ليس الشيعة من قالوا بمخالفة الأصحاب للنبي (ص). 

راشد الراشد/ السعودية/: كيف لعاقل أن يتصور أن تكون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فاشلة، وأنه بمجرد موته خالف أتباعُه وصيتَه، وتآمروا عليه كما تزعمون؟! بل أن الصحابة هم الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم على عينه، ناهيك عن مناقبهم بالتخصيص، فأبو بكر رضي الله عنه مثلاً مذكور في القرآن بالثناء الجميل، قال تعالى: ((ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا في مناقب أبي بكر: «سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ -باب صغير- فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» [متفق عليه].

: اللجنة العلمية

الأخ راشد .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لسنا ممن يقول بمخالفة الأصحاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته بل كتبكم هي من تروي ذلك ، فها هما البخاري ومسلم يخبرانا في أحاديث صريحة صحيحة بارتداد الصحابة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه لا ينجو منهم إلا مثل همل النعم أي القليل جدا ( راجع صحيح البخاري ج7 ص 206،  كتاب الرقاق ، باب في الحوض، وصحيح مسلم ج7 ص 68 باب إثبات حوض نبينا ) ، وهي أحاديث واضحة جدا لا يمكن حملها على المرتدين أو الجفاة من الأعراب كما يحاول البعض أن يحرف الأحاديث الصحيحة عنده بما يلائم هواه ومشربه.. ففي هذه الأحاديث عبارات صريحة جداً لا تقبل التأويل، نحو قوله صلى الله عليه وآله: (من أصحابي..)، وقوله: (فأقول يا ربّ أصحابي أصحابي..)، الظاهرة في أنّ المبدّلين من بعده (صلى الله عليه وآله) والمحدِثين في الدين هم ممن صحبه صلى الله عليه وآله وخالطه.

ونحو قوله: (رجال منكم)، (أعرفهم ويعرفونني..)، وهي عبارات لا يمكن حملها على المرتدين من الأعراب في أطراف الجزيرة.. فأحاديث الحوض صريحة جداً في الصحابة ولا يمكن دفعها بأيّ حال من الأحوال، ومن هنا نجد الإمام مالك يندم على إدراج أحاديث الحوض في موطأه ــ على صحّتها ــ، قال أحمد الصديق المغربي في فتح الملك العلي: ((حكي عن مالك أنّه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلاّ هذا الحديث، وعن الشافعي أنّه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزدراء على الصحابة إلا حديث الحوض، ووددنا أنّه لم يذكره))(1). انتهى

بل وجدنا اعتراف الصحابة انفسهم أنّهم أحدثوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فها هو البخاري يروي في صحيحه عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب فقلت: طوبى لك، صحبت النبي[صلى الله عليه وآله]. وبايعته تحت الشجرة. فقال: يابن أخي، أنّك لا تدري ما أحدثنا بعده!(2).

وذكر ابن حجر في فتح الباري: قال أبو سعيد فيما أخرجه البزار بسند جيد: (وما نفضنا أيدينا عن دفنه [أي عن دفن رسول الله صلى الله عليه وآله] حتّى أنكرنا قلوبنا)(3)!!

وقد أخرج الحاكم في مستدركه عن عائشة قولها: إنّي أحدثت بعد رسول الله [صلى الله عليه وآله] حدثاً، ادفنوني مع ازواجه(4).

فدعوى وقوع الأخطاء من الصحابة والإحداث في الدين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أمر ثابت لا يمكن لأحد دفعه بأي طريق كان، فقد جاءت به الروايات الصحيحة من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وبشهادة الصحابة أنفسهم، وها هو التفتازاني من كبار علماء أَهل السنّة ومتكلميهم يقرّ بهذه الحقيقة، فيقول في كتابه شرح المقاصد: ((وأمّا ما وقع بين الصحابة من المحاربة والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على السنّة الثقات يدلّ بظاهره على أنَّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إِلى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالخير موسوماً، إلا أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله’ ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إِلى أنّهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلال في حقّ كبار الصحابة))(5). انتهى

وما شهد به العلامة التفتازاني هنا بحقّ الصحابة من تكالبهم على الدنيا وتنافسهم فيها ليس هو سوى التصديق العملي لقول النبي (صلى الله عليه وآله) حين خاطب الصحابة قبل وفاته قائلاً: "إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا، وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ"، قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله)عَلَى الْمِنْبَرِ(6).

وها هو الغزالي يشهد على الصحابة بأنّهم انحرفوا عن قول النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم غدير خم وتركوه وراء ظهورهم طمعا بالدنيا والرياسة، قال في سرّ العالمين: ((لكن أسفرت الحجّة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث، من خطبته في يوم غدير خم، باتّفاق الجميع، وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. فهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثمّ بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار؛ سقاهم كأس الهوى، فعادوا إِلى الخلاف الأول، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً))(7). انتهى

 ودمتم في حفظ الله ورعايته

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فتح الملك العلي: 151.

(2) صحيح البخاري 3: 30.

(3) فتح الباري 8: 114.

(4) المستدرك على الصحيحين 4: 87، صححها الحاكم ولم يتعقبه الذهبي بشيء، وقال الألباني في: سلسلة الأحاديث الصحيحة 1: 676: (تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل، فإنّها ندمت ندامة كلية). انتهى

(5) شرح المقاصد في علم الكلام 2: 306.

(6) صحيح مسلم7: 68، [باب إِثبات حوض نبيّنا].

(7) مجموعة رسائل الإمام الغزالي، كتاب سر العالمين: 483.