هل إقامة الحقّ تكليف خاصّ بالإمام المهديّ؟
السؤال: الإمام المهديّ المنتظر هو وحده الذي يقيم دين الله ولا يحقّ لغيره أن يدّعي ذلك، فقد جاء في دعاء الافتتاح (وسلطان حقٍّ تظهره) أي أنّ الإمام الحجّة وحده هو الذي يظهر سلطان الحقّ، فلا الفقهاء ولا الولي الفقيه قادرون على تجديد الفرائض والسنن وإقامة الامت والعوج وإزالة الجور والعدوان وهدم أبنية الشرك والنفاق.
الإجابة:
هذا النوع من التفكير والاستدلال يقوم على المصادرة والمغالطة، فالمعاني والحقائق والمفاهيم على مستوى مصاديقها الخارجيّة تتحرّك من المصداق (الأقلّ) الي المصداق (الأتمّ والأكمل)، فمثلاً لو قلنا إنّ رسول الله هو المصداق الأكمل لمعنى الرحمة فإنّ هذا القول لا يعني مصادرة الرحمة عن بقيّة البشر، ولو قلنا إنّ الرسول هو المبلّغ لرسالة الإسلام فإنّ هذا لا يعني أنّ غيره لا يحقّ له تبليغ الإسلام، وكذا الحال في الايمان والتقوى والعمل الصالح وكلّ قيم الدين، فإذا لم يقدر المكلّف على بلوغ المقدار الأتمّ من الإيمان والتقوى والعمل الصالح لا يسقط عنه المقدار الأقلّ والميسور. أو كما يقول الإمام عليّ عليه السلام: (ألّا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد) ويقول أيضاً: (ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه)، وهذه قاعدة اتّفق عليها جميع البشر وعليها قوام الحياة ... فإذا لم نتمكّن من بسط العدل على كلّ الأرض لا يعني أن لا نبسطه في بعضها، وإذا لم نقدر على ذلك لا يعني أن يسقط عنّا التكليف ونستكين للظلم .. فالله سبحانه كلّفنا بالحقّ وإقامة العدل سواء تحقّق ذلك في الواقع أو لم يتحقّق، فالمهمّ هو السعي والعمل، فقد أمرنا الله بالجهاد في سبيله فقال: (جاهدوا) ولم يقل: (انتصروا)؟
وقد جاء في نفس الدعاء (اللّهُمّ إنّا نشكو إليك فقد نبيّنا صلواتك عليه واله وغيبة وليّنا وكثرة عدوّنا وقلّة عددنا وشدّة الفتن بنا وتظاهر الزمان)، فهل نفهم من ذلك أنّ كثرة عدوّنا تعني أن نسلّم لهم ولا نعمل على مقاومتهم؟ وهل قلّة عددنا تعني أن لا نعمل لتكثير عددنا، وهل شدّة الفتن بنا تعني أن نرتمي في أحضانها ولا نعمل على تغييرها؟
ثمّ من قال إنّ الفقهاء أو الولي الفقيه ليسوا مكلّفين بتجديد الفرائض والسنن، وإقامة الامت والعوج، وإزالة الجور والعدوان، وهدم أبنية الشرك والنفاق؟ بلى هم وجميع المؤمنين مكلّفين بذلك سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الأمّة، ألم يكلّف الله المؤمنين بالفرائض والسنن، وطالبهم بإقامة الأمت والعوج، وأمرهم بإزالة الجور والعدوان، وكلّفهم بهدم أبنية الشرك والنفاق؟.. فالذي يقف أمام الأمت والعوج دون أن يحرّك ساكناً بحجّة أن ذلك تكليف الإمام الحجّة (عج)، أو الذي يرى الجور ولا يزيله، ثمّ ينادي يابن الحسن أنت مطالب بإزالته وليس أنا، والذي يقف أمام أبنية الشرك والنفاق متفرّجاً دون السعي لهدمها لأن ذلك تكليف غيره وليس تكليفه.. فمثل هذا لا يعدّ مؤمنا بالله ولا كتابه ولا رسوله ولا إمامه..
فالمؤمن مع تسلميه بأنّ إقامة دولة الحقّ الكبرى لن تكون إلّا على يد الإمام الحجّة (عج) إلّا أنّه يسعى بجهده وبقدر إمكاناته لتمهيد الطريق لذلك، وعندما يسعى لإقامة الحقّ يعلم أنّ الطريق الذي يسلكه سيكون ختامه النصر العزيز والفوز الكبير وذلك بظهور المهديّ الذي يتوّج كلّ هذه الأعمال بدولة الحقّ الكبرى.. فكون هناك إمام تتحقّق كلّ تلك المشاريع على يديه يشكّل حافزاً للمضيّ قدما في هذا السبيل وليس مدعاة لرفع التكليف عن عاتقي وجعله على عاتق طرف آخر.
على أنّه ينبغي الأخذ في الاعتبار أنّ الروايات التي تحدّثت عن الرايات قبل قيام الإمام، أو التي أمرت بأن نكون أحلاس البيوت، وغيرها من الروايات التي وجّهت الشيعة في اتّخاذ موقف معيّن في زمن الأئمّة، هي روايات على نحو القضيّة الخارجيّة وليست على نحو القضيّة الحقيقيّة، أي هي عبارة عن توجيهات كانت تراعي حالة معيّنة في ضمن ظروف معيّنة وليست في مورد تأصيل قاعدة عابرة للظروف والأزمان.
اترك تعليق