جعفر بن أبي طالب قائد معركة مؤتة

السؤال: لماذا جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعفر بن ابي طالب (عليه السلام) تحت إمرة زيد بن حارثة يوم مؤتة، وقال: إنْ أُصيب زيدٌ فجعفر؟ ولماذا لم يشارك الامام عليٌّ (عليه السلام) في هذه المعركة؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

إنَّ السائل متأثّرٌ جدَّاً بما هو مشهورٌ لدى الجمهور حول ترتيب قادة معركة مُؤته، وقد جعل مضمون سؤاله من المسلَّمات، دون أنْ ينظر لرأي الإماميَّة، مع أنَّه وجّه سؤاله إليهم، وكان الأولى أنْ يسأل عن رأي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حول ترتيب أمراء جيش مؤتة، وهل هو موافقٌ لرأي الجمهور أم لا؟

فالذي ذهب إليه علماء الإماميّة -اعتماداً على مرويات أهل البيت (عليهم السلام) - هو كون جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) القائد الأول لمعركة مؤتة، ثم زيد بن حارثة، ثم عبد الله بن رواحة، وكان هذا بتعيينٍ من النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

روى سليم بن قيس [ت76هـ] حوار ابن عباس مع معاوية، ومنه قوله: «يا معاوية، أما علمتَ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين بعث إلى مؤتة أمَّرَ عليهم جعفر بن أبي طالب، ثمّ قال: إنْ هلك جعفر بن أبي طالب فزيدُ بن حارثة، فإنْ هلك زيدٌ فعبدُ الله بن رواحة» [كتاب سليم ص367].

فهذا المعنى الذي تضمّنه هذا الكتاب يعكس رأي الشيعة، وله شواهدُ في كتب الخاصَّة والعامَّة، ممّا يجعل روايةَ سليمٍ معتبرةً:

قال الشيخ الطبرسيُّ [ت548هـ] - ناقلاً عن كتاب أبَانِ -: (وفي رواية أبَانِ بن عثمان، عن الصادق (عليه السلام): «أنَّه استعمل عليهم جعفراً، فإنْ قُتِل فزيدٌ») [إعلام الورى ج1 ص 212].

وقال الشيخ المجلسيُّ [ت1111هـ]: (وكان جعفر من المهاجرين الأولين، هاجر إلى أرض الحبشة... ثم غزا غزوة مُؤْتَة في سنة ثمان من الهجرة، وقاتل فيها حتى قُطعت يداه جميعاً، ثم قُتِل) [بحار الأنوار ج22 ص278].

وقال السيد جعفر مرتضى العامليُّ [ت1441هـ]: (إنّ غالب محدّثي أهل السنة قالوا: بأنَّه (صلى الله عليه وآله) قد أمَّر على السرية زيداً أولاً. ولكن الصحيح هو أنَّ الأمير الأول كان جعفر بن أبي طالب، كما ذهب إليه الشيعة) [الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج19 ص309].

وقد نقل ابن أبي الحديد المعتزليُّ [ت656هـ] أنّ رأي الشيعة هو كون جعفر هو الأمير الأوّل ثمّ من بعده زيد بن حارثة، وأنّهم استندوا في ذلك إلى روايات، قال: (اتّفق المحدّثون على أنّ زيد بن حارثة كان هو الأمير الأوّل، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول، فإنْ قُتِلَ فزيدُ بن حارثة، فإنْ قُتِل فعبدُ الله بن رواحة، ورووا في ذلك روايات) [شرح نهج البلاغة ج15 ص62].

وعلى الرغم من ذهاب أغلب الجمهور إلى أنَّ زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول لجيش المسلمين، إلَّا أَّنه قد روى بعضهم خلاف ذلك، وفاقاً لرأي الإمامية، وسنذكر بعض الشواهد:

1ـ روى ابن سعد [ت230هـ] بالإسناد عن أبي عامر قال: «بعثني رسول الله (ص) إلى الشام، فلما رجعتُ مررتُ على أصحابي وهم يقاتلون المشركين بمُؤتة، قلتُ: والله، لا أبرح اليوم حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهم، فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ولبس السلاح. وقال غيره: أخذ زيدٌ اللواء وكان رأس القوم...) [الطبقات الكبرى ج2 ص99].

أقول: هذه شهادةٌ من الصحابيِّ أبي عامر أنّ اللواء كان بيد جعفر، وقال غيره - وهم مجهولون -: أخذه زيد.

