هل الإسلام دين عنف وكراهيّة كما يدّعي بيل وارنر؟
السؤال: يقول بيل وارنر: «إذا قرأتَ الكتاب المُقدّس للبوذيّة ستجدَه يتحدّث عن (كيف تكون بوذيّاً)، وليس عن (كيف تُدِين غير البوذيّين)، عكس القرآن المليء بالكراهيّة تجاه غير المسلمين، فـ 51% من محتوى القرآن والسيرة يتحدّث عن (ماذا تفعل للكافر)؛ لذلك وصْفُ الإسلامِ على أنّه دينٌ هو وصفٌ قاصرٌ، فإنّه تنظيمٌ سياسيّ».
الجواب:
يحاول بيل وارنر (بيل فرانش) التمييز بين الإسلام كعقيدةٍ فرديّةٍ والإسلام السياسيّ، زاعماً أنّ انتقاداته لا تستهدف الدّين بحدّ ذاته، بل تركّز على الجوانب السياسيّة المتعلّقة بغير المسلمين.
غير أنّ هذا الطرح ليس سوى محاولةٍ لإعادة إنتاج صورةٍ سلبيّةٍ عن الإسلام من خلال ادّعاء أنّ تعاليمه تدعو للهيمنة والعنف. فمثل هذه المقاربة تُستخدم عادةً لتبرير الهجوم على الإسلام ككلّ، حيث يتمّ تصوير (الإسلام السياسيّ) على أنّه جوهر الدّين، ممّا يسهّل عمليّة التشويه وإلصاق التُّهَم به.
وبناءً على ذلك، فإنّ الادّعاء بأنّ (القرآن مليءٌ بالكراهيّة تجاه غير المسلمين)، أو أنّ (الإسلام مجرّد تنظيمٍ سياسيّ)، هو في حقيقته طرحٌ متحيّزٌ يسعى إلى التشويه، وقد سبق أنْ تناولنا العديد من هذه الشُّبهات في إجاباتٍ سابقةٍ؛ لذا سنردّ على هذه الادّعاءات بشكلٍ مباشرٍ في نقاط:
1ـ هل القرآن مليءٌ بالكراهيّة تجاه غير المسلمين؟
الجواب: القول بأنّ القرآن يحرّض على الكراهيّة تجاه غير المسلمين هو استنتاجٌ مغلوطٌ ناتجٌ عن قراءةٍ انتقائيّةٍ للنصوص، حيث يتمّ التركيز على آيات القتال بمعزلٍ عن سياقها التاريخيّ والتشريعيّ، مع إغفال التعاليم القرآنيّة العامّة التي تؤكّد على التّسامح والتّعايش. فالقرآن يضع ضوابط واضحةً للعلاقة مع غير المسلمين، حيث يقول: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، ممّا يدلّ على أنّ الأصل في التّعامل مع غير المسلمين هو البِرّ والعَدل، لا العداء والبغضاء.
أمّا الآيات التي تتحدّث عن الكفّار، فهي لا تتعلّق بهويّتهم كأفراد، بل بمواقفهم من الإسلام، فالقرآن يميّز بين مَن يُعادي الإسلام ويحاربه وبين مَن يتعايش معه بسلام. والكفر في الإسلام مفهومٌ عقائديٌّ، وليس عِرقيّاً أو قوميّاً، والقرآن يؤكّد على مبدأ حريّة الاعتقاد بقوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وقوله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، فكيف يُتَّهَم القرآن بالكراهيّة وهو يُقرّر هذا المبدأ بكلّ وضوح؟ بل إنّ العديد من الآيات تدعو إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، كما في قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46].
وعليه، فإنّ اتّهام القرآن بنشر الكراهيّة تجاه غير المسلمين يتجاهل هذه التعاليم الواضحة، ويعتمد على قراءة مُجتزَأة تهدف إلى تشويه الإسلام، بدل فهمه في سياقه الكامل الذي يجمع بين العدل والتسامح وحريّة الاعتقاد.
