هل مات رسول الله (ص) مسموما شهيدا ؟؟!!

:

تمر علينا بعد أيام ذكرى وفاة النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والسؤال الذي يطرح  نفسه هنا : هل مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) موتا طبيعيا أم أنه جرى اغتياله بطريقة ما ؟!!

نقول: توجد روايات صحيحة عند الفريقين تشير إلى أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مات مسموما ، منها مارواه الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين عن داود بن يزيد الأودي بسند – لم يتعقبه الذهبي بشئ - ، قال: سمعت الشعبي يقول: والله لقد سمّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسمّ أبو بكر الصديق وقتل عمر بن الخطاب صبرا وقتل عثمان بن عفان صبرا وقتل علي بن أبي طالب صبرا وسمّ الحسن بن علي وقتل الحسين بن علي صبرا (رضي الله عنهم) فما نرجو بعدهم. انتهى

ومنها ما رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود ، قال : لأَنْ أَحْلِفَ تِسْعاً ان رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قُتِلَ قَتْلاً أَحَبُّ الي من أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً انه لم يُقْتَلْ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ نَبِيًّا وَاتَّخَذَهُ شَهِيداً. 

قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) بعد نقل الرواية:

رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .(انتهى)

إذن كونه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مات مسموما شهيدا أمر مسلم، ولكن يبقى السؤال : من هو الذي دسّ السمّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وقتله  ؟!!

هناك بعض الروايات تشير إلى أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مات متأثرا بالسم الذي سقته إياه اليهودية في خيبر في السنة السابعة للهجرة ..إلا أن هذا الاحتمال بعيد لأسباب عدّة ، منها :

 أن كثيراً من الروايات دلت على أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يأكل من ذلك اللحم المسموم ، وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) كان قد أخبر عن طريق الاعجاز بكونه مسموماً ، هذا اضافة إلى بعد المدّة بين موته (صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذه الحادثة ، وهي ثلاث سنوات ؛ إذ كانت واقعة خيبر في السنة السابعة للهجرة ووفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)  في السنة الحادية عشرة ، اضافة الى أن (بشر بن براء) الذي أكل من ذلك اللحم مات في الحال لقوة السمّ الذي فيه !!

 فاحتمال كونه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مات من أثر ذلك السمّ بعيد جدا .

وعليه لابد من البحث عن أدلة جنائية أخرى يمكن تلمس حادثة الاغتيال بالسم من خلالها .

 والمتتبع للروايات يجد رواية تشير في مضمونها إلى قضية غريبة جدا حدثت قبل وفاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بوقت قريب جدا وهي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) سقي – في مرضه الذي مات فيه - بدواء ما عنوة ومن غير إرادته ، مع أنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) كان قد نهاهم أن يسقونه عنوة حال صحوته ففعلوا ذلك حال غفوته ، فانظر إلى الرواية وتابعها  معنا بإمعان. 

 روى البخاري وغيره عن عائشة قالت :

(لَدَدْنَاهُ في مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي فَقُلْنَا : كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ ، فلما أَفَاقَ قال: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي ، قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ).

قال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) في شرح هذه الرواية: قوله (لددناه) أي جعلنا في جانب فمه دواه بغير اختياره ، وهذا هو اللدود .(انتهى )

فالرواية تشير بوضوح إلى سقي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شرابا رغما عنه ورفضه له حال صحوته وأن السقي جرى حال غفوته بدليل أن الرواية قالت : ( فلما أفاق قال : ألم أنهكم أن تلدوني ) ؟!!

وتوجد هاهنا جملة أسئلة واستفهامات كثيرة إزاء الرواية المذكورة ، منها :

لماذا أقدم هؤلاء الأشخاص على سقي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دواءا نهاهم أن يسقونه إياه حال صحوته  فسقوه إياه حال غفوته  ؟!!

هل ترى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرفض العمل بقانون الأسباب والمسببات بحيث يرفض دواءا فيه علاجه وهو يعلم أن لكل داء دواء ؟!!

لقد ورد أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يمكن أن يقاس بغيره من الناس فهو لا يعتريه الاضطراب ولا الهذيان في أي حال من الأحوال، سواء في حال الصحة أو حال المرض، حتى يكون تصرف غيره نيابة عنه لما فيه مصلحته ، فالقرآن الكريم  صريح بلزوم  إطاعته المطلقة؛ إذ يقول تعالى: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ، ويقول عز من قائل: ( ما آتاكم الرسول فخذوه وَما نهاكم عنه فانتهوا) ، ويقول جل وعلا: (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).

وقد جاء عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه في الحديث الصحيح الذي يرويه عبدالله بن عمرو بن العاص عندما نهته قريش أن يكتب كل ما يسمعه عن النبي لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر يتكلم في الرضا والغضب ، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : " اكتب فو الذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا الحق ".

وورد عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه حتى في حالات الممازحة والمداعبة لا يقول إلا الحق ، فقد قال له بعض أصحابه يوما وكان يداعبهم : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال : ( إني لا أقول إلا حقا ) ( حديث حسن ).

قال المباركفوري في شرحه للحديث المذكور: (" لا أقول إلا حقا " أي عدلا وصدقا ، لعصمتي من الزلل في القول والفعل ولا كل أحد منكم قادر على هذا الحصر لعدم العصمة فيكم) .انتهى ؟!!

إننا بلحاظ ما تقدم لا يمكن أن نجد عذرا معقولا ولا مقبولا شرعا لهذا الفعل بسقي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شيئا رغما عنه !!

إنه فعل وجرأة غريبة واقعا تحمل معها الكثير من التساؤلات !! 

فإذا وضعت هذه الاستفهامات مع حادثة ليلة العقبة والأشخاص المتورطين في اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) فيها ، ومن تورع  حذيفة عن الصلاة عليهم ( لأن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضوان الله عليه كان يحمل سر رسول الله في المنافقين الذين أرادوا اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة العقبة ، وكانت علامة معرفة المسلمين لهم هو عدم صلاة حذيفة عليهم عند موتهم ، وقد ذكر ابن حزم أن حذيفة لم يصل على بعض الصحابة " كما جاء في المحلى ج11 ص 225 " وجاء عن ابن عساكر قوله أن حذيفة لم يصل على فلان "مختصر تاريخ دمشق ج6 ص 253" وهذه طريقة معروفة عند الكتاب والمؤرخين عند الحديث عن شخصية مهمة من الصحابة يريدون إخفائها لأن ذكرها لا تتحمله العامة  ). مع ملاحظة رزية يوم الخميس قبل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأيام - التي رواها البخاري ومسلم - وما جرى فيها من الاغتيال المعنوي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ستتضح لك معالم الأحداث بشكل لا غطش - لا ظلمة - فيه ... ولا حول ولا قوة إلا بالله .

عظم الله أجوركم بشهادة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).