«كنت كنزا مخفياً فأحببت أن أُعرف»

السؤال: هل صحَّ الحديث القدسيُّ: «كنتُ كنزاً مخفيَّاً فأحببتُ أنْ أُعرَف»، وما معناه؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أخي السائل بأنَّنا بعد البحث والتفتيش في المصادر المتاحة لدينا لم نعثر على هذا الحديث في المصادر الحديثيَّة المعروفة ـ كالكتب الأربعة وغيرها ـ وإنما ورد ـ بعدَّة ألفاظٍ ـ في كتب التصوُّف والعرفان بشكلٍ واضحٍ، كما ورد في بعض كتب الحديث المتأخِّرة عندنا، وكذلك ورد في جملةٍ من كتب ومصادر أهل العامَّة.

فانظر مثلاً: [ختم الأولياء ص290، منازل السائرين ص214، فصوص الحِكم ج2 ص61، - وفيه ما فيه - للروميّ ص٢٣٠، وغيرها.

وانظر: رسائل المحقق الكركيّ ج3 ص159، روضة المتَّقين ج2 ص710، بحار الأنوار ج84 ص199، وغيرها.

وانظر: تفسير الرازيّ ج28 ص194، نفائس الأصول ج9 ص3961، تحفة المسؤول ج1 ص284، العواصم والقواصم ج6 ص355، تفسير النيسابوريّ ج1 ص269، تفسير أبي السعود ج2 ص130، مرقاة المفاتيح ج1 ص154]، وغيرها.

ولعلَّ السرَّ في شيوعه عند أرباب التصوُّف والعرفان لاعتقادهم صحَّة الحديث كشفاً لا رواية، فانظر: [الفتوحات المكيَّة ج2 ص399].

هذا، وقد حَكَمَ بضعفه ـ بل وضعه ـ بعض العلماء، منهم أبو عبد الله المحاسبيّ، فقال ما لفظه: (فلا قيمةَ لما يرويه الحشويَّة وينسبونه إلى الرسول: «كنتُ ‌كنزاً ‌مخفياً، فأردتُ أنْ أعرف فخلقتُ الخلق، فبي عرفوني») [فهم القرآن ومعانيه ص245].

وقال إسماعيل بن محمَّد العجلونيّ: («كنتُ ‌كنزاً لا أعرف، فأحببتُ أنْ أُعرف فخلقتُ خلقاً، فعرَّفتهم بي، فعرفوني».

وفي لفظ: «فتعرَّفتُ إليهم فبي عرفوني»، قال ابن تيمية: ليس من كلام النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، ولا يعرف له سندٌ صحيحٌ ولا ضعيف. وتبعه الزركشيُّ والحافظ ابن حجر في اللآلئ، والسيوطيُّ وغيرهم.

وقال القاري: لكنَّ معناه صحيحٌ مستفادٌ من قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، أي ليعرفوني، كما فسَّره ابن عبَّاس. والمشهور على الألسنة: «كنتُ كنزاً مخفيَّاً، فأحببتُ أنْ أعرَف فخلقتُ خلقاً، فبي عرفوني». وهو واقعٌ كثيراً في كلام الصوفيَّة، واعتمدوه وبنوا عليه أصولاً لهم) [كشف الخفاء ج2 ص155].

وقال الشيخ عبد الرحمن ابن الدَّيْبَع: (حديث: «كنتُ كنزاً لا أعرف، فأحببتُ أنْ أعرف فخلقتُ خلقاً، فعرَّفتهم بي فعرفوني». قال ابن تيمية: إنه ليس من كلام النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، ولا يُعرف له سندٌ صحيحٌ ولا ضعيفٌ، وتبعه الزركشيُّ وابن حجر) [تمييز الطيب ص82].

وقال المحدِّث الألبانيُّ: (... وهي محفوظةٌ في مكتبة الأوقاف الإسلاميَّة في حلب، وكذلك شرح أحدُهم حديث: «كنتُ كنزاً مخفياً…» في رسالةٍ خاصَّةٍ أيضاً موجودةٍ في المكتبة المذكورة برقم (135) مع أنَّه حديثٌ لا أصل له أيضاً كما سيأتي، وذلك ممَّا يدلُّ على أنَّ هؤلاء الفقهاء لم يحاولوا ـ مع الأسف الشديد ـ الاستفادة من جهود المحدِّثين في خدمة السنة وتنقيتها مما أُدخِل فيها؛ ولذلك كثرت الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتبهم، والله المستعان) [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ج1 ص166].

وقال السيِّد المرعشيُّ (طاب ثراه) بعد نقله الكلام المتقدِّم: (أقول: وكذا يظهر من بعض الأصحاب، وبعد ذلك فمن العجب أنه شَرَحَ هذه الجملة بعض العلماء زعماً منه أنَّه خبرٌ مرويٌّ وحديثٌ مأثورٌ عنه (صلَّى الله عليه وآله) وعليك بالتثبت والتحرِّي) [شرح إحقاق الحق ج1 ص431].

وقال الشيخ علي النمازيُّ الشاهروديُّ (طاب ثراه): (والحديث المعروف: «كنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أنْ أعرف ... إلخ» من الموضوعات، كما في إحقاق الحق) [مستدرك سفينة البحار ج9 ص193].

وقال الشيخ حيدر الوكيل (دامت بركاته): (الحديث الرابع عشر: «كنتُ كنزاً مخفيَّاً فأحببتُ أنْ أُعرف فخلقتُ الخلق لأعرف» عاميٌّ موضوع) [الإسفار عن نصوص الأسفار ص46].

معنى الحديث:

وأمَّا معناه ـ مع غضِّ النظر عن جهة الصدور ـ فالظاهر من ألفاظه أنَّ المراد منه: هو أنَّ الله تعالى لم يكن يُعرف قبل خلقه الخلق، وبذلك فقدت المخلوقات كمال المعرفة بربِّها؛ ولذلك تفضَّل وأنعم عليها بالخلق والإيجاد، فحازت المخلوقات كمال المعرفة بخالقها، فكان خلقه إياها السبب في المعرفة له. وعليه، يكون خلقه إيانا تفضُّلاً وكمالاً، وكان تعريفنا به سبحانه تفضُّلاً وكمالاً آخر، والله العالم.

والنتيجة النهائيَّة مما تقدَّم، أنَّ الحديث المشار إليه من الأحاديث الموضوعة ـ أو الضعيفة على أحسن الأحوال ـ وأنَّ معناه التفضُّل على المخلوقات بالخلق والإيجاد أوَّلاً، وتعريفهم به سبحانه ثانياً .. والحمد لله ربِّ العالمين.