الشيعة لا تدّعي لأئمتها (ع) أكثر مما ثبت لهم من القرآن والسنة. 

وليد/السعودية/: إن القاديانية كفرت بادعائها النبوة لزعيمها، فما الفرق بينها وبين الشيعة الذين يزعمون لأئمتهم خصائص الأنبياء وزيادة؟!

: اللجنة العلمية

  الأخ وليد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

  لم يدِّع الشيعة الإمامية لأئمتهم (عليهم السلام) أكثر مما أثبته لهم القرآن الكريم والسنة الصحيحة المُجْمَع عليها بين المسلمين.

  ففي القرآن الكريم تجد قوله تعالى في آية المباهلة: (قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)(آل عمران:61)،  ولم يخرج للمباهلة بإجماع المسلمين سوى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).

  فإذا كان لفظ (أَبْنَاءَنَا) ينطبق على الحسنين (عليهما السلام)، ولفظ (َنِسَاءَنَا) ينطبق على الزهراء (عليها السلام)، يبقى لفظ (أَنْفُسَنَا) ينطبق على علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيكون هو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنصِّ هذه الآية المباركة، فيثبت له من المنازل والمناقب ما ثبت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلا النبوة، لمحل القطع بعدم وجود نبي بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن منازل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أفضل من بقية الأنبياء من أولي العزم (صلوات الله عليهم) (لما ورد من أحاديث صحيحة أنّه سيد البشر وسيد ولد آدم. صحيح البخاري 6: 223، صحيح مسلم 7: 59)، فيثبت هذا المقام لعليٍّ (عليه السلام) أيضاً.

  ومن أدلتنا على أفضلية أئمتنا (عليهم السلام) على أنبياء أولي العزم صلاة عيسى (عليه السلام) خلف المهدي من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

  فقد جاء في صحيح البخاري: 

(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ»، تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ)(1). ‏ 

  وجاء في صحيح مسلم -كتاب الإيمان- باب نزول عيسى(ع):

(قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟»)(2).

 وفي مسند أحمد:

  (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَيْفَ بِكُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟")(3).

  وفي مسند أحمد:

  (...فَإِذَا هُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَيُقَالَ لَهُ: تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللهِ، فَيَقُولُ: لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ...)(4).

  وعن ابن ماجة - كتاب الفتن – باب فتنة الدجال وخروج عيسى (ع):

‏ (وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الصُّبْحَ، فَرَجَعَ ذَلِكَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ، يَمْشِي الْقَهْقَرَى، لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ، فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُم...)(5).

  وجاء عن ابن حجر في "فتح الباري": (تَوَاتَرت الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ عِيسَى يُصَلِّي خَلْفَهُ)(6).

  فهذه هي أدلتنا على أفضلية أئمتنا (عليهم السلام) على أنبياء أولي العزم (صلوات الله عليهم)، جئنا بها من القرآن الكريم ومن الأحاديث الصحيحة المتواترة عند أهل السنة أنفسهم قبل الشيعة، فلماذا نكون من الكافرين؟! لا ندري واقعاً!

  هذا، وقد اتفقت كلمات علماء أَهل السنّة على عدم جواز التكفير بالمحتمل إذا كان مستنده ضعيفاً، فكيف بمن كان مستنده في دعواه القرآن الكريم والسنة الصحيحة المتواترة؟!

  جاء في "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي المصري: (لَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمَلِ لِأَنَّ الْكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ... وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَة)(7).  

  وقال الشيخ محمد عبده: «لقد اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد دينهم، أَنّه إِذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر(8).

  ودمتم سالمين.

____________________

(1)- صحيح البخاري لمحمد البخاري، طبعة دار طوق النجاة، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الطبعة الأولى 1422هـ، ج4، ص168.

(2)- صحيح مسلم لمسلم النيسابوري، طبعة دار إحياء التراث العربي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج1، ص136.

(3)- مسند أحمد لأحمد بن حنبل، طبعة مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى2001، ج14، ص152.

(4) المصدر السابق، ج23، ص212.

(5)- سنن ابن ماجة لابن ماجة، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج2، ص1359.

(6)-  فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، طبعة دار المعرفة، ج6، ص494.

(7)- البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم المصري، طبعة دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية، ج5، ص135.

(8)- الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده 3: 302،  دراسة وتحقيق الدكتور محمد عمارة، طبعة القاهرة 1993.