تاريخ نشأة الشيعة والسنة كمذهبين

سؤال: متى تكوّن المذهب السني والمذهب الشيعي؟ هل تكوّنا في زمن أهل البيت عليهم السلام أم في زماننا . وهل مذهبنا نحن شيعي أم جعفري ؟ أريدُ الردّ سريع و جزاكم الله خير

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

إنّ الجواب على هذا السؤال يحتاجُ إلى صفحاتٍ عديدة ولكن أقول اختصاراً:

بدأ مذهبُ أهلِ السّنة بالتشكّل من بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلبِناتُ النظام السياسي التي هي الشورى وعهد الخليفة لمن بعده والقهر والغلبة مأخوذةٌ من سيرة الخلفاء الثلاثة ومعاوية.

وتعدّ اجتهاداتُ الخليفة الثاني مقابل النصّ أساسياتٍ لتشكّل الفقه السّنيّ، وقد شجّع معاوية على وضع الحديث وافتراءِ الروايات كما يقول المؤرخ المدائني ( ت 225هـ) في كتاب الأحداث، وقد نقل كلامهُ ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، فصارت تلك الأحاديثُ فيما بعد ديناً يعبدونَ الله من خلاله.

أضف لذلك ما أضافهُ الأمويونَ والعباسيونَ من فقهٍ مخالف لفقه أهل البيت (ع)، فدعم العباسيون مالك بن أنس ونشروا كتابه الموطأ، ثم جعلوا من تلاميذ أبي حنيفة وأتباعه قضاةً في أرجاء العالم الإسلامي، واشترطوا التمذهبَ بالمذهب الحنفي للإفتاء وتولي القضاء.

وكانت أسسهم في الاستنباط الفقهي القرآن الكريم والسّنةُ وسيرةُ الصّحابة والقياس ومصادر أخرى هي محلّ خلاف بين فقهاء السنة.

وخلالَ القرن الأول بدأ المذهبُ السّنيّ العقدي بالتشكّل، فأشاعَ الأمويونَ عقيدة الجبر ليبرّروا توليهم الحكمَ ويضمنوا عدمَ معارضةِ الناس، وهي العقيدةُ التي عبّرَ عنها لاحقاً جمهورُ السّنة من الأشاعرةِ بالكسب.

فنستطيع القول إنّ المذهب السّنيّ تشكّل عبرَ أكثر من قرن ومرّ بأكثر من مرحلةٍ ليكون بالصورةِ التي عليها الآن.

أمّا ما أسماهُ السّائلُ بالمذهب الشيعي والجعفري، فقد بدأ بالتكوّنِ مع نزول الوحيّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالتشيّعُ أو المذهب الجعفري هو مرآةُ الإسلام وتعاليمهُ الصافية، فكلّ مفردةٍ نزلت على رسول الله أو قالها فهي جزءٌ من التشيع.

فالتشيع تكوّن خلال فترةِ الرسالة المحمدية واكتملت تعاليمهُ بموت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وكان العلم النبويّ لدى أئمّةِ أهل البيت عليهم السلام يتوارثونهُ كما في الرواياتِ الصحيحة، واحتاجَ هذا العلم إلى سنين عديدة ليبيّنهُ الأئمةُ عليهم السلام ويدوّنهُ أصحابهم.

فالفقهُ والعقيدةُ والأخلاقُ والتفسيرُ لدى الشيعة مصدرها القرآنُ وسنة المعصومين، وهم : النبيُّ وأئمّةُ أهل البيت عليهم السلام، فالتشيّعُ أقدمُ وجوداً من غيره من المذاهب لأنهُ الإسلامُ الأصيل وما خالفهُ فهو طارىء متأخر.

إنه لمن الخطأ أن نقول : المذهبُ الشيعيُّ أو الجعفريّ، فنهج أئمّة أهل البيت عليهم السلام الذي يسيرُ عليه الشيعة ليس مذهباً وإنما هو الإسلامُ عينه، ولكن يقول الناس المذهب الشيعي أو المذهب الجعفري تجوّزاً، وإلا كما قلت فهما نهجٌ واحد وهو نهج الإسلام، وإنما قالوا المذهب الجعفري لأنّ أكثر أحاديث الإمامية ترجعُ للإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي أتيحت له فرصةٌ جيدةٌ لنشر تعاليم الإسلام الأصيل خلافاً لما أصّلهُ الأمويونَ والعباسيونَ والذي صار لاحقاً منهجاً للسّنةِ في الفقهِ والعقيدة.