الاختلاطِ في الطّواف  

علماني/: الطّوافُ حولَ الكعبةِ في الواقعِ مُختلَطٌ بينَ النّساء والرّجال, وهذا دليلٌ على أنّ الإختلاطَ جائٌز في الشريعةِ الإسلاميةِ.

: اللجنة العلمية

لمعرفةِ حُكمِ الإختلاط شرعاً لا بدّ أنْ نعرفَ: ما هو معنى الاختلاط؟

 الاختلاطُ - بإختصار-: هو إجتماعُ الرّجال والنساء في مكانٍ واحد، سواءٌ في بيتٍ أو سوقٍ، أو طريقٍ، أو عمل... الخ، فكلّ لقاءٍ لأحدِ الجنسينِ مع الآخر هو نوعٌ من أنواع الإختلاط.  

والإختلاطُ المُفسّرُ بهذا المعنى الواسعِ، إذا أمكنَ إجتنابهُ لشخصٍ أو شخصين، فهوَ بالتأكيد مُتعسِّرٌ بالنسبة للمجتمع عُموماً؛ لأنّ الإنسانَ يعيشُ عادةً في مجتمعٍ مُختلَطٍ، ولأفرادهِ حاجاتٌ متبادَلةٌ يعسرُ مَعها فرض عُزلةِ الرجال عن النساء بشكلٍ كامل، بل نجدُ الإختلاط َموجوداً حتى في بعض الأمور الشرعية الأساسية كالحج كما في الطّوافِ حولَ الكعبة والسعيّ بين الصفا والمروة، وكذلك الجهادُ كما يُستفادُ من سيرةِ النبيّ الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم - حيثُ كان للنّساءِ دورٌ أساسٌ في المعركة من مداواة الجرحى وسَقي الماء ونحو ذلك...

إذن، القولُ: بأنّ حكمَ الإختلاط - بمعناه الواسع - في الإسلام هوَ الحرمةُ، قولٌ ليسَ تامّاً؛ لأنّه متعسِّرٌ وفيه ضرر، وحيثُ أنّهُ لا ضررَ ولاضِرارَ في الإسلام،أي لا يوجد حكم ٌضرريٌّ ولا حكمٌ يوجبُ العسرَ والحرج؛ لأنّ الشريعةَ جاءتْ لتنظيمِ حياةِ الإنسانِ سواءاً بينهُ وبين ربّه، أو بينَه وبينَ الطبيعة، أو بينَ الإنسانِ وأخيه الإنسان، ببيانِ ما لهُ وما عليهِ من حقوقٍ وواجبات.

وبما أنّ الاختلاطَ أمرٌ لا بُدّ منه وواقعٌ في حياة الناس؛ لذلك تناولتِ الشريعةُ مفهومَهُ وعنوانهُ، وجعلتْ له أحكاماً بما يضمنُ حقوقَ كلٍّ من الرجلِ والمرأة، وكيفيّةِ الحفاظِ على هذه الحقوق وعدمِ التفريط بها.

فأصلُ الإختلاطِ جائزٌ في الشريعةِ ما دامَ يحفظُ حقَّ الآخر - سواءٌ الرجل أو المرأة - وما دامَ لا يؤدّي إلى التعدّي على حقّ الآخر.

ولذلكَ حرّمَتِ الشريعةُ المقدّسةُ نوعاً من الاختلاط، وهو الاختلاطُ الذي يصلُ إلى حدّ (الخَلوةِ) بينِ الرجلِ والمرأةِ الأجنبيين، ضمنَ شروطٍ يذكرُها الفقهاء... إذا إجتمعَ الرجلُ والمرأة في مكانِ خلوةٍ، بحيث لا يوجدْ أحدٌ هناك، ولا يتمكنْ غيرُهم من الدخول، فإن كانا يخافانِ الوقوعَ في الحرام ولو بمقدار النظرةِ المحرّمة، فمثلُ هذه الخلوة محرّمةٌ بنفسها، فيجب أنْ يترُكا المكان.

