هل يليقُ بالإمامِ المهديّ (ع) أن تقتلَه امرأةٌ يهوديّة 

أعتقدُ أنّ بعضاً أو كثيراً منَ الرّواياتِ في قتلِ الإمامِ المهديّ (عج) تحتاجُ إلى الكثيرِ منَ البحثِ والإستقصاءِ والتّنقيةِ، فالأقلامُ اليهوديّةُ أوصلَت إلينا رواياتٍ في التاريخِ الإسلاميّ مِن حيثُ ندري ولا ندري فإمامٌ يحجبُه اللهُ سبحانَه عَن خلقه ويحميهِ ليومٍ موعودٍ فهل يُخرجُه لتقتلَه يهوديّةٌ قتلةً أقلُّ ما يقالُ عنها أنّها لا تليقُ بإمامٍ حفظَه اللهُ لآلافِ السّنين؟   

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

أوّلاً: هناكَ العديدُ منَ الرّواياتِ التي تنصُّ أنَّ الأئمّةَ عليهم السّلام لا يخرجونَ منَ الدّنيا بالموتِ الطّبيعي، وإنّما تكونُ وفاتُهم إمّا بالقتلِ أو السّمِّ، وهيَ رواياتٌ مستفيضةٌ وبعضُها معتبرةٌ بالخصوص. 

 

ثانياً: التّراثُ الشيعيُّ محميٌّ منَ الإختراقِ اليهوديّ، فتراثُ أبناءِ العامّةِ تمَّ إختراقُه مِن قبلِ العنصرِ اليهوديّ بقيادةِ كعبِ الأحبارِ ووهبٍ بنِ منبه، وتلامذتِهما منَ الصّحابةِ، وغيرِهم منَ الشّخصيّاتِ التي كانَ لها دورٌ كبيرٌ في تسرّبِ الفكرِ اليهوديّ إلى التّراثِ السنّيّ في مرحلةٍ مبكرةٍ جداً. 

ومنَ الجهلِ بمكان تصوّرُ أنّ تراثَ الشّيعةِ الإماميّةِ تمّ إختراقُه منَ اليهودِ، فتراثُنا مأخوذٌ عَن أئمّتِنا (ع) وبعضِ الصّحابةِ الذينَ أجمعَ المسلمونَ على طهارتِهم ونزاهتِهم وعدمِ إتّصالِهم باليهودِ، أمثالَ سلمانٍ وأبو ذرٍّ والمقدادِ وعمارٍ وغيرِهم منَ النّجباءِ الأتقياءِ الذينَ تشبّعوا بعلمِ إمامِهم أميرِ المؤمنينَ (ع) فلم يلهثوا وراءَ كعبٍ ووهبٍ وغيرِهما وكتبِ اليهودِ والنّصارى. 

 

ثالثاً: مسألةُ مقتلِ الأنبياءِ والأئمّةِ عليهم السّلام، ليسَت تابعةً للذّوقِ والميولِ النّفسيّةِ، فليسَ منَ الصّحيحِ أن نقترحَ قتلةً خاصّةً لأحدِ الأنبياءِ أو لأحدِ الأئمّةِ عليهم جميعاً سلامُ الله، فنحنُ والدّليل. 

فلو مشينا على هذا القياسِ، لا بدَّ أن لا يُقتلَ يحيى بنُ زكريّا وتقطّعَ رأسُه وتقدّمَ لبغيّةٍ مِن بغايا بني إسرائيل، لأنّها لا تليقُ بحالِ نبيٍّ أن يُقدّمَ رأسُه لبغيّةٍ مِن بغايا بني إسرائيل. 

وكذلكَ أميرُ المؤمنينَ (ع) لا بدَّ أن لا ينجحَ عبدُ الرّحمنِ بنُ ملجم لأنّ قطام جعلَت مهرَها قتلَ أميرِ المؤمنين (ع). 

وهكذا لا بدَّ أن لا تستطيعَ هندُ أن تمثّلَ بحمزةَ عمِّ النّبيّ (ص) بهذهِ الطّريقةِ البشعةِ في معركةِ أحد. 

وكذلكَ الإمامُ الحسينُ (ع) قُتِلَ شرّ قتلةٍ في كربلاء، ومُثّلَ ببدنِه الشّريفِ، وقُطّعَت رأسُه ورُفعَت على الرّماحِ وداروا بها في البلدان. 

هل كلُّ هذهِ الطّرقِ منَ القتلِ والتّعذيبِ والتمثيلِ تليقُ بمقامِهم؟!  

وهل يليقُ بمقامِ بناتِ الرّسالةِ أن تُسبى ويدارَ بهنَّ مِن بلدٍ إلى بلد؟! ويتصفّحُ وجوههنَّ القريبُ والبعيد؟! ويدخلوهنَّ إلى قصرِ إبنِ زياد ويزيد؟!  

 

رابعاً: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى حفظَ الإمامَ المهديَّ (عليه السّلام) طولَ هذهِ السّنواتِ وإدّخرهُ لأداءِ مهمّةٍ كبيرةٍ وعظيمةٍ، وسيؤدّيها على أتمّ وجهٍ، بما يليقُ ببشاراتِ الأنبياءِ بهِ في كلِّ زمانٍ، وبما يليقُ بطولِ زمانِ غيبتِه. 

فإذا ظهرَ دينُ الإسلامِ على الدّينِ كلِّه، وانتشرَ العدلُ في كلِّ مكانٍ، وعمَّت المعمورةَ معرفةُ اللهِ تعالى، وخمدَ صوتُ الباطلِ، وتنعّمَ المؤمنونَ في دولتِه وتحتَ ظلِّه مئاتِ السّنين، وأدّى جميعَ ما كلّفَهُ اللهُ، فيكونُ قد أدّى مهمّتَه بأتمِّ وجه. 

وتكونُ نهايتُه هوَ الخروجُ منَ الدّنيا بطريقٍ غيرِ إعتياديٍّ وهوَ التّصفيةُ إمّا مِن طريقِ السّمِّ أو القتلِ – كما وردَ في بعضِ الكتبِ أنّهُ تقتلُه إمرأةٌ –  

فليسَ منَ الصّحيحِ أن نقترحَ طريقةً خاصّةً لإغتيالِه، أو جنساً معيّناً، أو زماناً خاصّاً. 

هذا الأمرُ تابعٌ للدّليلِ، لا للتّصوّراتِ والإقتراحاتِ. 

 

خامساً: إنّ قتلَه على يدِ إمرأةٍ يهوديّةٍ مشهورٌ على الألسنةِ، ولم نعثُر على روايةٍ أو نقلٍ في تراثِنا يشيرُ إلى ذلكَ، سوى ما نقلهُ الشّيخُ علي الحائري اليزدي (ت 1333 هج) عن بعضِ العلماءِ: فإذا تمَّت السّبعونَ السّنةَ أتى الحجّةَ الموتُ فتقتلهُ إمرأةٌ من بني تميمٍ إسمُها سعيدة ولها لحيةٌ كلحيةِ الرّجلِ بجاون  صخرٍ من فوقِ سطحٍ وهو متجاوزٌ في الطّريق. (إلزامُ النّاصبِ في إثباتِ الحجّةِ الغائب: 2 / 146) .  

هذا كلُّ ما هو المنقولُ، وليسَ فيها أنّها يهوديّةٌ، ولم ينسِبها إلى الرّوايةِ عنِ المعصومينَ (ع). ولكن لا ننسى الرّواياتِ المُستفيضةَ أنّهم (ع) لا يُتوفّونَ إلّا قتلاً أو سمّاً. 

 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.