التحذيرُ مِن ردِّ أحاديثِ أهلِ البيتِ ( عليهم السّلام )

ممكن شرح هذه الكلمات (لايجوز رد الحديث المنقول بواسطة الثقات عن الائمه عليهم السلام ورده بموجب الارتداد اذا كان بعنوان الاستخفاف والانكار والجحد)

: السيد رعد المرسومي

السّلام عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته: 

نقولُ في بادئِ الأمرِ: إذا كانَ الحديثُ يرويهِ الثّقاتُ مِن أصحابِنا عَن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام، ويُعَـدُّ منَ الأحاديثِ الصّحيحةِ، فلا يجوزُ مُطلقاً ردّهُ، وذلكَ لِـما يترتّبُ على هذا الرّدِّ مِن أمرٍ خطيرٍ، إذ سيكونُ بمنزلةِ الرّدِّ على اللهِ جلّ في علاه، إذ إنّ أئمّةَ أهلِ البيتِ عليهم السّلام هُم أمناءُ اللهِ تعالى وحُججُه على خلقِه، فالرّادُّ عليهم رادُّ على اللهِ تعالى، والرّادُّ على اللهِ تعالى كافرٌ كما لا يخفى. إذ روى أبو بصيرٍ عَن أبي جعفرٍ أو عَن أبي عبدِ اللهِ (عليهِ السّلام) قالَ: (لا تُكذّبوا الحديثَ إذا أتاكُم بهِ مُرجئٌ ولا قدريٌّ ولا حروريٌّ ينسبُه إلينا، فإنّكم لا تدرونَ لعلّه شيءٌ منَ الحقِّ، فيُكذَّبُ اللهُ فوقَ عرشِه). (المحاسنُ 1: 23، كتابُ مصابيحِ الظّلمِ باب 16 ح175). 

وعن سفيانَ بنِ السّمط قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله (عليه السّلام) إنّ الرّجلَ يأتينا مِن قبلكم فيخبرُنا عنكَ بالعظيمِ منَ الأمرِ فتضيقُ لذلكَ صدورُنا حتّى نُكذّبَه، فقالَ أبو عبدِ اللهِ (عليه السّلام): أليسَ عنّي يُحدّثُكم؟ قلتُ: بلى ، فقالَ: فيقولُ لليلِ إنّهُ نهارٌ والنّهارُ إنّه ليلٌ؟ فقلتُ: لا، قال: فردّوه إلينا، فإنّكَ إذا كذّبتَه فإنّما تُكذّبُنا. (مُختصرُ بصائرِ الدّرجات:77). 

أضِف إلى ذلكَ: بأنَّ الأمرَ لم يقتصِر عندَ هذا الحدّ، وإنّما شملَ التّحذيرُ كذلكَ مَن لم يفهَم معاني الأحاديثِ أو يقبَل مضامينَها، إذ وردَ في أحاديثِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام التحذيرُ مِن تكذيبِ الأحاديثِ المرويّةِ عنهم عليهم السّلام بسببِ عدمِ فهمِ معانيها، أو عدمِ قبولِ مضامينِها. وهذا ما دلّت عليهِ أحاديثُ صحيحةٌ مرويّةٌ عنهم عليهم السّلام. 

منها: صحيحةُ أبي عُبيدةَ الحذّاءِ عَن أبي جعفرٍ الباقرِ عليه السّلام: قالَ سمعتُه يقول: أما واللهِ إنَّ أحبَّ أصحابي إليّ أورعُهم وأفقهُهم وأكتمُهم لحديثنا، وإنّ أسوأهُم عندي حالاً، وأمقتَهم إليّ الذي إذا سمعَ الحديثَ يُنسبُ إلينا، ويُروى عنّا، فلم يعقِله، ولم يقبَله قلبُه، اشمأزَّ منهُ، وجحدَه، وكفرَ بمَن دانَ به، وهو لا يدري لعلَّ الحديثَ من عندنَا خرجَ، وإلينا أُسند، فيكونُ بذلكَ خارجاً مِن ولايتنا. (بصائرُ الدّرجات: 557) 

  

وصحيحةُ أبي بصيرٍ عن أبي جعفرٍ عليه السّلام أو عَن أبي عبدِ الله عليه السّلام، قالَ: لا تكذّبوا بحديثٍ أتاكم (به) أحدٌ، فإنّكم لا تدرونَ لعلّه منَ الحقّ، فتكذّبوا اللهَ فوقَ عرشِه. (نفسُ المصدر). 

