لماذا جعل الإمامية العدل أصلاً من أصول الدين؟!!
إيهاب/مصر/: اصول الدين خمسة وهي معروفة، والسؤال: لماذا أدخلت صفة من بين عشرات الصفات لله تعالى، فجعلت أصلاً من بين أصول الدين، وهي العدل؟
الأخ إيهاب.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جعل الإمامية العدل أصلاً من أصول الدين لسببين:
الأول: الرد على الأشاعرة الذين قالوا: يصح أن يدخل الله عز وجل المطيع النار ولا يوجد قبح في ذلك؛ لأن المخلوقات كلها ملك لله عز وجل، ومن حق المالك أن يفعل بملكه ما يشاء.
قال أبو الحسن الأشعري في كتابه "اللمع" ص 116، الباب السابع: "الدليل على أن كل ما فعله (تعالى) فله فعله، لأنه المالك القاهر الذي ليس بمملوك... فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء".
ولكن فات الأشعري وغيره أن ملكية الشيء لا تعني امتلاك حق التصرف به خلاف الموازين والحكمة ؛ ومن هنا تجد العقلاء يذمون من يلقي أمواله في البحر بلا سبب، ويعتبرونه سفيهاً، مع علمهم بمالكيته لهذه الأموال.
والله سبحانه رغم مالكيته لكل شيء وقدرته على كل شيء، إلا أن أفعاله لا تخرج عن إطار الحكمة والموازين الصحيحة، لهذا تراه سبحانه ينزه ساحته عن فعل القبيح الذي يكون على خلاف الموازين.
يقول تعالى: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) هود : 17.
لهذا السبب -أي بسبب تفسير الأشاعرة للعدل بصورة منافية لواقعه- وقف أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بقوة أمام هذا التفسير ودافعوا عن "العدل الإلهي" بمنهجية علمية عالية، حتى سموا هم والمعتزلة بالعدلية، وجعلوا العدل أصلاً من أصول مذهبهم.
الثاني: إنه بالعدل تتم بقية الأصول، كالنبوة والمعاد .
قال العلامة الحلي (رحمه الله): "اعلم أن هذا الأصل (العدل) عظيم، تبتني عليه القواعد الإسلامية، بل الأحكام الدينية مطلقاً، وبدونه لا يتم شيء من الأديان". نهج الحق، ص 72.
توضيح ذلك:
1- الصلة بين العدل والنبوة:
العدل الإلهي هو الذي يقتضي:
أولاً: إرسال الرسل والأنبياء بالهدى ودين الحق.
ثانياً: وثوق الناس بهؤلاء الأنبياء والإطمئنان إليهم، وأن ما جاءوا به من المعجزات دليل على صدق نبوتهم.
وإلا -إذا لم يكن هناك عدل بالمعنى الذي يعني التنزه عن فعل القبيح وعدم الإخلال بالواجب- لأمكن القول:
أولاً: إن الله قد لا يرسل أحداً من رسله إلى العباد، ويتركهم هملاً بلا نبوة ولا هداة، ثم يفعل فيهم ما يشاء، فيبطل أصل النبوة.
ثانياً: لله عز وجل -حسب قول الأشاعرة- أن يمد الكاذب بالمعجزة ولا قبح في ذلك، فيستحيل -حينئذ- على الناس معرفة الصادق من الكاذب في هذا الأمر، فينسد باب النبوة من أساس.
2- الصلة بين العدل والمعاد:
إن العدل الإلهي هو الذي يقتضي الإطمئنان إلى الوعد (الثواب) والوعيد (العقاب) الإلهي الذي جاء في القرآن الكريم والذي يتم فيه إثابة المحسن وعقوبة المسيء.
ولولا ثبوت العدل الإلهي، لأمكن القول بعدم وجود معادٍ أصلاً أو يكون هناك معاد، ولكن الله يتصرف فيه ما يشاء، فله أن يلقي الأنبياء في النار ويدخل الطغاة الجنة، ولا قبح في ذلك، وبذلك يبطل الوعد والوعيد الذي جاء في القرآن الكريم، بل يبطل صدق القرآن كله، وينتفي الدين بالمرة.
وبما تقدم تعرف أهمية العدل الإلهي، وأهمية جعله أصلاً من أصول الدين والمذهب عند الشيعة الإمامية.
ودمتم في رعاية الله وحفظه.
اترك تعليق