الشيعة لا تسبّ الصحابة، بل تقول بعدم عدالتهم على النحو الجمعي.
محمد/ سوريا/: إنكم كما عرف عنكم تتقربون إلى الله بسب كبار الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الثلاثة: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولا نجد سنياً واحداً يسب واحداً من آل البيت! بل يتقربون إلى الله بحبهم، وهذا ما لم تستطيعوا إنكاره ولو بالكذب.
الأخ محمد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الشيعة الإمامية لا تسبّ الصحابة لمحل النهي الوارد عنه، يقول تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ...}(الأنعام: 108)، ولكنها تقول بعدم عدالتهم جميعاً، ففي الصحابة عدولٌ أخيارٌ أبرار، وفيهم من هم دون ذلك، خلاف أهل السنة والجماعة الذين يذهبون للقول بعدالتهم جميعاً، ومُدّعى الشيعة في ذلك آياتٌ ورواياتٌ كثيرة نكتفي هنا بذكر دليلين منها فقط:
1- يقول تعالى في كتابه الكريم: {...ومن أهل المدينة مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم...}(التوبة: 101).
ففي هذه الآية الكريمة تجد بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ النصَّ على وجود صحابةٍ منافقين في المدينة حتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعلم بهم، وهذا معناه عدم جواز تعديل الصحابة بأيِّ دليلٍ عام (سواء من آية أو رواية) بنحو العموم الجمعي (الذي يعني عدالتهم فرداً فرداً)، لمحلِّ العلم الإجمالي المستفاد من الآية الكريمة بوجود صحابة منافقين لا يعلمهم حتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا مطلب أصولي يعرفه أقلُّ طالبٍ درسَ كتاباً واحداً في علم الأصول.
2- روى أهل السنة في أحاديث صحيحة ارتداد الأصحاب بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديث اصطلح عليها بأحاديث الحوض، نذكر منها:
جاء في صحيح البخاري:
(عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الحَوْضَ، حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ")(1).
وجاء في صحيح البخاري:
(عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ»
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا: " فَأَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ")(2).
وجاء في صحيح البخاري:
(عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَرِدُ عَلَى الحَوْضِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَيُحَلَّئُونَ عَنْهُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لاَ عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى")(3).
وجاء في صحيح البخاري:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى. ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، قُلْتُ أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى، فَلاَ أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ")(4).
وجاء في صحيح مسلم:
(عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلًا يَقُولُ؟ قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُولُ «إِنَّهُمْ مِنِّي»، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: «سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي»)(5).
فهذه الأحاديث واضحة جداً، ولا يمكن حملها على المرتدِّين أَو الجفاة من الأعراب، كما يحلو للبعض أن يوجِّه هذه الأحاديث حسب مشتهاه المذهبي، ففي هذه الأحاديث عباراتٌ صريحةٌ جداً لا تقبل التأويل، نحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أصحابي)، وقوله: (فأقول يا رب أصحابي)، الظاهرة في أن المبدِّلين من بعد النبيّ (ص) والمحدِثين في الدين هم ممن صحبه (صلى الله عليه وآله وسلم) وخالطه، وهذا هو الذي يقتضيه الظهور للعبارات المذكورة.
ونحو قوله: (رجال منكم)، (أعرفهم ويعرفونني..)، فهذه عبارات لا يمكن حملها على المرتدِّين من الأعراب في أطراف الجزيرة بأيّ حال من الأحوال.
ومن هنا نجد الإمام مالكاً يندم على إدراج أحاديث الحوض في موطئه - على صحّتها -، قال أحمد الصديق المغربي في "فتح الملك العلي"، ص 151: «حكي عن مالك أنّه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلاّ هذا الحديث. وعن الشافعي أنّه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزدراء على الصحابة إلا حديث الحوض، وودنا أنّه لم يذكره».
وهذا الذي نذكره هنا عن الصحابة بعدم عدالتهم جميعاً شهد به علماء أهل السنة أيضاً، فها هو الشيخ التفتازاني الذي هو من كبار علماء أَهل السنّة ومُتكلِّميهم، يقول في كتابه "شرح المقاصد":
(ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقاة يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالخير موسوما)(6).
وجاء عن الشيخ ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية:
(ولاشك أنَّه حصل من بعضهم سرقة وشرب خمر وقذف وزنى بإحصان وزنى بغير إحصان)(7).
هذا هو موقفنا من الصحابة، نستند فيه إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة الصحيحة الموجودة عند أهل السنة، وإلى أقوال علماء أهل السنة أنفسهم.
أما أن أهل السنة لا يسبّون آل البيت (عليهم السلام)، فلعلّك لم تقرأ كتبك جيداً حتى تعرف كيف كان معاوية بن أبي سفيان (وهو من رموز أهل السنة وساداتهم) يأمر الصحابة بسبّ عليٍّ (عليه السلام).
روى مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - من فضائل علي بن أبي طالب (ر) -:
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ، خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ: «ادْعُوا لِي عَلِيًّا» فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: «اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي»)(8).
وهو الذي اعترف به ابن تيمية في كتابه "منهاج السنة النبوية" حين قال:
(وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ لَمَّا أَمَرَهُ مُعَاوِيَةُ بِالسَّبِّ فَأَبَى، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ: ثَلَاثٌ قَالَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ يَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ. . . الْحَدِيثَ. فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ)(9).
ودمتم سالمين.
___________________
(1)- صحيح البخاري لمحمد البخاري، طبعة دار طوق النجاة، الطبعة الأولى 1422هـ، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر،ج8، ص120.
(2)- المصدر السابق.
(3)- المصدر السابق.
(4)- المصدر السابق، ص121.
(5)- صحيح مسلم لمسلم النيسابوري، طبعة دار إحياء التراث العربي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج4، ص1793، حديث2290.
(6)- شرح المقاصد في علم الكلام للتفتازاني، ط: دار المعارف النعمانية، ج2، ص306.
(7)- شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين، ط: دار ابن الجوزي، الطبعة السادسة 1422هـ، ج2، ص292.
(8)- صحيح مسلم لمسلم النيسابوري، طبعة دار إحياء التراث العربي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج3، ص1871.
(9) - منهاج السنة النبوية لابن تيمية، ط: جامعة محمد بن سعود، تحقيق: محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى 1406 هـ - 1986م، ج5، ص42.
اترك تعليق