  

ولعلّ منَ النّماذج الواضحةِ في ردِّ الأحاديثِ بسببِ عدمِ فهمِ مضمونِها صحيحةُ أبان بن تغلب، قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله عليه السّلام: ما تقولُ في رجلٍ قطعَ إصبعاً مِن أصابعِ المرأة، كَم فيها؟ قالَ: عشرٌ منَ الإبلِ، قلتُ: قطعَ إثنين؟ قالَ: عشرون، قلتُ: قطعَ ثلاثاً؟ قالَ: ثلاثونَ، قلتُ: قطعَ أربعاً؟ قالَ: عشرونَ، قلتُ: سُبحان الله، يقطعُ ثلاثاً فيكونُ عليه ثلاثونَ، ويقطعُ أربعاً فيكونُ عليه عشرونَ؟ إنّ هذا كانَ يبلغُنا ونحنُ بالعراقِ فنبرأ ممّن قالَه، ونقولُ: الذي جاءَ بهِ شيطانٌ. فقالَ: مهلاً يا أبان، هكذا حكمُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، إنّ المرأةَ تعاقلُ الرّجلَ إلى ثلثِ الدّيّةِ، فإذا بلغَت الثّلثَ رجعَت إلى النّصفِ. يا أبان إنّكَ أخذتنِي بالقياسِ، والسّنّةُ إذا قيسَت مُحقَ الدّين. (الكافي 7/299). 

  

وأمّا ردُّ الحديثِ المرويّ عَن أهلِ البيتِ عليهم السّلام بأحدِ الأسبابِ الآتيةِ، منها: 

  

1- كونُ الحديثِ مرويّاً عن الفسقةِ، أو الضّعفاءِ، أو الكذّابينَ، أو الوضّاعينَ، أو المجهولينَ، فإنّ أخبارَ هؤلاءِ جميعاً ليسَت بحُجّةٍ، وكلُّ ما لَم يكُن حُجّةً فإنّه لا يجوزُ العملُ به. 

  

2- كونُ مضمونِ الحديثِ مُخالفاً لكتابِ الله تعالى، فإنّه قَد وردَ عنهم عليهم السّلام التأكيدُ على عرضِ ما يُروى عنهم على كتابِ الله، فما وافقَ كتابَ اللهِ وجبَ الأخذُ به، وما خالفَه وجبَ ردّه والإعراضُ عنه. 

  

3- كونُ الحديثِ مُعارضاً لسنّةِ النّبي المتواترةِ أو الصّحيحةِ، أو معارضاً لِما هوَ مشهورٌ عَن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام، فإنّه يجبُ الأخذُ بالمشهورِ، ويجبُ تركُ الشاذِّ النّادر. 

  

4- كونُ الحديثِ قَد صدرَ عنهم عليهم السّلام تقيّةً، فإنّه يجوزُ ردّه، لأنّه لم يكُن كاشفاً عن الحُكمِ الواقعيّ الصّحيح. ولهذا ميّزَ العُلماءُ بينَ الأحاديثِ الضّعيفةِ والأحاديثِ الصّحيحةِ، فعملوا بالصّحيحةِ منها، وتركوا الضّعيفةَ، ومعنى تركِ الضّعيفةِ منها هوَ عدمُ العملِ بها في دينِ اللهِ لعدمِ حُجّيّتِها؛ لقولِه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوماً بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ) [الحُجرات: 6].

والحديثُ الضّعيفُ وإن لَم يكُن حجّةً في دينِ اللهِ تعالى، إلّا أنّه لا يجوزُ تكذيبُ مضمونِه إذا لَم يكُن مُعارِضاً للكتابِ أو السّنّةِ الصّحيحةِ؛ لأنّ الحديثَ الضّعيفَ ربّما يكونُ صادراً عنهم عليهم السّلام، إلّا أنّه لم يُروَ بسندٍ صحيحٍ، ولم تكن هناكَ قرائنُ مُحتفّةٌ بهِ توجبُ الإطمئنانَ إليه، فوجبَ تركُه، ولم يجُز تكذيبُه. 

  

وحاصلُ الكلامِ: أنّ الحديثَ الضّعيفَ لا يكونُ حُجّةً، ولا يصحُّ الإحتجاجُ به، لكِن لا يجوزُ تكذيبُه، كما لا يجوزُ الأخذُ به، واللهُ العالمُ. ودمتُم سالِمين.