إذن، ليسَ الإختلاطُ بينَ الرّجلِ والمرأة في الشريعةِ المقدّسة حرامٌ بنفسهِ، وإنّما الإختلاطُ بمعنى الخلوة هو المحرّمُ بنفسه.

ولكنّ الإختلاطَ بينَ الرّجلِ والمرأةِ الأجنبيين قد يحرمُ مِنْ جِهةِ كونهِ مقدمةً للوقوع في الحرام لا أنه في نفسه حرام، كما لو لم تلتزمْ المرأةُ بما يوجبُ حفظَ عِفّتّها وشَرِفها وهتكتْ سِترَها بالتبرّج وعدمِ الإلتزامِ بالحجابِ الإسلاميّ الساترِ للبدنِ وللهيئة،أو بالخضوع في القولِ، أو المزاح وغيرِ ذلك.

أمّا إذا التزمتْ المرأةُ بكلّ ما يوجبُ الحفاظَ على سترِها وعفّتها وشرفِها، وراعتْ تلكَ الحدودِ الأساسيّة التي ينبغي مراعاتُها عندَ الإختلاط، فهذا الإختلاطُ ليسَ محرّماً شرعاً.

إذا إتّضحَ ذلكَ نجيبُ فنقول: إنّ الطوافَ وإن حصلَ فيه إختلاطٌ بينَ الرّجال والنّساء، ولكنْ لا يصلُ هذا الإختلاطُ إلى حدّ الخلوَةِ المحرّمةِ؛ لعدمِ إمكانِ حصولِ ذلك بسبب كثرةِ النّاس والحجيج وما شابهَ ذلك، ولا يصلُ أيضاً - الاختلاطُ - إلى حدّ يوجبُ الوقوعَ في الحرام؛ لعدمِ توفُّرِ ما يوجبُ الفتنةَ وإثارةِ الغرائزِ؛ لعدّة أسبابٍ نفسيّة وماديّة، كقدسيّةِ المكان - الكعبة المشرّفةِ - والأجواءِ الرّوحيةِ التي يعيشُها الحاج - الرجلُ والمرأة-فقد ورد عن صادق العترة صلوات الله وسلامه عليه:( إنّما سُمّيَتْ مكّةُ بكّةَ لأنّ النّاسَ يتباكون فيها).

 وإشتغالِ النفسِ وتوجُّهِها إلى بارئها والى طاعته، وكثرةِ الحجيج، والإلتزامِ بالحجابِ الشرعيّ، والتعبِ والعناء الحاصلِ نتيجةَ هذه الأعمال، وما شابهَ ذلك.

النتيجةُ: الإختلاطُ ليسَ له حكمٌ واحدٌ؛ لأنّه إمّا أن يكونَ بمعنى الخلوة، وإمّا أن يكونَ موجباً للوقوع في الفتنة وإثارةِ الشهوات. وهذا الإختلاطُ حكمهُ الحرمة، أما إذا لم يكنْ بمعنى الخلوة، ولا كان مؤديّاً للوقوع في الحرام، فهَو جائزٌ كما هو الإختلاطُ الحاصلُ في الطّواف.

أضفْ الى ذلك ورودَ رواياتٍ تدلُّ على إستثناءِ الحج من الإختلاط الممنوع كالروايةِ عن سيّدنا ومولانا أبي جعفر الباقر صلوات الله وسلامه عليه: ( إنّما سُمّيَتْ مكةُ بكّةَ لأنّه يبكُّ بها الرّجالُ والنساء والمرأة تُصلّي بينَ يديكَ، يمينك وعن شمالك (وعن يسارك) ومعكَ ولا بأسَ بذلك .إنّما يُكرَهُ في سائرِ البلدان.)

يبكُّ بمعنى :يزدحم.