قبر موسى بن جعفر (ع) الترياق المجرب
السؤال: ما هو الدليل على أنّ قبر موسى بن جعفر الكاظم موضعاً للكرامة بحيث تُقضى عنده حوائج السائلين؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم -أخي السائل- أنّ ما يعتقده الإماميّة في أئمّتهم المعصومين (عليهم السلام) والحجج الطاهرين هو كونهم أبوابَ لطفه تعالى بالعباد، حيث أكرمهم تعالى في حياتهم وبعد مماتهم، فجعلهم وسائط في الفيض، وصيّر قبورهم من المواضع التي يحبّ أن يُدعى فيها، حتّى أصبحت ملاذاً وأماناً للمسلمين على مختلف مذاهبهم ومشاربهم، متى قصدوها بيقين صادق، ثمّ توسّلوا بأصحابها إلى الله تعالى فقد قضى لهم حوائج الدنيا والآخرة بالغةً ما بلغت إجلالاً وإكراماً منه عزّ وجلّ للأئمّة (عليهم السلام). وهذا ما يشهد له الحديث الصحيح عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «أهل بيتي أمان لأُمّتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون» [المستدرك ج2 ص448]، قال الحاكم: (صحيح الإسناد ولم يخرجاه)].
ويعتقد الشيعة بأنّ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) – كغيره من الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) – له من الله الكرامة التي جعلت من قبره أماناً وملاذاً للناس، وموضعاً لإنجاح طلباتهم وقضاء حوائجهم، كما يستفاد ذلك من النصوص الواردة عن الإمام الرضا (عليه السلام)، فمن ذلك:
1ـ ما ورد عن زكريا بن آدم، قال: «قلت للرضا (عليه السلام): إنّي أريد الخروج عن أهل بيتي، فقد كثر السفهاء، فقال: لا تفعل فإنّ أهل قم يُدفَع عنهم بك كما يُدفَع عن أهل بغداد بأبي الحسن (عليه السلام)» [رجال الكشّيّ ص496، الاختصاص ص87].
2ـ ما رواه المشهديّ عنه (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ الله تعالى نجّى بغداد بمكان قبر أبي الحسن موسى (عليه السلام)» [المزار الكبير ص40].
3ـ ما رواه ابن أبي جمهور عنه (عليه السلام) أنّه قال: «قبر أبي ببغداد أمان لأهل الجانبين» [عوالي اللئالي ج4 ص84].
فإنّ المستفاد من هذه النصوص ونحوها هو أنّ وجود قبر الأمام (عليه السلام) في بغداد أمان لأهلها وسبب لدفع البلاء العامّ عنهم، وتحقّق النجاة لهم من حلول الشداد ونزول البلاء، فلو لم يكن الإمام (عليه السلام) وجيهاً عند الله تعالى وله كرامة عليه لَـمَا كان قبره كذلك، وما دام أنّه وجيه عند ربّه وله كرامة عليه فلابدّ أنّه باب لقضاء الحوائج؛ ومن هنا كان مقصداً للوافدين وموضعاً لقضاء حوائج السائلين.
ناهيك عن قيام التجارب - والتجربة خير من البرهان - وظهور الآيات البيّنات والحجج القاطعات على كون قبره (عليه السلام) موضعاً لنزول أنواع الرحمة وجريان الفيوضات الإلهيّة.
وهذا الاعتقاد بكرامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عند الله تعالى، وكونه باباً للحوائج، وأن قبره ممّا يُقصد عند الشدائد، ليس ممّا تفرّد به الشيعة من بين جميع المسلمين، بل هو أيضاً عقيدة غيرهم من المذاهب الإسلاميّة الأخرى، وهذا أمر مشهور ومعروف عند الجميع، وقد صرّح به جهاراً غير واحد من أئمّة تلك المذاهب وعلمائها، وإليك بعض كلماتهم:
1ـ قال الإمام الشافعيّ: (قبر موسى الكاظم الترياق المجرّب) [ينظر: لمعات التنقيح للدهلويّ الحنفيّ ج4 ص215، حياة الحيوان ج1 ص189، شرح زروق على متن الرسالة ج1 ص434، رسالة السجاعيّ الشافعيّ في كرامات الأولياء ص6].
2ـ قال أبو علي الحسن بن إبراهيم الخلّال الحنبليّ: (ما همّني أمرٌ فقصدت قبرَ موسى بن جعفر فتوسّلت به إلّا سهّل الله لي ما أحبّ) [تاريخ بغداد ج1 ص132].
3ـ قال محمّد بن طلحة الشافعيّ – في ترجمة الإمام -: (ويُعرَف بالعراق بباب الحوائج إلى الله؛ لنجح مطالب المتوسّلين إلى الله تعالى به، كرامته تحار منها العقول، وتقضي بأنّ له عند الله تعالى قدم صدق لا تَزِلُّ ولا تَزول) [مطالب السؤول ج2 ص120].
4ـ قال ابن الصبّاغ المالكيّ -في ترجمته-: (قال بعض أهل العلم:.. وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله؛ وذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين، ونيل مطالبهم، وبلوغ مآربهم، وحصول مقاصدهم) [الفصول المهمّة ج2 ص932].
5ـ وقال أحمد بن يوسف القرمانيّ الحنفيّ – في ترجمته-: (هو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج، لأنّه ما خاب المتوسل به في قضاء حاجة قط!) [تاريخ الدول ج1 ص337].
6ـ وقد أنشد في ذلك الكثير من الشعراء، منه قول عبد الباقي العمريّ:
لُذْ واستجرْ متوسلاً * إنْ ضاق أمرُك أو تعسّرْ
بأبي الرضا جدِّ الجوادِ * محمدٍ موسى بنِ جعفرْ [ديوان العمري ص129-130].
وهنالك كلمات أخرى لعلماء العامّة صرّحوا فيها بكرامة الإمام الكاظم (عليه السلام) على الله وظهور المعجزات والكرامات الباهرات عند قبره الشريف، يمكنكم الوقوف عليها بمراجعة جواب سابق بعنوان: (الإمام الكاظم (ع) في نظر علماء العامّة).
ختاماً، هذا ما وفّقنا الله تعالى لتحريره، والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق