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام وقد ولي العهد من قبل المأمون وأنكر على أخيه زيد بن موسى الخروج على السلطان). [المسائل الجاروديّة ، ص 39 ].

قال ابن شهرآشوب : ( وَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع عَلَى الْمَأْمُونِ فَأَكْرَمَهُ وَعِنْدَهُ الرِّضَا ع فَسَلَّمَ زَيْدٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ أَنَا ابْنُ أَبِيكَ وَلَا تَرُدُّ عَلَيَّ سَلَامِي فَقَالَ ع أَنْتَ أَخِي مَا أَطَعْتَ اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْتَ اللَّهَ فَلَا إِخَاءَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ). [المناقب،ج 4 ص361 ].

وقال الإربليّ (ت693هـ) : ( كان زيد بن موسى بن جعفر خرج بالبصرة ودعا إلى نفسه وأحرق دورا وعاث ثمّ ظفر به وحمل إلى المأمون قال زيد لمّا دخلت إلى المأمون نظر إليّ ثمّ قال اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا فتركني بين يديه ساعة واقفا ثمّ قال يا زيد سوءة لك ما أنت قائل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا سفكت الدماء وأخفت السبيل واخذت المال من غير حلّه ...). [كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ج 3 ص 104 ].

وقال ابن عنبة الحسنيّ : ( ولمّا دخل البصرة وغلب عليها أحرق دور بنى العبّاس وأضرم النار في نخيلهم وجميع أسبابهم ، فقيل له زيد النار ، وحاربه الحسن بن سهل فظفر به وأرسله إلى المأمون فأدخل عليه بمرو مقيّدا فأرسله المأمون إلى أخيه عليّ الرضا " ع " ووهب له جرمه ، فحلف عليّ الرضا " ع " أن لا يكلّمه أبدا وأمر بإطلاقه). [عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، ص 221].

ويؤكد ابن أبي الرجال الزيديّ موقف الإمام الرضا ع منه، قال: ( زيد بن موسى الكاظم الذي كان يلقّب بزيد النار، كان عالما كبيرا من وجوه أهله... فلما دخل على البصرة وغلب عليها حرق دور بني العباس وأضرم النار في نخيلهم ... فأرسله المأمون إلى أخيه عليّ الرضا، ووهب له جرمه، فحلف عليّ الرضا ألّا يكلّمه أبدا، وأمر بإطلاقه ) [مطلع البدور ج2 ص 313 ].

فلاحظ أنّ المصادر التاريخيّة والحديثيّة من مختلف المذاهب تكاد تتّفق على فعل زيد النار من حرق الدور والقتل بغير حقّ.

قال الشيخ عبد الله المامقانيّ : ( وقد أورد الصدوق رحمه اللّه في العيون أخبارا كثيرة تدلّ على ذمّه وسوء حاله ... ولكن كفى بخروجه وقتله وحرقه مسقطا له ، فضلا عن منادمته للخلفاء ، وحضوره معهم في مجالسهم المشهورة ، فلا اعتماد على خبره ). [تنقيح المقال في علم الرجال، ج29 ص 299 ـ 301 ].

وقال الشيخ قال محمّد رضا المامقانيّ في تعليقه على تنقيح المقال : ( حصيلة البحث أنّ المعنون لمّا لم يكن محلّ اعتماد الإمام الرضا عليه السلام لكونه جنّاه وتعهد أن لا يكلّمه مدى الحياة ، ثمّ التأمّل في سيرته وحوادث حياته تسلب الوثوق به ). [تنقيح المقال في علم الرجال، (ج 29 ص 302 ـ 303).