2ـ للصحابيّ حسان بن ثابت شعرٌ يشهد لرأي الإماميَّة، قال ابن إسحاق: (وكان ممّا بُكِيَ به أصحاب مُؤتة من أصحاب رسول الله (ص) قول حسان بن ثابت:...

فلا يبعدنَّ اللهُ قتلى تتابعوا * بمؤتةَ منهم ذو الجناحين جعفرُ

وزيدٌ وعبد الله حين تتابعوا * جميعاً، وأسبابُ المنيَّة تخطرُ

غداة مضوا بالمؤمنين يقودُهم * إلى الموت ميمونُ النقيبة أزهرُ) [السيرة النبويَّة ج3 ص 259].

وهذه الأبيات مثبتةٌ في [ديوان حسان بن ثابت ج1 ص 98]، وكذا في أكثر من مصدرٍ مثل: [البداية والنهاية ج4 ص297].

فحسان يرى أنَّ أول قتيلٍ من الأمراء الثلاثة هو جعفرٌ، وهذا مفاد قوله في البيت الأول، حيث ذكر جعفرا أوّلاً، ثم استعمل الفعل (تتابعوا)، ثم عاد وقال بعد أنْ ذكر جعفرا: (وزيدٌ وعبد الله حين تتابعوا)، وهذا يعكس رؤية حسان التي لا شك أنَّه أخذها من النبيِّ ومما اشتهر بين المسلمين آنذاك.

3ـ وقال ابن هشام [ت218هـ]: (وقال كعب بن مالك:...

كَأَنَّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَا * مِمَّا تَأَوَّبَنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ

وَجْداً عَلَى النَّفَرِ الَّذِينَ تَتَابَعُوا * يَوْمًا بِمُؤْتَةَ أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا

صَلَّى الْإِلَهُ عَلَيْهُمُ مِنْ فِتْيَةٍ * وَسَقَى عِظَامَهُمُ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ

صَبَرُوا بِمُؤْتَةَ لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ * حَذَرَ الرَّدَى وَمَخَافَةً أَنْ يَنْكُلُوا

فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنَّهُمْ * فُنُقٌ عَلَيْهِنَّ الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ

إِذْ يَهْتَدُونَ بِجَعْفَرٍ وَلِوَائِهِ * حَيْثُ الْتَقَى وَعْثُ الصُّفُوفِ مُجَدَّلُ) [السيرة النبويَّة ج3 ص260].

هذا شاهدٌ آخر، حيث يرى كعب بن مالك أنَّ جعفراً كان أول قائدٍ لجيش المسلمين في مؤتة، والمسلمون كانوا يهتدون به في تلك المعركة.

4ـ ويبدو أنَّ تقديم جعفر هو ما كان يميل إليه المؤرخ اليعقوبيُّ [ت284هـ] ـ وهو ليس شيعيَّاً ـ، قال: (غزاة مُؤتة: ووجَّه جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في جيش إلى الشام لقتال الروم سنة 8، وروى بعضهم أنَّه قال: أمير الجيش زيد بن حارثة، فإنْ قُتِل زيدُ بن حارثة فجعفرُ بن أبي طالب، فإنْ قُتل جعفر بن أبي طالب فعبد الله بن رواحة، فإنْ قُتل عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون من أحبَّوا. وقيل: بل كان جعفر المُقَدَّم ثم زيدُ بن حارثة ثم عبدُ الله بن رواحة) [تاريخ اليعقوبيّ ج2 ص 65].

ـ وهنا قد يطرأ في الذهن سؤالٌ: وهو سبب ذهاب أغلب الجمهور إلى تولية زيد قيادة الجيش دون جعفر؟

وبرأيي أنَّ التأثير الأمويَّ واضحٌ في هذا الأمر، فجعفر هاشميٌ، ولا يطيب خاطر بني أميَّة بجعله القائد الأول لتلك المعركة الكبيرة، فإنَّ تأثيرهم في صياغة رواية الحديث وكتابة التاريخ مما لا يخفى على القارئ المُنصف.

لقد بات واضحاً رأيُ الإماميَّة في تعيين قادة مؤتة وليس الأمر كما جاء في السؤال.

أما الشطر الآخر من السؤال وهو: سبب عدم إشراك الإمام عليٍّ (عليه السلام) بإرساله مع جيش المسلمين في مُؤتة، فهذا يرجع للسياسة الحكيمة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا نعلم سرَّ ذلك إلا بتخميناتٍ ترد على عقولنا قد تصيب وقد تخطئ.

والحمد لله ربِّ العالمين.