موقف عائشة من أخيها محمد

ما هو موقف عائشة من أخيها محمَّد بن أبي بكر، ولماذا لم تطالب بدمه كما طالبت بدم عثمان؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

وُلد محمَّد بن أبي بكر بذي الحليفة في السنة العاشرة للهجرة، وكان قد سمَّاه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) محمَّداً، وكنَّاه أبا القاسم، وأمُّه أسماء بنت عميس، كان قد تزوَّجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة أبي بكر (وكان أبو بكر تزوَّجها بعد قتل جعفر بن أبي طالب)، وكان محمَّد ربيبه في حجره، وشهد مع عليٍّ الجمل، وكان على الرجالة، وشهد معه صفِّين، ثمَّ ولَّاه مصر فقُتل بها، وكان ممن حصر عثمان بن عفَّان .... ولما ولي مصر سار إليه عمرو بن العاص فاقتتلوا، فانهزم محمَّد ودخل خرِبةً فأُخرِج منها وقُتل، وأحرِق في جوف حمارٍ ميِّت، قيل: قتله معاوية بن حديج السكونيُّ، وقيل: قتله عمرو بن العاص صبراً) [يُنظر: الغارات للثقفيّ ج2 ص758].

كان محمَّد بن أبي بكر مغايراً لمنهج عائشة العقائديّ، فقد عُرف عنه الولاء لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من أعدائه، بعكس ما كانت عليه، وقد تجلَّى ذلك بوضوحٍ في معركة الجمل.

1ـ فقد روى الشيخ المفيد (طاب ثراه) وفيه: (...وصاح اقطعوا البطان، فأسرع محمَّد بن أبي بكر فقطعه، وأطلع الهودج، فقالت عائشة: من أنت؟ قال: أبغض أهلك إليك، قالت: ابن الخثعميَّة؟

قال: نعم، ولم تكن دون أمهاتك!

قالت: لعمري بل هي شريفة، دع عنك هذا، الحمد لله الذي سلَّمك. قال: قد كان ذلك ما تكرهين!

قالت: يا أخي، لو كرهته ما قلتُ ما قلت.

قال: كنت تحبين الظفر وأنَّي قتلت!

قالت: قد كنتُ أحبُّ ذلك، لكنَّه ما صرنا إلى ما صرنا أحببتُ سلامتك، لقرابتي منك، فاكفف ولا تعقب الأمور، وخذ الظاهر، ولا تكن لومة ولا عذلة، فإنَّ أباك لم يكن لومةً ولا عذلةً) [كتاب الجمل ص196، وانظر: تاريخ الطبريّ ج4 ص519].

2ـ وروى الطبريُّ في تاريخه فقال: (انتهى محمَّد بن أبي بكر ومعه عمار، فقطع الأنساع عن الهودج واحتملاه، فلمَّا وضعاه أدخل محمَّد يده وقال: أخوك محمَّد. فقالت: مذمَّم؟ [من الذم]. قال: يا أخية، هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذاك) [تاريخ الطبريّ ج3 ص539].

3ـ وروى أيضاً فيه عن محمَّدٍ وطلحة، قالا: (أمر عليٌّ نفراً بحمل الهودج من بين القتلى، وقد كان القعقاع وزفر بن الحارث أنزلاه عن ظهر البعير، فوضعاه إلى جنب البعير، فأقبل محمَّد بن أبي بكر إليه ومعه نفر، فأدخل يده فيه، فقالت: من هذا؟ قال: أخوك البر، قالت: ‌عقوق) [تاريخ الطبريّ ج4 ص533].

4ـ وروى ابن الأثير فقال: (وأَمَـرَ محمَّدَ بن أبي بكر وعماراً أنْ يضربا عليها قبَّة، وجاء إليها أخوها محمَّد فسألها: هل وصل إليك شيءٌ ‌من ‌الجِراح؟ فقالت: وما أنت وذاك يا بن الخثعميَّة) [البداية والنهاية ج10 ص468].

وبناءً على ما تقدَّم ـ من قولهِ لها: (أبغضُ أهلك إليكِ) وقولهِ: (قد كان ذلك ما تكرهين) وقولهِ: (كنتِ تحبين الظفر وإني قتلتُ) وتسميته بمُذمَّم بدل محمَّد وغير ذلك ـ يتَّضح لنا جلياً موقف عائشة من أخيها محمَّد بن أبي بكر (رضوان الله عليه)، ومنه يتَّضح التأمُّل في بعض المرويات الحاكية لحزنها على مقتله وحرقه، وامتناعها عن أكل الشواء جزعاً عليه [يُنظر: الغارات للثقفيّ ج2 ص758].

أمَّا مطالبتها بدم عثمان دونه، فقد كان لدواعٍ معروفة، يجمعها البغض لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكانت تلك المطالبة ذريعةً لتأليب الناس ضدَّه وليس حبَّاً في عثمان بن عفَّان.

كيف، وهي الواصفة إياه بـ(نعثل)، والمحرِّضة على قتله تمهيداً لحكم ابن عمِّها بعده، نعم بعد أنْ فشل ذلك المخطط، وذهاب الحكم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) صار الطلب بدم عثمان ذريعةً لحربه وقتاله، بخلاف المطالبة بدم أخيها الذي يُعدُّ واحداً من أنصاره وقائداً من قادته.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ موقف عائشة من أخيها محمَّد كان سيئاً جداً الأمر الذي جعلها تطالب بدم غيره دونه.. والحمد لله ربِّ العالمين.