2ـ هل فعلاً أنّ هناك نسبة 51% من القرآن والسيرة يتحدّث عن (ماذا تفعل بالكافر)؟
الجواب: هذه الإحصائيّة ليست سوى تضليل، حيث تعتمد على انتقاء الآيات التي تذكر كلمة (كافر) دون النّظر إلى سياقها. فالقرآن يتحدّث عن الكافرين في سياقاتٍ متعدّدةٍ، منها الدعوة إلى الإيمان، والتحذير من الظلم، وذكر مصيرهم في الآخرة، وهذا لا يعني أنّ الإسلام قائمٌ على العداء لهم، بل يعكس طبيعة النّصّ الدينيّ الذي يوضّح عواقب الإيمان والكفر، مثلما تفعل جميع الأديان الأُخرى.
3ـ هل الإسلام تنظيمٌ سياسيٌّ وليس ديناً؟
الجواب: الادّعاء بأنّ الإسلام مجرّد (تنظيمٍ سياسيّ) يتجاهل أنّ الإسلام دينٌ شاملٌ يتناول الجوانب الرّوحيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والقانونيّة، وليس مجرّد مشروع حُكم. الإسلام لا يفصل بين الدّين والحياة، فهو يضع مبادئ تنظّم حياة الفرد والمجتمع، وهذا لا يعني أنّه مجرّد أيديولوجيَّا سياسيّة.
إذا كان الإسلام مجرّد (تنظيم سياسيّ)، فكيف نُفسّر وجود ملايين المسلمين غير المنخرطين في أيّ نشاطٍ سياسيّ، ويعيشون أفراداً مسالمين في مجتمعاتهم؟ وكيف استمرّ الإسلام لأكثر من 1400 عام عقيدةً روحيّةً يحملها الناس في قلوبهم؟ الحقيقة أنّ الإسلام - مثل غيره من الأديان - يتضمّن مبادئ تحكم شؤون الحياة، لكنّه ليس مجرّد أداةٍ للسّلطة.
4ـ هل البوذيّة خاليةٌ من العنف؟
الجواب: الادّعاء بأنّ البوذيّة لا تتحدّث عن (إدانة غير البوذيّين) هو تبسيطٌ مُخلّ، فبالرغم من الصورة المُسالِمة التي يرتبط بها الدّين البوذيّ، إلّا أنّ هناك جوانب قد تُستخدم لتبرير التّمييز ضدّ غير البوذيّين.
على سبيل المثال، في بعض النّصوص البوذيّة يتمّ الإشارة إلى مفهوم (الكارما السلبيّة) التي يُعتَقد أنّها تُصيب غير المؤمنين بتعاليم بوذا، وهو ما قد يُفهَم على أنّه عقابٌ للأفعال السيّئة. في حين لا تحثّ هذه المفاهيم بشكلٍ مباشرٍ على الاعتداء أو كراهيّة الآخرين، إلّا أنّه يمكن لبعض التّفسيرات المتطرّفة أنْ تستخدم هذه الأفكار لتبرير العنف والتّمييز ضدّ مَن لا يتّبعون البوذيّة، كما يظهر في الاضطهاد الذي تعرّض له المسلمون في (ميانمار) و(سريلانكا) على يد جماعاتٍ بوذيّةٍ متطرّفةٍ.
في المحصّلة، أنّ مزاعم «بيل وارنر» عن الإسلام تعكس تحيُّزاً واضحاً وعدم فهمٍ للسّياق الدينيّ والتاريخيّ للقرآن، فالإسلام لا يقوم على الكراهيّة أو العنف، بل على العدل والرّحمة، لكنّه في الوقت ذاته لا يتجاهل واقع الصّراع والعدوان الذي قد يفرضه الآخرون؛ ولذلك وضع ضوابط لحالات الحرب والسّلم.
أمّا محاولة تصوير الإسلام على أنّه مجرّد مشروعٍ سياسيٍّ فهي مغالطةٌ تتجاهل الأبعاد الرّوحيّة والفكريّة العميقة لهذا الدّين.
اترك تعليق