يقولُ القرآن (ومن كل شيء خلقنا زوجين) ولمْ يَقلْ إنّ جَميعَ المخلوقاتِ تَتكوّنُ منْ ذَكرٍ و أُنثى.
يقولُ القرآن (ومن كل شيء خلقنا زوجين) الّا أنّ هذا كلامٌ غيرُ دقيق لأنّه توجد مخلوقاتٌ لا ذكورَ فيها منْ قبيل: السّحليات فهيَ لا ذكور فيها ولا تحتاج الى الذّكور للتّوالد!! الفيروسات كذلك ليست ذكوراً ولا إناثاً وتتوالد عن طريق الـ DNA الحامل للفيروسات. البكتريا أيضا تتكاثر عن طريق إنقسام الخلايا وليس عن طريق التّزاوج. التّكاثر اللاّجنسي. التّوالد العذري أو البكري. التّوالد الخنثوي. فأينَ الزّوجينِ اللّذين تكلّم عنهما القرآن؟
إنّ الّذينَ أثاروا هذهِ الشّبهةَ حقّاً أنّهم جَهلةٌ وغيرُ مُتضلّعينَ باللّغةِ فإنّ القرانَ الكريمِ في هذهِ الآية لم يَكنْ بِصدَدِ بَيانِ كيفيّة التّكاثرِ ولا توجَدُ في هذه الآيةِ أيّةُ إشارةٍ الى أنّ التّكاثرَ يَتمُّ مِنْ خلالِ الإتّصالِ الجِنسيّ حَتّى يُشكِلَ علينا بِوجودِ تَكاثرٍ لا جِنسي أو ما يُسمّى التّوالد العُذري أو البَكري. وحتّى يُشكِلَ عَلينا بالتّوالِد الخُنثَوي، فإنّ اللَه تعالى في هذهِ الآيةِ المُباركةِ لمْ يَقلْ إنّ جَميعَ المخلوقاتِ تَتكوّنُ منْ ذَكرٍ و أُنثى، وإنّما كلمةُ «زَوجين» في الآية هنا مَعناها الأصنافُ المُختلفَةُ والآيةُ تُشيرُ إلى أصنافِ الموجوداتِ المُختلفَةِ في هذا العالمِ الّتي تَبدو على شَكلِ زَوجٍ زَوج كاللّيل والنّهار، والنّور والظُّلمة، والبَحر واليابسةِ، والشّمسِ والقَمر، والذّكرِ والاُنثى وغيرِها.
والشّاهدُ على ذلكَ أنّ كلمةَ {زَوْجَيْنِ} نَكرةٌ، وهيَ تدلُّ على وجودِ زَوجين مِنْ دونِ تَحديدِ نوعِ الزّوجيّة.
وهناكَ فرقٌ بينَ (زَوْجَيْنِ) و(الزَّوْجَيْنِ)؛ فقد ذُكِرتْ كلمةُ (زَوجين) في القُرآنِ كُلّهِ أربعَ مرّات فقط ولم تَقترِنْ أبداً بالذّكر والأنثى، كما ذُكرِتْ كَلمةُ (الزّوجين) مرّتينِ فقط ودائماً كانتْ مُقترِنةً بالذّكر والأُنثى في قَولهِ تَعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} [النجم:45]. وقولهِ كذلك: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} [القيامة:39]. ومَعنى ذلكَ أنّه عندَ تَعريفِ (الزّوجين) بالألفِ واللاّم يجبُ أنْ تَكونَ مَتبوعةً بِنوعِ الزّوجيّة المَقصودة؛ لأنّ هناكَ أكثرُ مِنْ نَوعٍ مِنَ الزّوجيّة، والدّليلُ على ذلكَ قولهُ تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} [يس:36]. وكلمةُ (الأزواج) جَمع، وتُحدّدُ الآيةُ وجودَها في أنفُسِنا، وفيما تُنبِتُ الأرضُ، وفيما لا نَعلمْ. فلمْ يَكُنِ المَقصودُ بالزّوجين في الآيةِ المباركةِ الذّكرَ والأُنثى ولم تُشِرْ الآيةُ الى أنّ المَخلوقات جاءَتْ عن طَريقِ الإلتقاءِ الجِنسيّ بينَ (زَوجَين) وإنّما الآيةُ كَما قُلنا تُشيرُ إلى أصنافِ المَوجوداتِ المُختلفةِ في هذا العالم.
وهذا ما يَدّلنا عليهِ ما جاءَ في خُطبةٍ لأميرِ المؤمنينَ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إذ يقول: «ضادَّ النّورَ بالظُّلمةِ، واليَبَس بالبَلَل، والخَشنَ باللِّين، والصّردَ بالحرور، مؤلِّفًا بين مُتعادياتِها، مفرِّقًا بين مُتدانياتها، دالَّةً بتَفريقها على مفرِّقها، وبتأليفها على مؤلِّفها، وذلك قوله: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ».
وقد جاءتِ الإشارةُ إلى هذا المَعنى في حديثٍ عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام) إذ قال: «بمضّادتهِ بينَ الأشياءِ عُرِفَ أن لا ضدّ له وبِمقارَنتهِ بينَ الأشياءِ عُرِفَ أن لا قَرين له، ضادّ النّورَ بالّظلمةِ، واليَبسَ بالبَلل والخَشنَ باللّين، والصّردَ بالحَرور مؤلّفاً بينَ مُتعادياتها مُفرّقاً بينَ مُتدانياتها دالّة بتفريقها على مُفرّقها، وبِتأليفِها على مؤلّفها وذلكَ قوله: (ومِنْ كلّ شيءٍ خَلقنا زَوجين لَعلّكُم تَذكّرون).
الخُلاصةُ أنّ مَنْ أمعنَ النّظرَ في الآية وتَفكَرَ معناها لوَجدَ الدّقةَ والبَلاغةَ في الكَلامِ فالآيةُ لم تَقلْ (ومِنَ الزّوجَينِ خَلقنا كُلّ شَيء) وإنّما قالتْ (وِمنْ كُلّ شَيءٍ خَلَقنا زَوجَين).
ودُمتُم سالمين.
اترك تعليق