لماذا جعل الإمامية العدل أصلا من أصول الدين؟ ! ! 

:

العدل لغة :

جاء في " لسان العرب" لابن منظور ، مادة ( عدل ) : العدل ما قام في النفوس أنه مستقيم ، وهو ضد الجور . 

العدل اصطلاحا : 

العدل في الإصطلاح العقائدي يعني : تنزيه الله تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب.

( انظر : النكت الاعتقادية للشيخ المفيد ص 32، ونهج الحق للعلامة الحلي ص 85).

والتنزيه يعني البعد ، يقال : الله منزه عن القبيح ، أي بعيد عنه .

والفعل القبيح هو ما يستحق فاعله عليه الذم ، ويستحق تاركه المدح .

وقولنا عدم الإخلال بالواجب ، لا يعني أنه سبحانه محكوم بأوامر غيره ويجب عليه أن يفعل  كذا وكذا ، بل المقصود أن العقل يحكم بأن الحكيم والكامل تقتضي حكمته أن يفعل كذا ، وعدم الفعل يؤدي إلى  النقص والإخلال بالحكمة .

مثال على ذلك : لو أن إنسانا أطاع الله عز وجل طول عمره ولم يعص الله طرفة عين أبدا ، وعند الموت أدخله الله النار ولم يدخله الجنة ، هل يصح ذلك ؟!!

العقل يقول : لا يصح ؛ لأن هذا الفعل قبيح لا يصدر من حكيم ، والواجب - الذي تقتضيه الحكمة - أن يثيبه الله عز وجل ويدخله الجنة .

وفي هذا المطلب اختلفت الأشاعرة - من الفرق الإسلامية - عن بقية المسلمين وقالوا يصح أن يدخل الله عز وجل المطيع النار ولا يوجد قبح في ذلك ؛ لأن المخلوقات كلها ملك لله عز وجل ، ومن حق المالك أن يفعل بملكه ما يشاء . 

قال أبو الحسن الأشعري في كتابه " اللمع " ص 116 ، الباب السابع: " الدليل على أن كل ما فعله ( تعالى ) فله فعله : أنه المالك القاهر الذي ليس بمملوك ... فإذا كان هذا هكذا  لم يقبح منه شيء ".

ولكن فات الأشعري وغيره أن ملكية الشيء لا تعني امتلاك حق التصرف به خلاف الموازين والحكمة ؛ ومن هنا تجد العقلاء يذمون من يلقي أمواله في البحر بلا سبب ، ويعتبرونه سفيها مع علمهم بمالكيته لهذه الأموال. 

والله سبحانه رغم مالكيته لكل شيء وقدرته على كل شيء ، إلا أن أفعاله لا تخرج عن إطار الحكمة والموازين الصحيحة ، لهذا تراه سبحانه ينزه ساحته عن فعل القبيح الذي يكون على خلاف الموازين .

يقول تعالى : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " هود : 17.

لهذا السبب - أي بسبب تفسير الأشاعرة للعدل بصورة منافية لواقعه - وقف أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بقوة أمام هذا التفسير ودافعوا عن " العدل الالهي " بمنهجية علمية عالية ، حتى سموا  هم والمعتزلة بالعدلية ، وجعلوا العدل أصلا من أصول مذهبهم .

وهناك سبب آخر لجعل العدل أصلا من الأصول عند الشيعة الإمامية ، وهو : أنه بالعدل يتم التوحيد  ، ومن دون العدل  لا يمكن إثبات النبوة والإمامة والمعاد .

قال العلامة الحلي ( رحمه الله ) : 

" إعلم أن هذا الأصل ( العدل ) عظيم تبتني عليه القواعد الإسلامية ، بل الأحكام  الدينية مطلقا ، وبدونه لا يتم شيء من الأديان ". نهج الحق ، ص 72.

توضيح ذلك : 

1- الصلة بين العدل والنبوة :

العدل الإلهي هو الذي يقتضي : 

أولا :  إرسال الرسل والأنبياء بالهدى ودين الحق. 

ثانيا : وثوق الناس بهؤلاء الأنبياء والإطمئنان إليهم ، وأن ماجاءوا به من المعجزات دليل على صدق نبوتهم .

وإلا - إذا لم يكن هناك عدل بالمعنى الذي يعني التنزه عن فعل القبيح وعدم الإخلال بالواجب – لأمكن القول : 

أولا : أن الله قد لا يرسل  أحدا من رسله إلى العباد ، ويتركهم هملا بلا نبوة ولا هداة ، ثم يفعل فيهم ما يشاء، فيبطل أصل النبوة .

 ثانيا : لله عز وجل - حسب قول الأشاعرة - أن يمد الكاذب بالمعجزة ولا قبح في ذلك ، فيستحيل - حينئذ - على الناس معرفة الصادق من الكاذب في هذا الأمر، فينسد باب النبوة من أساس.

2- العلاقة بين العدل والإمامة :

كما تقتضي الحكمة الإلهية إرسال الرسل وبعث الأنبياء، كذلك تقتضي حكمته - سبحانه - تنصيب الأئمة الهداة للحفاظ على الدين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .

كما يشير إلى ذلك الحديث الصحيح الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " مشكاة المصابيح ج1 ص 53، قال الألباني : صحيح.

والمراد من تحريف الغالين : هم الذين يتجاوزون المعنى المراد في الدين فيحرفونه عن جهته ، من غلا يغلو إذا جاوز الحد.

وانتحال المبطلين ، هم الذين هم الذين يدعون ما ليس لهم من العلم لينصروا به باطلهم فيتصدى لهم الأئمة الهداة ليكشفوا زيف دعواهم .

ولولا العدل الإلهي لجاز لله أن يترك الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا أئمة هداة يرشدونهم إلى الحق والصواب فيما يختلفون فيه فيستمر الضلال إلى يوم القيامة !!

 3- الصلة بين العدل والمعاد :

إن العدل الإلهي هو الذي يقتضي الإطمئنان إلى الوعد ( الثواب ) والوعيد (العقاب) الإلهي الذي جاء في القرآن الكريم والذي يتم فيه إثابة المحسن وعقوبة المسيء .

ولولا ثبوت العدل الإلهي لأمكن القول بعدم وجود معاد أصلا ، أو يكون هناك معاد ولكن الله يتصرف فيه ما يشاء ، فله أن أن يلقي الأنبياء في النار ويدخل الطغاة الجنة ، ولا قبح في ذلك ، وبذلك يبطل الوعد والوعيد الذي جاء في القرآن الكريم ، بل يبطل صدق القرآن كله وينتفي الدين بالمرة .

وبما تقدم تعرف أهمية العدل الإلهي ، وأهمية جعله أصلا من أصول الدين والمذهب عند الشيعة الإمامية .