الأخوّة بين البشر

ما هوَ رأيُ الشيعةِ في الأخوّةِ بينَ البشرِ بغضِّ النظرِ أنَّ هذا مُسلمٌ أو شيعيٌّ أو سنّيٌّ إلخ هل هوَ مقبولٌ لدى المذهبِ الشيعيّ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

ليسَ للشيعةِ رأيٌ خاصٌّ مخالفٌ لِما جاءَ في القرآنِ والسنّة، وعليهِ فإنَّ النصوصَ الدينيّةَ هيَ التي تُحدّدُ موقفَ الشيعيّ مِن بقيّةِ البشرِ الذينَ يخالفونَهم في الدينِ والمُعتقد، وإذا رجَعنا للنّصوصِ الدينيّةِ نجدُ أنَّ كلمةَ الأخوّةِ مُضافاً لأخوّةِ النسبِ والرّضاعِ تُطلقُ أيضاً على أخوّةِ الدينِ والعقيدةِ، فالمؤمنُ لا يكونُ أخاً للمُشركِ أو الكافر، قالَ تعالى: (إنّما المؤمنونَ إخوةٌ فأصلحوا بينَ أخويكم واتّقوا اللهَ لعلّكم تُرحمون)، وقالَ تعالى: (واعتصِموا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمةَ اللهِ عليكم إذ كُنتم أعداءً فألّفَ بينَ قلوبِكم فأصبَحتُم بنعمتِه إخواناً)، فهناكَ نوعٌ منَ الأخوّةِ تربطُ بينَ الذينَ آمنوا وهناكَ نوعٌ منَ الأخوّةِ تربطُ بينَ الذينَ كفروا، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخوَانِهِم..)، أي قالوا لإخوانِهم في الكُفر.

ولذا جعلَ القرآنُ الإيمانَ شرطاً لدخولِ الذينَ كفروا في رابطةِ الأخوّةِ الإيمانيّةِ حيثُ قالَ تعالى: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَإِخوَانُكُم فِي الدّينِ).

فالأخوّةُ بوصفِها تستبطنُ نوعاً منَ المودّةِ والمحبّةِ يجبُ أن لا تكونَ إلّا بينَ المؤمنين، فالرّابطُ الإيمانيّ أعلى مرتبةً منَ الرّابطِ النسبيّ بصريحِ القرآن، قالَ تعالى: (لَّا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنهُ ۖ وَيُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحُونَ).

كما أنَّ القرآنَ نهى عن الأخوّةِ بمعنى الموالاةِ والنّصرة، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَولِيَاءَ ۘ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ)

وعليهِ فإنَّ الأخوّةَ عنوانٌ عامٌّ للرّوابطِ بينَ البشرِ فإمّا أن تكونَ روابطَ نسبيّةً وإمّا أن تكونَ روابطَ اعتقاديّةً ودينيّةً وإمّا أن تكونَ روابطَ عشائريّةً كما في قولِه تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُم هُوداً)، وقالَ: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُم صَالِحاً)، وقالَ: (وَإِلَى مَديَنَ أَخَاهُم شُعَيباً)، فالأخوّةُ هُنا بمعنى أحدِ أفرادِ قومِه وعشيرتِه، وهذا النوعُ منَ الأخوّةِ لا يحملُ معاني الموالاةِ والمودّةِ وإنّما مُجرّدُ إشارةٍ للرّابطِ القوميّ أو العشائري، وبهذا المعنى ليسَ هناكَ مانعٌ مِن إطلاقِ كلمةِ الأخوّةِ بينَ جميعِ البشر، وهذا ما يشيرُ إليهِ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) في وصيّتِه لمالكٍ الأشتر: (فإنّهم صنفانِ إمّا أخٌ لكَ في الدينِ وإمّا نظيرٌ لكَ في الخلق)

واستبعادُ الأخوّةِ بمعنى الموالاةِ والنّصرةِ والمحبّةِ لا يعني القطيعةَ التي يستحيلُ معَها التعاونُ والعيشُ المُشترك، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فقد وجّهَت الآيةُ الخطابَ للنّاسِ وليسَ للمؤمنينَ بشكلٍ خاصّ، الأمرُ الذي يعني أنَّ الإسلامَ يدعو للتعايشِ معَ جميعِ الثقافاتِ، والدعوةُ للتعارفِ بينَ الشعوبِ والقبائلِ لا يتمُّ إلّا مِن خلالِ قبولِهم بما هُم عليهِ مِن تعدّدٍ في الأفكارِ والثقافاتِ.

بل يدعو القرآنُ للتعاملِ الإيجابيّ معَ الكُفّارِ والمُشركينَ طالما لم يقوموا بأدوارٍ سلبيّةٍ اتّجاهَ المؤمنين، قالَ تعالى: (لَّا يَنهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُم أَن تَبَرُّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ).

وعليهِ فإنَّ الأخوّةَ بمعنى إنصافِ المُخالفِ وعدمِ التعدّي عليهِ أو حرمانِه مِن حقوقِه الحياتيّةِ تعدُّ مِن أهمِّ شروطِ العيشِ المُشتركِ بينَ أبناءِ البشر، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالقِسطِ ۖ وَلَا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعدِلُوا ۚ اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ).